التعميم 158: إرتباك مصرفي.. وتوجس من تحميل الخسائر للمودعين!

زحمة امام احد المصارف
لا تزال المصارف اللبنانية مربكة في كيفية التعامل مع التعميم 158، الذي أطلقه مصرف لبنان لإعادة أموال المودعين "بالتقسيط"، إبتداءا من اليوم الاول من تموز الحالي، في الوقت ينتظر المودعون ما الذي ستحمله آلية تطبيقه ليبنوا على الشيء مقتضاه، أما الخبراء الاقتصاديون فيبدون ملاحظات عديدة عليه بالشكل و المضمون .

في الأول من تموز الحالي أصبح التعميم 158، الذي صدر عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بتاريخ 8/ 6/ 2021 نافذا، ويتضمّن إجراءات إستثنائية لتسديد الودائع بالعملات الأجنبية. لكن يبدو أن التعميم لم ينضج بعد، و”طبخه” يتطلب المزيد من الوقت، بدليل أن خبرا تمّ تناقله بعد الاجتماع الذي ضمّ سلامة مع جمعية المصارف في 25 حزيران الفائت، طُرح فيه تأجيل تنفيذ التعميم لمدة شهر فتمّ ترك الحرية للمصارف بتطبيق التعميم بأي يوم من أيام تموز .

إقرأ أيضاً: بالفيديو: «الذهب الأخضر».. طوابير وإذلال وتدافع!

في الجانب التقني للتعميم فإنه يحدد المستفيدين من التسديد التدريجي للودائع بأصحاب الحسابات المكوّنة قبل 31/ 10/ 2019، ويستثني الحسابات المحوّلة إلى العملات الأجنبية بعد 31 / 10 / 2019 ، وفي حال أراد صاحب الحساب الذي يحق له الاستفادة من هذا القرار، عليه أن يطلب من المصرف المعني أن يفتح حساباً خاصاً متفرعاً SPECIAL SUB ACCOUNT، يحوّل إليه مبلغاً يوازي 50 ألف دولار أميركي، وفقاً للمبالغ المتوافرة لديه بالدولار الأميركي أو بعملات أخرى، على أن يرفع صاحب الحساب حصراً السرية المصرفية عن حسابه الخاص المتفرع وليس على الحسابات العائدة له كافة، وذلك فقط لمصلحة مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف.

يتمّ السحب من المبلغ المحوّل من الحساب الجاري المتفرّع مبلغ 800 دولار أميركي شهرياً، يُدفع منها 400 دولار نقداً BANK NOTE، وكذلك ما يوازي 400 دولار بالليرة اللبنانية على أساس السعر المحدّد على المنصّة الإلكترونية لعمليات الصرافة SAYRAFA، يُدفع منها 50 في المئة نقداً و50 في المئة بواسطة البطاقات المصرفية، على ألّا يتجاوز مجموع ما يمكن سحبه من الحساب الخاص المتفرّع بالعملتين سنوياً ما يساوي 9600 دولار أميركي. وتأمين السيولة لتلبية متطلبات هذا القرار يكون مناصفة من سيولة المصرف المعني لدى البنوك المراسلة، ومن التوظيفات الإلزامية بالعملات الأجنبية العائدة للمصارف لدى مصرف لبنان، والتي يحرّرها الأخير لهذه الغاية. ويحق للمصارف تأمين السيولة المطلوبة بموجب هذا القرار، استعمال السيولة الخارجية المتوافرة لديها من ضمن نسبة الـ 3 في المئة المشار إليها في التعميم 154، على أن تتمّ إعادة تكوين هذه النسبة في مهلة أقصاها 31/ 12/ 2022. ويحظّر على المصارف أن تستعمل الحسابات الجديدةFRESH ACCOUNTS، لتسديد المبالغ المتوجبة عليها بأحكام هذا القرار والأموال التي وافق أصحابها على إعادتها عملاً بأحكام التعميم الرقم 154.

أين العدالة ؟

كل هذه التفاصيل التقنية للتعميم 158، يقابلها أسئلة كثيرة يثيرها أهل الاختصاص حول “العدالة” التي يجب أن يؤمنها التعميم، لنحو 800 ألف مودع ستصلهم ودائعهم في مدة أقصاها 5 سنوات، أي الحسابات التي تفوق أرصدتها الـ50 ألف دولار، والحسابات المكونة بعد 31 / 10 / 2019، وتلك التي حوّلت من الليرة إلى العملات الأجنبية والأموال التي حُوّلت إلى الخارج، التي طلب المصرف المركزي من المصارف بموجب التعميم، أن يحث أصحابها على إعادتها بنسبة 15 في المئة.

