الحِزْبُ والتَّيَّارُ تَحَالُفُ التَّخَالُفِ

حزب الله والتيار الوطني

شَهِدَ التاريخُ السياسيُّ تحالفاتٍ عديدةً بينَ قوىٰ مختلفةٍ، ولكنْ هذه التحالفاتُ ما كانتْ لِتَتَحَقَّقَ لو لم تُبْنَ علىٰ قَدَرٍ مُتَيَقَّنٍ مِنَ القواسمِ المشتركةِ بين المتحالفين؛ سواءٌ كانتْ أيديولوجياتٍ أم مصالحَ.

أمَّا في الواقعِ السياسيِّ اللبنانيِّ، فإنَّنا نجدُ تحالفاتٍ عجيبةً لا يمكنُ أنْ تنسجمَ بِوَجْهٍ مع ضوابطِ عِلْمِ السياسةِ ومبادئِها وأعرافِها. وعلىٰ رأسِ هذه التحالفاتِ تحالفُ (حِزْبِ المقاومة) و(التَّيَّارِ الوطنيِّ) في (٦ شباط عام ٢٠٠٦م) والذي أُطلقَ عليه اسمُ (وَرَقَةِ التَّفَاهُمِ).

إنَّ هذا التحالفَ قد يبدُو لِلْوَهْلَةِ الأُولىٰ كغيرِه مِنَ التحالفاتِ السياسيَّةِ، ولكنَّ الناقدَ البصيرَ لا يمكنُ أنْ يتجاوزَه دونَ أنْ يُسَجِّلَ تَعَجُّبًا واستفهامًا كَبِيرَيْنِ، أنْ كيفَ يقومُ تحالفٌ بينَ حِزْبَيْنِ مُتَعانِدَيْنِ فكريًّا وأيديولوجيًّا، مع قَضَاءِ العقلِ بِقَطْعِيَّةِ امتناعِ اجتماعِ المُتَنَافِيَيْنِ؟!

إقرأ أيضاً: «حياد البطريرك» يرفع الغطاء المسيحي «العوني».. عن «حزب الله»!

هذا ما نَصْبُو إلىٰ بيانِه حتىٰ تنجليَ حقيقةُ الأمرِ، فهل (ورقةُ التفاهمِ) تُشَكِّلُ تحالفًا سياسيًّا وطنيًّا فعلًا، أم أنَّها لا تَعْدُو عَنْ كَوْنِها مجرَّدَ صَفْقَةٍ مُثْمَنُها (رئاسةُ الجمهوريَّةِ في غَدِ)، وثَمَنُها (أَعْطِنِي حُرِّيَّتِي أَطْلِقْ سِلاحِي في يَدِي)؟!

نِقَاطُ التَّنَافُرِ

▪️أوَّلًا:
يَعْتَبِرُ (التَّيَّارُ الوطنيُّ) (إسرائيل) دولةً كأيِّةِ دولةٍ أُخرىٰ. أَمَّا (حزبُ المقاومة)، فهو يعتبرُ (إسرائيل) كيانًا غاصبًا وغُدَّةً سرطانيَّةً يجبُ اجتثاثُها مِنَ الوجودِ، وليستْ دولةً.
▪️ثانيًا:
يُعْلِنُ (التَّيَّارُ الوطنيُّ) صريحًا أنَّه لا خلافَ أيديولوجيًّا مع (إسرائيل).
أمَّا (حزبُ المقاومة)، فهو يزعمُ أنَّه ينظرُ إلىٰ الصراعِ مع (إسرائيل) علىٰ أنَّه صراعٌ أيديولوجيٌّ وُجُودِيٌّ مِنَ الدرجةِ الأُولىٰ؛ لاعتقادِه بأنَّها كيانٌ عدوانيٌّ وشيطانٌ أكبرُ لا يُؤْلِي جُهْدًا حتىٰ يُحَقِّقَ أطماعَه التَّوَسُّعِيَّةَ مِنَ (النيل) إلىٰ (الفرات) مِنْ جهةٍ، مع أنْ ترجعَ له كلمةُ الفصلِ وتكونَ له اليدُ الطُّولىٰ والسلطةُ العُلْيَا فيما يتعلَّقُ بسياسةِ المنطقةِ مِنْ جهةٍ أُخرىٰ.
▪️ثالثًا:
يزعمُ (التَّيَّارُ الوطنيُّ) أنَّه لا يمكنُ أنْ يُساوِمَ علىٰ حريَّةِ لبنانَ وسيادتِه واستقلالِه، وأنَّه قَدَّمَ النَّفِيسَ مِنَ الدماءِ والتضحياتِ في سبيلِ صَوْنِ هذه المبادئِ، وقاتلَ العالمَ كُلَّهُ حتىٰ الرَّمَقِ الأخيرِ رفضًا لأيِّ تدخُّلٍ في الشؤونِ اللبنانيَّةِ مِنْ قِبَلِ أيَّةِ دولةٍ خارجيَّةٍ ولو كانتْ دولةً شقيقةً.

