حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: العراق.. اسئلة تبحث عن حكومة

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

هل انتهت انتفاضة تشرين العراقية؟ وهل بات الفصل تاما وواضحا بين الشارع المعترض والشباب المحرك لهذه الانتفاضة وبين الحكومة التي جاءت تحت شعار التغيير وتمثيل مطالب المعترضين برئاسة السيد مصطفى الكاظمي؟ وهل باتت السلطة في مكان اخر خارج الحكومة ومؤسساتها السياسية والامنية؟ وهل تحولت الحكومة واجهزتها الى مجرد متابع ومكمل للخطوات التي تقوم بها قوى سياسية لا تتردد في الاعلان عن امساكها بمفاصل القرار في العراق؟ 

هذه الاسئلة وغيرها الكثير، طفت على الواجهة بعد الاحداث التي شهدتها ساحة الحبوبي في مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار، والتي تعتبر اخر ابرز معاقل المنتفضين واهم ساحات الاعتراض التي تساقطت واحدة تلو الاخرى في محافظات الوسط والجنوب بعد ساحات بغداد. وقد ادت هذه الاحداث الى سقوط عدد من القتلى بين الشباب المعترض، نتيجة الغارة التي قام بها عناصر من سرايا السلام الجناح العسكري للتيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر التي اغارت على خيم المعتصمين واقتلعتها بالنار والحديد والرصاص الحي، تحت انظار بعض اجهزة القوات المسلحة الخاضغة لامرة القائد العام للقوات المسلحة رئيس مجلس الوزراء في بغداد. 

إقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: جدل التفاوض الايراني الامريكي

اللجنة التي شكلها رئيس الوزراء ومنحها صلاحيات ادارية ومالية وامنية واسعة وحشد فيها ابرز القيادات الامنية والعسكرية، لم تكن سوى لجنة على غرار الكثير من اللجان التي شكلتها الحكومة، من اجل معالجة تداعيات الاحداث وقطع الطريق على تطورها الى الاسوأ، في وقت كانت الامور تتطلب من الحكومة، تشكيل لجان استباقية للوقوف على التحديات والازمات التي يعاني منها المجتمع العراقي وحتى مؤسسات الدولة، ووضع الخطط العملية والفعالة والفاعلة لمعالجة التراكمات الناتجة عن اداء الحكومات السابقة منذ عام 2003. وهذا لا يعني ان المطلوب من هذه الحكومة تقديم الحلول السحرية والسريعة لهذا الكم من المشاكل، بل الذهاب الى علاجات عملية والتأسيس لمسار قد يساعد على انجازها، او على الاقل تلزم من يأتي لاحقا على استكماله والسير، به تحت رقابة شعبية وسياسية حقيقية مستمدة من زخم انتفاضة الشارع منذ تشرين العام الماضي 2019. 

يمكن القول وبكثير من الواقعية ان احداث محافظة ذي قار وتحديدا ساحة الحبوبي في الناصرية ان السلطة الحاكمة والممسكة بزمام الامور والقرار الامني والسياسي لا تقع في دائرة ونطاق سلطة الحكومة في بغداد واجهزتها، بل تأتي وتصدر من وعن جهة اخرى تتأرجح ما بين رفع شعار الاصلاح والتغيير وبين المشاركة في السلطة على مبدأ المحاصصة. و يمسك بناصية قرارها السيد مقتدى زعيم التيار الصدري، الذي يبدو انه اخذ على عاتقه مهمة اعادة ضبط الشارع العراقي منذ احداث ساحة التحرير والسيطرة على مبنى “المطعم التركي او جبل احد حسب تسمية المتظاهرين” باستخدام ورقة “القبعات الزرق”، وصولا الى افراغ الساحات في مدينة النجف مرورا باحداث يوم الاربعين في كربلاء، وصولا الى ساحة الحبوبي. 

قرار انهاء بؤر التوتر في العراق جاء في التوقيت واللحظة الايرانية

الا ان السؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق، لماذا تصدى زعيم التيار الصدري واخذ على عاتقه مهمة انهاء مظاهر الاعتصامات؟ وما الذي دفعه للمغامرة وحتى المقامرة بالرصيد الشعبي الذي كرسه خلال السنوات الماضية، خاصة بعد ما حققه من اختراقات في ساحات الاعتصام؟ وما الذي سيربحه بان يضع نفسه في مواجهة شرائح اجتماعية وخاصة شبابية، يرفع غالبيتهم او اكثرهم مطالب محقة تدعو الى انهاء دولة المزرعة والمحاصصة والفساد والسلاح المتفلت، وتعزيز هيبة الدولة وسيادتها واعادة بناء مؤسساتها على اسس وطنية غير طائفية او حزبية؟ 

