الخلل القانوني ينخر المحكمة الجعفرية(٢٠): المناقلات القضائية.. مزاجية سافرة بين «المغضوب» عليهم و المحظيين!

الشيخ محمد علي الحاج

أشرنا في مقالنا السابق للتشكيلات القضائية التي تحصل بطريقة مزاجية، وتشكل عاملا ضاغطا على قضاة الشرع الذين يضطرون لحيازة رضى رئاسة المحكمة الشرعية كي لا يتم إبعادهم لمناطق نائية وهامشية.. هنا يفترض بنا إعطاء نماذج ميدانية على المدعى، كي لا يبقى كلامنا بالعموميات؛ والذي يتابع المراسيم الصادرة بخصوص نقل القضاة يلحظ المزاجية في هذا المقام، فقد تتبعنا المراسيم خلال ربع القرن الأخير، وتحديدا منذ العام ١٩٩٧، ولتاريخه.

اقرأ أيضاً: الخلل القانوني ينّخر المحكمة الجعفرية (١٩): ارفعوا ايادكم عن التشكيلات القضائية!


يتضح مرادنا من خلال جولة سريعة في المراسيم المشار إليها أعلاه، بأنه من لم يكن قد حاز على الرضى فإنه يبعد إما إلى المحاكم النائية في جويا وجباع ومرجعيون وجبيل، والذي عليه غضب يبعد إلى طرابلس، أو إلى الهرمل. كما نلحظ بأن كثرة النقل تنم عن رغبة إدارة المحكمة الجعفرية بعدم ترسيخ القاضي في منطقته، لذا لحظنا نوعا من ضغط عندما يبقى القاضي خاضعا للنقل من مكان لآخر..كما أن الشخص المدعوم يحظى بالمحكمة الوازنة التي يريدها، أو يبقى في المكان الذي يناسبه من دون نقل.
هنا سنقتصر على ذكر ستة شواهد، ثلاثة أشخاص من المدعومين، وثلاثة عكسهم:
من الذين تم استبعادهم ونقلهم:

  • القاضي الشيخ يوسف عمرو: بتاريخ 21 أيار 1997 تم نقله من طرابلس إلى الهرمل، ثم بتاريخ 8 آب 1998 نقل من الهرمل إلى مرجعيون، ثم بتاريخ 21 تشرين الثاني 2008 نقل إلى جويا، وبتاريخ 5 تشرين الثاني 2010 نقل إلى جبيل. (تقاعد في أيلول 2016).
  • القاضي الشيخ علي الخطيب: بتاريخ 21 أيار 1997 نقل من الغبيري إلى طرابلس، وفي 8 آب 1998 نقل من طرابلس إلى مشغرة، ثم في 14 تشرين الأول 1999 تم إعادته إلى طرابلس، وبتاريخ 17 أيلول 2003 تم إعادته إلى مشغرة، وفي 21 تشرين الثاني 2008 نقل إلى زحلة، كما انتدب بتاريخ 12 تشرين الأول 2012 إلى شمسطار مع بقائه في زحلة بالأصالة، وبشمسطار بالانتداب. (تم انتخابه نائب أول لرئيس المجلس الشيعي في آذار 2017، وتوقف عن مزاولة مهامه كقاض).
  • القاضي الشيخ محمد سرور: كان في بنت جبيل، بتاريخ 21 أيار 1997 نقل إلى صور، ثم في 8 آب 1998 تم إعادته إلى بنت جبيل، وفي 27 نيسان 2000 نقل إلى جباع، كما أعيد إلى بنت جبيل بتاريخ 16 تشرين الأول من نفس العام، وفي 5 آب 2004 نقل من بنت جبيل إلى صور، ثم بتاريخ 21 تشرين الثاني 2008 أعيد إلى بنت جبيل. (تقاعد في تشرين الأول 2016).
    وأما القسم الثاني، من الذين يحظون بدعم:
  • الشيخ عبد الإله دبوق، الذي ما زال منذ تعين في مكانه في محكمة بيروت، منذ ثلاثة عقود!
  • الشيخ مهدي اليحفوفي: الذي وجدنا في سجله مرسومين فقط: المرسوم الأول حينما عيّن في منصب القضاء، (المرسوم رقم 2721، بتاريخ 29 آذار 2000) وأما المرسوم الثاني فهو الذي ألحق القاضي اليحفوفي في محكمة بعلبك (المرسوم 2858، تاريخ 27 نيسان 2000) وما زال منذ تعيينه في بعلبك!
  • الشيخ علي حيدر: في سجله ثلاثة مراسيم فقط: المرسوم (رقم9081) الذي ألحقه في وظيفة القضاء، في محكمة الضاحية الجنوبية – الغبيري، ومرسوم آخر نقله من الغبيري إلى الشياح بتاريخ 5 تشرين الثاني 2010، وأما المرسوم الثالث فقد أرجعه إلى الغبيري بتاريخ 17 آب 2018.

وقد نجد نفس الحالة مع الأشخاص المرضي عنهم، مثل: الشيخ علاء شرارة، الذي تعيّن في القضاء في محكمة جويا، ونقل منذ 12 عاماً إلى محكمة النبطية، وما زال.
وهكذا نلحظ عدم استقرار البعض في مكان معين، وآخرون يستمرون في الأماكن التي يستريحون فيها، وتكون تناسبهم، مثل قاضي صور الشيخ حسن عبد الله الذي نقل بتاريخ 17 أيلول 2003 من جباع إلى صور، وما زال في صور منذ أكثر من 17 عاماً، وبالمقابل، وبنفس التاريخ، نقل القاضي الشيخ محمد زغيب من بيروت إلى طرابلس، وما زال منذ أكثر من 17 عاماً..


وعليه، فلا يعقل أن يتم نقل القضاة متى رغب شخص معين بذلك، كما لا يجوز أن يتم إبقاء قاض في مكانه لأكثر من عشرين عاما فقط لكون جهة سياسية أو دينية تريدها في هذا المكان، والأسوأ استعمال النفي للأماكن البعيدة، في طرابلس والهرمل، كما أسلفنا.


ليس موردنا المزيد من التفصيل، نتركه لكتابنا المخطوط، حول مؤسسة القضاء الشرعي وتاريخه، ورؤيتنا لطرق تفعيله، حيث إننا وضعنا جداول كاملة تفصيلية بحركة نقل القضاة، وانتدابهم..
المهم، أن هذا الأمر ينبغي معالجته جذرياً، ولا يجوز أن يبقى بشكل مزاجي، كما لا يجوز أن يُمارس أي نوع من الضغط على القضاة.. والضمانة هي الوعي، الذي ينتج أنظمة أكثر عدالةً ونزاهةً.. ولو بعد حين.

السابق
بالفيديو: بعدما هرعوا للانقاذ.. انقلاب سيارة اسعاف على طريق المطار!
التالي
«القرض الحسن» الضائع بين دهاليز الخير والمال!