أمَّا (حزبُ المقاومة)، فهو لا يوفِّرُ فرصةً ليصدعَ بعقيدتِه، مُؤَكِّدًا ولاءَه التامَّ للدولةِ الإيرانية، وأنَّه جزءٌ لا يتجزَّأُ منها، خاضعٌ لسلطةِ قائدِها (الوليِّ الفقيه)، وأنَّ أفرادَ الحزبِ جنودٌ في جيشِها. كما نصَّ حَرْفِيًّا علىٰ أنَّ المساحاتِ الجغرافيَّةَ التي يشغلُها الحزبُ في لبنانَ، هي حقيقةً لا مجازًا خيمةٌ مِنْ المُخَيِّمِ الإيرانيِّ تابعةٌ له وجودًا وبقاءً، كأيَّةِ خيمةٍ نُصِبَتْ في مُخَيَّمِ الإمامِ الحسينِ في كربلاءَ سنة ٦١ للهجرة، بِمُقَارَبَةٍ صدرتْ علىٰ لسانِ قيادتِه، ومفادُها: إنَّ (الدولةَ الإيرانية) هي مُخَيَّمُ الحسينِ في زمانِنا، وكذا (الوَلِيُّ الفقيه) هو الإمامُ الحسينُ في عصرِنا. وبالتالي، إذا تعرَّضَ هذا المخيَّمُ – أي (الدولةُ الإيرانية) – لأيِّ خطرٍ، فإنَّ الواجبَ الدينيَّ العقائديَّ والأخلاقيَّ يقتضي الاستماتةَ في الدفاعِ عَنْ هذا المُخَيَّمِ انطلاقًا منَ الأراضِي اللبنانيَّةِ حتىٰ لو سُفِكَتْ دماءُ الجميعِ، ولم يَبْقَ حَجَرٌ علىٰ حَجَرٍ، يُفْعَلُ ذلك أَلْفَ مَرَّةٍ، وسواءٌ رضيَ اللبنانيُّون بذلك أم لا!

زُبْدَةُ المَخَاضِ

إذا عَرَفْنَا ذلك، فلا يخفىٰ علىٰ أُولي الأَلْبَابِ الذين يُمَيِّزُونَ القِشْرَ مِنَ اللُّبَابِ، أنَّ (التحالفَ) بينَ هذينِ الحِزْبَيْنِ المُتَعَانِدَيْنِ دُونَهُ خَرْطُ القَتَادِ، فما هي إلا صَفْقَةٌ تُبْطِلُها الأيَّامُ الشِّدَادُ، حينَ يُفْتَضَحُ الظالمون مِنَ العِبَادِ، {الَّذِينَ طَغَوْا فِى الْبِلادِ (١١) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (١٢) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (١٣) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (١٤)} [سورة الفجر]

السابق
عابد فهد يفجّر مفاجأة: «الصداقة تنتهي مع الفنانين بانتهاء المسلسل»
التالي
ثوّار الجنوب يخرجون الى الشارع.. إقفال طرقات تنديداً بالأوضاع المعيشية السيئة!