في رحيل سيد عارف آخىَ السماء في عُرُوجه الى الحق

السيد محمد حسن الأمين

جَبَلُ العِلم هَوَى …

جَبَل العلم هَوى …

رحل سيدي ، العلاّمة السيد محمد حسن الأمين ( قدس سّره الشريف ) ، تاركاً سطوع فكره التنويريّ المشعّ ، الذي استوى بدراً تماماً ، في حلكة الليل الطويل للاجتهاد …

سيدي …

أنت يا مَن – جهاراً – آخيتَ السماء ، بنهجكَ وسلوكك القرآنييّن ، في عروجكَ العرفانيّ المَشهود الى الحقّ ، هاءنذا ، أُجدّد لك بَيعتي الدينّية والمعرفيّة الخالصة ، والمستمرّة الى الأبد …

وُوصف السيد محمد حسن الأمين بأنه هو آخر العلماء الموسوعيين عند الشيعة

أقول لك ذلك ، لأنني ، الآن ، أُجَدّد أيضاً اعلان افتخاري بهذه البيعة ، وباطلاق ، في السرّ وفي العلن ، لرجل اعتبرتُه ، وسأظلّ أعتبرهُ ، ومنذ تَعمُّق معرفتي الشخصية به ، أَبايَ الّروحيّ والثقافيّ ، على السوّاء . 

بداية معرفتي بالسيد

ولقد كانت اللحظة الأولى لمعرفتي الشخصية بسماحة العلاّمة  السيد محمد حسن الأمين ، هي اللحظة التي ، وعن طريق معرفته الشخصية بوالدي ، عَقَد فيها قراني على زوجتي ، في محكمة صيدا الجعفرية ، في العام 1982. ومن بعدها بدأت تتعمق معرفتي الشخصية بسماحته عن قرب ، منذ انتسابي الى ” ملتقى الثلاثاء الثقافي ” في التسعينيات من القرن الماضي ، حيث كنت عضواً اداريا في هذا الملتقى ، على أن الفضل الكبير والأول والأخير ، في هذا الانتساب ، يعود الى سماحة السيد لأنه هو الذي ” أمرني ” بتحقيقه . ولقد جاء ذلك ” تمهيداً للفضل الأكبر لسماحته عليّ ، اذ انه ، وابّان انتسابي الى الملتقى ، وبمبادرة كريمة منه ، كانت مفاجئة – تماماً – لي ، تمثّلت برعايته الحانية لانطلاقتي الشعريّة ، والتي أعلنها ، في مداخلة له في أحد أنشطة الملتقى .

محتويات كتاب ” امالي الامين ” :انها في قمة ما توصّل اليه علماء الحوزة الدينية الشيعية الراهنة

بيت علميّ وخلاّق 

ولقد اتخذ السيد الأمين من بيته ، في يئر العبد ، مركزاً لـ”ملتقى الثلاثاء الثقافي ” ، حيث حضَن هذا البيت العلميّ والثقافي والخلاّق والكريم والمضياف ، الندوات الأسبوعية لهذا الملتقى الذي كان الملتقى الأشهر في وقته ، في الضاحية الجنوبية لبيروت خصوصا ، وأحد المنتديات الثقافية الأشهر في لبنان عموما . 

كانت شخصية السيد الأمين ثورورية متحررة

قامة علمائية تاريخية 

هذا فيما يخص معرفتي الشخصية بالعلاّمة الأمين ، هذه العرفة التي تخولني الاشارة الى الجوهر الفكريّ لهذه القامة العلمائيّة  الخالدة بشموخها الفذّ ، والتي قلّ نظيرها في التاريخ الاسلامي والانساني عموماً . 

جوهرية الفكر الأمينيّ

فالجوهر الفكريّ للمفكر الاسلامي العلامة السيد محمد حسن الأمين ، متمثل بمقولته الفقهية الفريدة التي هي ، بمثابة القاعدة الشرعيّة الحقيقية والصحيحة – والتي لا تقبل الاستثناء مطلقاً – للدين القيّم والقويم ، لصدورها عن فكر دينيّ تنويريّ محض وهي : ” ان الدين وُجد لخدمة البشرية ، والبشرية لم تُخلق لخدمة الدين ” . واذا ما تأملنا عميقا في جوهرية هذه القاعدة – التي هي محصّلة تأويله العلميّ العميق لنص الآية القرآنية الكريمة ، التي يخاطب فيها الله تعالى الرسول الأكرم محمد (ص) بالقول ” وما أرسلناك الاّ رحمة للعالمين ” – نجد أن كوارثنا البشرية الدموية كان سببها الوحيد ، هو اكراه بعض البشر لسواهم ، على خدمة الدين وليس العكس . 

