42 سنة على ثورة إيران (2): رعاية الانقسامات والانشقاقات الشيعية!

الثورة الاسلامية الايرانية
ما زالت جمهورية إيران الإسلامية هذه الأيام تحتفل هي وحلفاؤها في المنطقة بذكرى عشرة الفجر، التي تزامنت مع انتصار الثورة الخمينية فيها على نظام الشاه محمد رضا بهلوي، وما زال المحللون يتطلعون إلى إنجازات هذه الثورة وإخفاقاتها، على مستوى الداخل والخارج ..

ولتتمة البحث حول إخفاقات هذه الثورة في سياساتها الخارجية، يبرز الملف اللبناني كأكثر الملفات حماوة في الوقت الراهن ، هذا الملف الذي يستنفز ويستنزف مالية الدولة الإيرانية لجهة التدريب والتسليح والتمويل وبالعملات الصعبة، ولكنه ما زال يُنظر إليه كأحد الملفات التي تكشف الفشل السياسي لسياسات إيران الخارجية…

فبعد إخفاقات إيران السياسية في لبنان عبر دعمها التنظيمات الفلسطينية المتطرفة فتسبب ذلك باشتباكات في الجنوب بينها وبين الاهالي وذلك في مرحلة ما قبل اجتياح إسرائيل عام 1982، هذا الدعم الذي كان على حساب ارتباطات إيران بمكونات أساسية لبنانية، وفريق كبير من الشيعة اللبنانيين، برزت فكرة تأسيس تنظيم شيعي مسلح جديد يكون تحت إمرة الإدارة الإيرانية، بعد عجز هذه الإدارة عن تحقيق ذلك بالنسبة لحركة أمل التي كانت مرتمية في أحضان سورية بالكامل في تلك المرحلة ، وبالتالي يمكن لإيران من خلال إيجاد تنظيم شيعي موالٍ لها أن تسيطر على كل القرار السياسي الشيعي اللبناني كمقدمة للسيطرة على كل سياسات الدولة اللبنانية في مرحلة لاحقة، وهذا ما لم يتحقق بالكامل حتى الآن ، بل كان وما زال يُعاني من كثير من المعوقات في الدائرتين اللبنانية والشيعية، فقد ساهم ذلك في التمرد على السياسات الإيرانية، وفي ارتماء شرائح كبيرة من مكونات الشعب اللبناني أكثر فأكثر في أحضان سورية ودول الخليج وأمريكا وكل اللاعبين في المنطقة.

رعاية الانشقاقات الشيعية

وقد بدأت المساعي الإيرانية بإيجاد هذا الفريق الشيعي الخاضع لقرارها السياسي من خلال تشجيع الانشقاق عن حركة أمل، فظهرت الانقسامات في صفوف الحركة ببروز تكتلات وتنظيمات متعددة العناوين في الوسط الشيعي اللبناني، فكان انشقاق ما عُرف بحركة أمل الإسلامية، ثم المقاومة المؤمنة، وما عُرف بحركة أمل الكوادر والمثقفين، وما عُرف بقوات صفين الثورية، وما عُرف بالحركة الإسلامية في لبنان ، وصولاً إلى ما عُرف بداية بالمقاومة الإسلامية، ولاحقاً بالثورة الإسلامية في لبنان، وحالياً بالمقاومة الإسلامية في لبنان، وتُعبِّر هذه العناوين الثلاثة الأخيرة اجتمعت بالنهاية تحت تنظيم حزب الله.

وبالتزامن مع كل ذلك، وفي مرحلة أخرى، وعلى أثر الحرب الدموية بين حزب الله وحركة أمل، ونتيجة الخلافات السياسية الداخلية بين شورى حزب الله، انشقت عن حزب الله جماعات وتكتلات عدة منها ما عُرف بحزب الأمير، وما عُرف بثورة الجياع التي قادها الامين العام الاسبق الشيخ صبحي طفيلي، إلى عشرات الجمعيات الشيعية التي اختارت الاستقلال عن أنشطة حزب الله عبر مجموعة من الأعمال الخيرية والثقافية والاجتماعية، التي وجدت هذه الجمعيات بها نفسها بعد محاولات التهميش والتهشيم التي تعرضت لها من قبل حزب الله …

إقرأ أيضاً: 42 سنة على ثورة إيران (1): تدخلات وأخطاء جسيمة في السياسة اللبنانية!

ومن هذه الجمعيات جمعية المبرات الخيرية والجمعية الخيرية الثقافية وجمعية محبي أهل البيت ، وجمعية الإمام المهدي ، وآلآف العناوين الأخرى التي حاول ويحاول حزب الله إجهاضها وإنهاء حالتها الشعبية في المناطق والقرى والبلدات والأحياء ، ولو بسياسة التخريب وافتعال المنازعات والمشكلات لتفريق الناس عن المشاركة في أنشطة هذه الجمعيات ، التي اعتبرت جمعية المبرات الخيرية من أقواها حضوراً كونها حظيت بكل الدعم من المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله الذي لم يتمكن حزب الله من إلغائه رغم حرب الإلغاء الضروس التي أطلقها ضده على أثر إعلان فضل الله لمرجعيته الفقهية وعدم اعترافه بمرجعية حزب الله الفقهية ..

فهذه الانقسامات في البيئة الشيعية هي شاهد قوي على فشل السياسة الإيرانية في لبنان ، فشلها في توحيد الرؤى السياسية الشيعية حولها ، في وقت تنفق في لبنان ملايين الدولارات للوحدة بين السنة والشيعة ، فهي لم تتمكن من توحيد الشيعة وتسعى لتوحيد السنة والشيعة !

وهذا دليل إضافي على عجز السياسات الخارجية في لبنان، تماماً كما فعلت في العراق عندما لم يلتزم جيش المهدي بقيادة مقتدى الصدر بالانصياع لأوامر الإدارة الإيرانية فأحدثت سياسات إيران في العراق عشرات الانقسامات الشيعية وشجعت على الانشقاق عن جيش المهدي لتظهر عشرات التنظيمات الشيعية المنشقة عن جيش المهدي في الساحة العراقية، والتي يدين أكثرها بالولاء والطاعة للقيادة الإيرانية التي تعمل على تمويلها وتدريبها وتسليحها تماماً كما حصل عند انشقاق حزب الله عن حركة أمل في لبنان …

السابق
إطلاق نار في صيدا يستنفر القوى الأمنية.. وسقوط جريح!
التالي
١٦ عاماً ولا تُجدي «شيطنة» رفيق الحريري!