يسجل الخبير الاقتصادي الدكتور جو سروع عدة ملاحظات على التعميم 158 و آلية تطبيقه، يبدأها بالشرح لـ”جنوبية” أن”إلزام صاحب الحساب المستفيد( بموجب التعميم)، أن يرفع حصراً السرية المصرفية عن الحساب الخاص المتفرع لصالح مصرف لبنان ولجنة الرقابة، يمكن الاستعاضة عنه بالآليات التي حدّدها التعميم في المادة الرابعة، و التي تفيد بأنّ على المصارف تزويد مركزية الحسابات الخاصة المتفرعة المشار إليها في المادة 7 و8 و9 من التعميم”.

سروع لـ”جنوبية”: يُخشى أن يؤدي التعميم إلى “إطفاء” الخسائر على حساب المودعين  

يلفت سروع إلى أنه “في ما يتعلق بالتمويل يحدّد التعميم التمويل مناصفة بين المصرف المركزي والمصارف، ويحق للمصارف تأمين قسطها من السيولة الخارجية المتوافرة لديها ضمن نسبة الـ 3 في المئة المشار إليها في التعميم الرقم 154 تاريخ 27 / 8 / 2020، على أن تتمّ إعادة تكوين هذه النسبة في مهلة أقصاها 31 / 12 / 2022 “، مشيرا إلى أن “المصارف تصرح أن ناتج حساباتها عند المصارف المراسلة في الخارج، هو سلبي بمبلغ يفوق المليار دولار، وكذلك في وقت لم يتمّ فيه إعلان مَن من المصارف تمكّن من الإيفاء بنسبة الـ 3 في المئة المطلوبة ومن لم يؤمّنها؟ وما هو مستوى السيولة المتوافرة عند كل مصرف على حدة؟ ومَن منها بإمكانه حالياً أن يفي بإجراءات التعميم الاستثنائية”.

ضبابية في الارقام

يضيف:”في هذه الحالة يحق لنا أن نسأل هل ستتمكن المصارف من إعادة تكوين هذه النسبة في مهلة اقصاها 31 / 12 / 2022 ؟ وما رشح في هذا السياق إلى الآن، لا يمكن توصيفه بالشفاف والواضح، والمستقبل رهن بإعادة هيكلة المصارف وتبيان إتساعها وعمقها وجدواها المالية والنقدية والاقتصادية”، موضحا أن “المصرف المركزي فسيؤمّن السيولة المنوطة، به من التوظيفات الإلزامية بالعملات الأجنبية العائدة للمصارف لدى مصرف لبنان، وذلك من السيولة المتوافرة له في الخارج والتي يحرّرها لهذه الغاية وهي في الاصل من الاحتياط الإلزامي”.

لا يخفي سروع “خشيته من أن يؤشر هذا التعميم وامتداده المبدئي الى 5 سنوات مع إمكانية تعديله وتجديده سنوياً، إلى العودة إلى اعتماد الحل الراديكالي في إطفاء الخسائر على حساب المودعين الذين يتجاوزون التعريف بصغار المودعين، ويدعم هذه الخشية كون إثنين من النسب التي يتشدّد فيهما صندوق النقد الدولي، هما نسبة الودائع إلى الدخل القومي، ونسبة الدين السيادي إلى الدخل القومي، وتتشارك فيهما قيمة الودائع”، موضحا أن “الديْن السيادي بأكثريته الساحقة داخلي ومموّل من ودائع الناس، وبالتالي غني عن القول إنّ «مأزق» هاتين النسبتين عند الدولة وليس عند المودعين، وعلى كل من نادى والتزم بأنّ ودائع الناس خط أحمر، اي أن يعطي لهذا الشعار معنى حقيقياً مطمئناً وضامناً”.

ويدعو إلى “إعادة النظر في هذا التعميم، إلى حين تلازمه مع التحديد العادل للخسائر وتسريع التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وهذا أصبح ممكناً لإنكشاف الحالة اللبنانية وكذلك من الضروري تلازم ذلك مع إعادة هيكلة معقولة وذات معنى للقطاع المصرفي”.

جو سروع
الدكتور جو سروع
السابق
« صفعتان مجلسية وفاتيكانية» لعون وباسيل..وإعتذار الحريري غير وارد!
التالي
غضب «عنيف» جنوباً وبقاعاً..و«الثنائي» يَزج بالقوى الأمنية في المواجهة!