قاوم على جبهتين متلازمتين : جبهة تحرير الدين من الخرافات وجبهة تحرير فلسطين والجنوب اللبناني من الاحتلال الصهيوني

كريزماتية عالمية لمقاوم تحرري

ولقد تميز العلامة السيد محمد حسن الأمين بشخصية كريزماتية لافتة في الحياة العامة ، وعلى المنابر الثقافية ( العربية والعالمية ) ، في المظهر والجوهر على حد سواء . هذه الشخصية التي اتصفت عموما بثوروية نضالية تحررية مقاومة – قولاً وفعلاً  – على جبهتين متلازمتين بالضرورة لدى صاحبها السيد الأمين : جبهة تحرير الفكر الديني من الخرافات وما الى ذلك ، هذا الى تحرير الثقافة العربية والاسلامية مما يعتورها من تحجّرات موروثة ، ووليدة أيضا …وجبهة تحرير الأرض العربية المحتلة وفي مقدمها تحرير أرض فلسطين والجنوب اللبناني من الاحتلال الصهيوني . 

الجوهر الفكري للعلامة الأمين متمثل بمقولته الفقهية الفريدة وهي : ” ان الدين وُجد لخدمة البشرية والبشرية لم تُخلق لخدمة الدين ” . 

كبير مفكري الشيعة اللبنانيين

وليس لنا الاّ أن نورد هنا بعضا مما أطلقه سماحة العلامة الشيخ محمد علي الحاج العاملي في توطئة كتابه عن العلامة الأمين من أوصاف دقيقة لشخصية السيد . ففي مدخلية هذا الكتاب الموسوم ب ” أمالي الأمين ( املاءات المفكر الاسلامي العلامة السيد محمد حسن الأمين في سيرته وذكرياته مع اضاءات فكرية وفقهية وسياسية / بين تموز 2015 وآب 2017 ” ، ( الصادر عن ” دار روافد ” في بيروت ، و” الدار العاملية ” في بيروت ، ( ط أولى 2018م ) : نقرأ:

ان هذه الأمالي ستحل معضلة كبيرة لمثقفي عصرنا ، وللمتدينين . ذلك ان هذه الأمالي صادرة عن شخصية محيطة بالفكر الديني التقليدي بشكل عميق ، ممزوجة باحاطة بالفلسفة الحديثة ، وبالفكر الانساني ونتاجاته ، مع ثقافة عصرية واسعة ، ما يعني انها في قمة ما توصل اليه علماء الحوزة الدينية الشيعية الراهنة .. كون السيد الأمين شخصية فريدة بفكرهاوتجربتها وثقافتها فهو الاسلامي المتجذر بايمانه الصلب ، وهو كبير مفكري الشيعة في لبنان ذو العلم الغزير والأخلاق الرفيعة ، والمفكر العميق والمثقف المتابع ، الذي اطلع وهضم ثقافات عديدة ، وسافر وتعرف على مجتمعات وتقاليد ومفاهيم متنوعة . فلا ابالغ اطلاقا اذا استعرت عبارة اطلقها احد الصحافيين المخضرمين في حق العلامة السيد محمد  حسن الأمين ، حيث وصفه بأنه آخر العلماء الموسوعيين عند الشيعة …ففضلا عن مستواه العلمي الديني المعروف ، فهو أديب وشاعر وفيلسوف …غزير المعلومات ، واسع الاطلاع ، دقيق الملاحظة ، عميق التحليل ، محيط بشؤون العصر وشجونه …ما اكتشفته بالسيد الأمين انه شخصية قرآنية بامتياز …هذه الشخصية النادرة ، والتاريخية ،التي قلّما يجود الزمان بمثلها . 

من أساسيات السيرة  العلمية للسيد : 

– له افكار تجديدية ورؤى في الفكر الاسلامي المعاصر اكثرها اثارة للجدل ان الاسلام لا يتعارض مع العلمانية . 

– ولد في بلدة شقراء قضاء بنت جبيل سنة 1946 ( 1316ه ) والده السيد علي مهدي الأمين . 

– تابع دراسته الابتدائية والمتوسطة في بلدته في نفس الوقت الذي كان يتابع فيه دراسته على والده في علوم اللغة والنحو والصرف والمنطق .

– ثم هاجر الى النجف عام 1960 ، فدخل كلية الفقه وتخرج منها في العام 1972 ميلادي ، حيث عاد الى جبل عامل وسكن بلدته شقراء حتى العام 1975 ميلادي . 

في القضاء الجعفري 

– دخل سلك القضاء الشرعي الجعفري عام 1975، ثم عُيّن قاضيا في مدينة صور حتى عام 1977 حيث انتقل الى مدينة صيدا ، وبقي رئيساً لمحكمتها حتى سنة 1997 حين نقل الى المحكمة العليا مستشاراً. 

من مؤلفاته 

– الاجتماع العربي الاسلامي 

– نقد العلمنة والفكر الديني 

– بين القومية والاسلام 

– الاسلام والديموقراطية 

– مساهمات في النقد العربي 

– وضع المرأة الحقوقي بين الثابت والمتغير 

– الامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر سموّ الذات وخلود العطاء 

الوفاة

توفي في 10 نيسان ( ابريل ) 2021 ، بعد اصابته بفيروس كورونا .

السابق
الولايات المتحدة تنفض يدها من حادث «نطنز»: نُركّز على مباحثات الاتفاق النووي مع إيران!
التالي
لبنان يحرك ملف التفاوض وإسرائيل تستنفر ..هايتايان لـ«جنوبية»: تعديل المرسوم تصحيح لخطأ ارتكب 2011