دخول مقتدى الصدر وتياره في مواجهة مع آخر ساحات الاعتصام في لحظة مفصلية يقف فيها العراق على مشارف انتخابات برلمانية مبكرة، وفي وقت يعتقد الصدر وتياره انه سيكون المنتصر الاول فيها، وان حصته او حصيلة الانتخابات ستمنحه تفوقا على كل القوى السياسية واحزاب الاسلام السياسي، بحيث تسمح له بالمطالبة باختيار المرشح المقبل لرئاسة الوزراء من صفوفه او المقربين منه، يعتبر خيارا صعبا، لانه يشبه السير على حد السكين، فالخسارة فيه ارجح من الربح، خصوصا وان الاطباق الذي حصل على ساحة الحبوبي وتوقيته، اتى بعد ساعات من التطور الامني الذي شهدته العاصمة الايرانية طهران وعملية اغتيال رأس المشروع النووي محسن فخري زاده، ما يحمل على الاعتقاد بان قرار انهاء بؤر التوتر في العراق جاء في التوقيت واللحظة الايرانية، بما يعنيه ذلك من ضرب لاخر ما تبقى من هيبة الدولة والمؤسسات العسكرية التابعة لها ولأمرة القائد العام، والقول بان اليد التي تمسك بقبضة سيف هذه الاجهزة عاجزة عن رفعه واشهاره بوجه اي جهة تبادر للتحرك ومصادرة مهمات الحكومة ودورها في المحاسبة او المعاقبة او الحماية والدفاع. 

في المقابل، يمكن الذهاب في استقراء ما جرى في الناصرية من قبل التيار الصدري، والمعالجات التي تمت بعدها من قبل الحكومة، بان رئيس الوزراء استطاع جر الصدر الى الدائرة والمكان الذي يريده، مع استبعاد هذه الاحتمالية، الا في حال استطاع الكاظمي توظيف هذا الحدث بشكل دقيق والكثير من الحنكة السياسية والامنية، ودفعه (الصدر وتياره) لاستغلال الضعف الذي تعاني منه الحكومة في تنفيذ قراراتها على جميع المستويات، للقيام بهذا الخطوة لانهاء اخر ما تبقى من ساحات الاعتصام، وبالتالي تنفيذ الحلقة الاخيرة من الخطوات التي تعتبر ابرز نقاط التفاهمات التي مهدت الطريق امام وصوله الى رئاسة الوزراء، تميهدا لاعادة ترتيب الاوضاع السياسية، وان النجاح في هذه المهمة قد يمهد الطريق امامه لتحويل الحكومة المؤقتة الى حكومة دائمة عبر صناديق الاقتراع. 

الكاظمي ذهب الى خيار تغليب منطق “الفصل العشائري” على منطق الدولة

الا ان آلية المعالجة التي اعتمدتها اللجنة الخاصة لاحداث الناصرية، كشفت عن خلل في التعامل مع الحدث، لانها استبعدت من حواراتها الجهات المعنيةـ اي الشباب المعتصم، وذهبت الى آليات تقليدية والحوار مع شيوخ العشائر والتفاهم والاتفاق معهم، اي انها وضعت المعتصمين امام واحد من خيارين، اما التموضع خلف شيوخ العشائر، اي العودة الى الفعل العشائري، واما الرفض والدخول في مواجهة مع اهاليهم وزعماتهم التقليدية. ما يعني الكاظمي ذهب الى خيار تغليب منطق “الفصل العشائري” على منطق الدولة في تعاملها مع المعارضة والمطالب الشعبية والاحتجاجات. اي التفتيش عن حلول على حساب منطق الدولة وهيبتها. وهذه الخيارات تكشف عدم قدرة الحكومة، اما ذاتيا او بفعل عجزها امام سلطة الاحزاب السياسية او دخولها شريكة في لعبة المحاصصة، حتى في شعار او معركة مكافحة الفساد الذي اتبعت فيه سياسة تفكيك قواعد الهرم بانتظار سقوط القمة التي لا توصل في العراق الى حلول ناجعة لما تتمتع به منظومة الفساد من قوة حولتها الى ثقافة مجتمعية تتطلب آليات اكثر تعقيدا واكثر صرامة في مواجهتها وتوظيف الغطاء الشعبي والمرجعية الذي حصلت عليه بالشكل والاسلوب اللذين يضمنان تحقيق النتائج المطلوبة.

السابق
الخلل القانوني ينخر المحكمة الجعفرية(١٠): التغييب الشيعي عن المجلس الشرعي!
التالي
«يديعوت احرانوت» تكشف: الموساد رصد زاده 12 سنة.. ثم اغتاله!