حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: واشنطن وطهران.. مفاوضات كثيرة وضمانات قليلة!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

يبدو ان الامور في ازمة الاتفاق النووي تتجه الى نهاياتها، وبات التوقيع على النسخة الجديدة للتفاهم حول اعادة احياء الاتفاق النووي قريبا جدا، وان التأخير الذي حصل واجل هذا الموعد، الذي كان مقررا في 17 الشهر الجاري وقبل يوم واحد من الانتخابات الرئاسية الايرانية، كان لاسباب تتعلق بشروط سياسية ايرانية بعيدة عن الجانب الفني، خصوصا مسألة ادراج اسم رئيس الجمهورية الجديد ابراهيم رئيسي على لائحة العقوبات الامريكية، بالاضافة الى تمسك ايران بالحصول على ضمانات مكتوبة من الادارة الامريكية، تمنع تكرار التجربة التي حصلت مع الرئيس السابق دونالد ترمب وقرار انسحابه من الاتفاق. 

إقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: الانتخابات الايرانية على وقع «الانتفاضة الاصلاحية»!

كلام الرئيس حسن روحاني جاء واضحا بعد الجلسة، التي عقدها مع رئيس الوفد الايراني المفاوض عباس عراقتشي، الذي عاد الى طهران بعد انتهاء الجولة السادسة من مفاوضات فيينا، عندما اكد ان الامور باتت منتهية، ولا تحتاج سوى اعطاء التوجيه لعراقتشي بالتوقيع، حتى يتم اعادة احياء الاتفاق النووي وتبدأ العقوبات بالتراجع. 

كلام روحاني يحمل على الاعتقاد بان وزير الخارجية محمد جواد ظريف، قد خرج من دائرة التأثير على مسار المفاوضات النووية، وان الجهة التي تملك التفويض بالتوقيع على الاتفاق الجديد مع السادسية الدولية (5+1)، قد ابتعدت عنه وباتت في دائرة صلاحيات عراقتشي. على الرغم من ان الحديث عن انتهاء المفاوضات والاستعداد للتوقيع  يتزامن مع جرعة تفاؤل كبيرة، ظهرت في كلام ظريف الذي شارك في الاجتماع، الذي جرى بين روحاني وعراقتشي بعد عودته، ولاحقا في الاجماع مع الرئيس الجديد، في اطار تقديم تقرير مفصل عن عمل الجهاز الدبلوماسي والفريق المفاوض، والنتائج التي وصلت اليها المفاوضات. 

يضاف الى هذه الجرعة التفاؤلية، ما قاله المندوب الدائم الروسي في الامم المتحدة ميخائيل اوليانوف، عن ان المفاوضات وصلت الى النتائج المطلوبة وان المتوقع ان يتم التوقيع على التفاهم الجديد في الخامس عشر من تموز المقبل، في الذكرى السنوية السادسة للاتفاق الاول الذي وقع عام 2015. 

مفاوضات فيينا في الجزء المتعلق بالعقوبات الاقتصادية، انتهت الى الغاء نحو 1043 قرار عقوبات

تؤكد مصادر ايرانية معنية بالمفاوضات النووية، ان مفاوضات فيينا في الجزء المتعلق بالعقوبات الاقتصادية، انتهت الى الغاء نحو 1043 قرار عقوبات، سبق ان فرضها الرئيس الامريكي السابق ترمب من اصل 1500 تتحدث عنها طهران، وان العقوبات التي تم رفعها، شملت تلك المرتبطة بمكتب المرشد الاعلى وبعض الشخصيات الاساسية في النظام، ويأتي هذا الكلام مع بروز تساؤل حول قبول الرئيس الامريكي جو بايدن، الموافقة على سحب اسم الرئيس الجديد رئيسي من لائحة العقوبات، وهو تساؤل يصب في سياق ما كشف عنه من سحب اسماء شخصيات تشملها العقوبات، وكبادرة امريكية لتسهيل الطريق امام الهدف الاستراتيجي، في الحفاظ على باب التفاوض مع طهران مفتوحا في المستقبل، ما يعني امكانية ان يكون رئيسي من ضمن الشخصيات التي ادرجت في الاتفاق الجديد. 

