لقمان… لبنانًا

لقمان سليم

حزم حقائبه، وظلّ ينتظر. في كلّ ظهور إعلامي كان كمن يقول لمحبّيه: لكم منّي لحظات أخرى قبل وداعٍ أكيد.
وعندما حان الموعد، ذهب إليه بقدميه بعد أن أتمّ كلّ مراسيم الوداع، إلا إنّ محبّيه فوجئوا برحيله وكأنّهم لم يتوقّعوه، رغبةً منهم بتكذيب المحتوم. ولقمان ممَّن يُكذَّب المحتوم لأجله.

قديمًا رسم جبران بيراعه حدًّا فاصلًا بين لبنانين، لبنانه و”لبنانكم”، فنأى بنفسه عمّن أراد بلبنان أن يكون لبنان “الأغراض والمنازع”، وأبقى لنفسه لبنان “الأحلام والأماني”، فذهبوا وبقي جبران، وذهب لبنانهم وبقي لبنان.
اليوم يتكرّر ما حدث بالأمس.

إقرأ أيضاً: آخر «وصايا لقمان» عاشق التاريخ والإنسان!

قبل ثلاثة عقود أسدل اللبنانيون ستارة النسيان على حرب أهلية أحرقت الأخضر واليابس، وجاء بعض لبنانيي “الأحلام والأماني” ليعملوا على إعادة الروح إلى لبنان، فخرج طائر الفينيق الجديد زاهيًا كسابقه، ونشر في المنطقة عطر سلفه، وأخذ لبنان يسترجع مكانته السابقة.

ولكنّ لبنان “الأغراض والمنازع” زاحم لبنان ” الأحلام والأماني” مرّةً أخرى، فاختنق الفينيق، وأخذ يتهاوى من عليائه، وتداعى لقمان وأمثاله ليتداركوا تكرار “تجريب المجرَّب”، وليحموا “لبنانهم” من لبنان الآخرين، لكنّ توازن القوى لم يكن في صالحهم، وحدث المحتوم.

لم يأخذ لقمان معه حقيبة سفر، ولم يأخذ كتبه ودفاتره وأقلامه، بل أخذ معه “لبنانه” الذي بلغ الثلاثين، خشيةً عليه من عبث عابثٍ ﻻ يعرف له قيمة، وترك خلفه “لبنانهم” الذي يحبّون.

رحل لقمان عن بلد لا يعرفه، واكتملت حلقة التطوّر، فحلّق لقمان لبنانًا… لبنانه الأثير الذي أحبّ.

في انفجار مرفأ بيروت تغيّر وجه لبنان، وكأنّ الانفجار أصاب ما وراء البشر والحجر. واليوم تتكرّر الإصابة، ولكنّها في روح لبنان، لأنّ لقمان لم يكن يعامل “لبنانه” باعتباره رقعة جغرافية تحكمها دولة يدين بالولاء لها، بل كان مشروعًا ﻻ يكفّ عن التجدّد، وتماهى الجميع في كينونة واحدة قوامها: مشروع لبنان لقمان.

رحل لقمان لبنانًا، ولا يسدّ الفراغ الذي تركه سوى لبنان جديد، يبنيه لقمانون جدد، يحملون في قلوبهم وعقولهم لبنان “الأحلام والأماني”، ويدفنون لبنان “الأغراض والمنازع” مرّةً أخرى كما دفنه لقمان من قبل.

“الجديد فكرة، والأفكار ﻻ توصد أبوابها” هذا ما كتبه لقمان شعارًا لدار النشر التي أطلق معها “لبنانه”، وكأنّه يقول: سأرحل يومًا وأترك خلفي باب لبنان جديد آخر.

رحل لبنان لقمانًا…
رحل لقمان لبنانًا…

كلاهما رحل، وانطفأت الأنوار، وانتهى المشهد الجميل، و”انقضت تلك السنون وأهلها، فكأنّها وكأنّهم أحلام”.

السابق
في موقف جريء.. تامر حسني يكشف عن تعرضه للظلم في طفولته
التالي
«مسبار الأمل» الإماراتي يصل المرّيخ.. وعون يُبارك من على رُكام بلده!