فيما يتعلق بموضوع الضمانات الامريكية بعدم الانسحاب من الاتفاق، وامام صعوبة ان يكون الرئيس بايدن، قادرا على توفير ثلثي اصوات الكونغرس الامريكي لتمرير الاتفاق مع ايران، تقول المصادر ان البعد السياسي في هذا الاطار، فرض مسارا سياسيا مختلفا على الفريق الايراني المفاوض، وضرورة البحث عن اطر وشروط تضمن لطهران الحصول على ما يشبه هذه الضمانات، من خلال فتح النقاش حول الاجراءات التي يحق لايران اتخاذها، في حال عادت الادارة الامريكية للاجراء نفسه الذي قام به ترمب، اي ان يتضمن الاتفاق الجديد نصوصا واضحه، تسمح لايران باتخاذ خطوات اكثر جدية، من تلك التي لجأت اليها في السنتين الاخيرتين ضمن الية تقليص التزاماتها النووية، وان تكون هذه الاجراءات الجديدة قانونية، لا تسمح باعطاء الذرائع للاطراف الدولية المشاركة في الاتفاق باي اجراء عقابي ضدها. 

تستغل طهران الرغبة الامريكية بضرورة الانتهاء من ازمة الاتفاق النووي، وان لا تربط التفاوض المباشر او غير المباشر مع القيادة الايرانية بالملف النووي

وتستغل طهران الرغبة الامريكية بضرورة الانتهاء من ازمة الاتفاق النووي، وان لا تربط التفاوض المباشر او غير المباشر مع القيادة الايرانية بالملف النووي، وانها تسعى لجعل الاتفاق النووي “ركيزة” او نقطة بداية لمسار تفاوضي جديد ما ايران، من هنا تعتقد القيادة الايرانية ان مساعي الادارة الامريكية، الابقاء على جانب من العقوبات، من اجل الامساك او الاحتفاظ بوسائل ضغط على ايران وتوظيفها، في دفع ايران للجلوس الى طاولة التفاوض، بعد اعادة احياء الاتفاق النووي. 

تسعى واشنطن للحصول من طهران على “تعهد” مكتوب، بالعودة الى طاولة التفاوض من اجل التوصل الى اتفاق شامل

هذه الاسباب والجهود التي يبذلها الفريق الامريكي المفاوض، للحفاظ على البنية الاساسية للعقوبات ضد ايران، يفسر الاسباب التي تمنع الادارة الديمقراطية، من تقديم “ضمانة مكتوبة” بعدم الخروج من الاتفاق في المستقبل، في المقابل تسعى واشنطن للحصول من طهران على “تعهد” مكتوب، بالعودة الى طاولة التفاوض من اجل التوصل الى اتفاق شامل واوسع بينهما، خصوصا وان اتفاق عام 2015 لم يتطرق الى هذا البعد، ولم يقدم لواشنطن المدخل الذي يجبر طهران على التفاوض، حول المسائل المتعلقة بالبرنامج الصاورخي والنفوذ الاقليمي. وهو ما عادت طهران واكدت عليه في الايام الاخيرة، من ان مفاوضات فيينا لم تخرج عن اطار البحث في ازمة الاتفاق النووي وعودة واشنطن الى تنفيذه، وان المفاوضات لم تتطرق الى اي موضوع اخر، خصوصا مسألة البرنامج الصاروخي الذي لن يكون البحث حول في حال حصول ذلك، خارج اطار قرار مجلس الامن رقم 2231، ومسألة النفوذ الاقليمي، الذي يبدو ان طهران فتحت مسارا موازيا لمسار المفاوضات مع السداسية الدولية في فيينا، يقوم على التفاوض المباشر بينها وبين دول الاقليم خصوصا السعودية، من اجل التوصل الى تفاهمات ثنائية تسقط الذريعة الامريكية، في ضرورة البحث في اثار هذا النفوذ والدور التي تقوم به في الاقليم.

باتت الطريق ممهدة امام الرئيس الجديد للاستثمار في نتائج المفاوضات

في المحصلة، باتت الطريق ممهدة امام الرئيس الجديد للاستثمار في نتائج المفاوضات، التي يرغب الامريكي الانتهاء منها قبل انتقال السلطة، وان يقطف ثمار الجهود التي بذلها سلفه ودفع ثمنها داخليا، من خلال العراقيل التي وضعت امام حكومته وفاقمت الازمة الاقتصادية، الى جانب العقوبات الامريكية. ولم تعد تنفع معها مواقف روحاني “العاتبة” والشكوى من عدم تقدير الانجازات التي قام بها، خصوصا في المفاوضات وفي ادارة الدولة والاقتصاد من دون موارد مالية وعائدات النفط، وهي المرة الاولى التي تدار بها الدولة، من دون الاعتماد على عائدات النفط وفي ظل عقوبات اقتصادية خانقة. 

السابق
عشية «المؤتمر الوطني اللبناني».. حمدان لـ«جنوبية»: قد تنبثق منه حركة سياسية واسعة!
التالي
خاص «جنوبية»: وشايات ونكايات نفطية بين «أمل» و«حزب الله»..والأمن العام يُداهم!