حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: جدل التفاوض الايراني الامريكي

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

لم يكن كلام وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف قبل اسبوع في مقابلته مع صحيفة ايران الرسمية الناطقة باسم الحكومة عن رفضه ورفض ايران لاي محاولة امريكية او اوروبية لفرض مسار جديد من المفاوضات تشمل او تركز على مسألتي البرنامج الصاروخي والنفوذ الاقليمي، لم يكن كلاما من فراغ. فهو يكشف عما يدور في الكواليس بين طهران من جهة وواشنطن في ظل ادارتها الجديدة والعواصم الاوروبية المعنية بالاتفاق النووي والشريكة فيه من جهة اخرى من جدل ونقاشات حول المرحلة المقبلة وآليات حل الازمات التي ورثتها هذه العواصم من ادارة الرئيس الامريكي المنتهية ولايته دونالد ترمب.

اقرأ ايضاً: ايران تتلقى آخر دفوعات العقوبات من عهد ترامب.. ذروتها في الأسبوع المقبل!


وعندما يؤكد ظريف ان اي خطوة ايجابية تقوم بها الولايات المتحدة الامريكية والادارة الجديدة في التخلي عن السياسات التي اعتمدها الرئيس المنتهية ولايته ترمب وفي مقدمتها العودة عن قرار الانسحاب من الاتفاق النووي والغاء كل الاجراءات العقابية التي اتخذها “باصدار عدة قرارات تنفيذية”، فان طهران ستتعامل مع هذا الامر بايجابية و”بقرار يصدر عن رئيس الجمهورية حسن روحاني بامكانها العودة عن كل الخطوات التي اتخذتها في تقليص التزاماتها النووية”.

كلام ظريف يعزز الشكوك حول فتح قنوات حوار مع الفريق المحتمل لبايدن

فان هذا الكلام من ظريف يكشف عن وجود او يعزز الشكوك حول فتح قنوات حوار مع الفريق المحتمل للرئيس الجديد جوزيف بايدن الذي سيتولى المواقع المعنية بالمسار الايراني، اي وزارة الخارجية والامم المتحدة ومستشارية الامن القومي، وهذا ما حصل بالفعل مع الاعلان عن الشخصيات التي ستتولى هذه المواقع، واختيار على الاقل انتوني بلينكين ليكون مرشح بايدن لتولي وزارة الخارجية، يعني العودة الى مسار تفاوضي – حواري من نقطة متقدمة نظرا لكون بلينكين عمل سابقا في عهد الرئيس الاسبق باراك اوباما في الفريق الامريكي المفاوض مع الطرف الايراني للتوصل الى الاتفاق النووي عام 2015.

عودة الى مسار تفاوضي – حواري من نقطة متقدمة


مواقف ظريف تأتي بالتناغم مع مواقف الرئيس روحاني الذي يبدو ايضا قد غادر منطقة الحذر في طرح هذا المبدأ، واكثر تمسكا باستغلال الفرصة السانحة امام ايران للخروج من نفق العقوبات والازمات الاقتصادية الناتجة عنها بقليل من التنازل وقبول مبدأ التفاوض، مقابل تمسك برفضه المرشد الاعلى الذي رد بشكل غير مباشر على الرئيس ووزير خارجيته بالتاكيد على ” اننا تفاوضنا لعدة سنوات لكننا لم نصل الى نتيجة”.

مفاجأة ترشح دهقان في السباق الرئاسي


المفاجأة التي شكلها اعلان مستشار المرشد الاعلى لشؤون الصناعات العسكرية الجنرال حسين دهقان ترشحه للسباق الرئاسي، وما يعرف عنه من دور اساس في التأسيس المبكر لدور ونفوذ ايران في المنطقة انطلاقا من الساحتين السورية واللبنانية منذ العام 1982 وتوليه مسؤولية قيادة قوات حرس الثورة في هذين البلدين واتهامه بالتورط في التفجير الذي وقع في بيروت عام 1983 ضد مقر قوات المارينز الامريكية ومقتل نحو 241 عنصرا منها وادارجه من قبل ادارة ترمب على لائحة الشخصيات التي طالتها العقوبات الامريكية، يعيد خلط الاوراق، ويسهم في تركيز القرار الاستراتيجي التفاوضي في يد المرشد، ما يعني امكانية توظيف هذه الورقة في ابتزاز الادارة الامريكية لقطع الطريق على اي شروط قد تلجأ الى فرضها على ايران والتلويح بامكانية الذهاب الى التصعيد وافقال كل مسارات التفاوض معها مع ما في ذلك من قدرة هذه الشخصية في تحريك وقيادة الاذرع الاقليمي لايران نتيجة شراكته وفهمه القريب لطبيعة عملها بخلاف اي شخصية اخرى حتى روحاني الذي تعامل مع هذه الاذرع من منطلق سياسي من دون ان يملك القدرة على تحريكها او توجيه قراراها الاستراتيجي.

ترشح دهقان يعيد خلط الاوراق ويسهم في تركيز القرار الاستراتيجي التفاوضي في يد المرشد

والرسالة الاخرى التي يمكن ان يحملها ترشح دهقان للسباق الرئاسي، والتي قد تكون ذات بعد ايجابي بعيدا عن التصعيد، وتستهدف الجانب الامريكي قبل غيره من الشركاء في الاتفاق النووي، ان ثنائية المرشد – حرس الثورة (المؤسسة العسكرية) تشكل الضامن لتهدئة كل مخاوف وقلق واشنطن من مستقبل اي اتفاق قد تعقده مع طهران، خصوصا في حال قرار العودة الى الاتفاق النووي والعمل على فتح قنوات لبحث الملفات الاخرى الصاروخية والاقليمية، ويمكن ان يرتقي هذا الترشح الى مستوى محاولة طمأنة الاصوات الامريكية التي تشكك بالنوايا الايراني الالتزام والوفا بتعهداتها مع واشنطن وعدم وصول رئيس الى ادارة السلطة التنفيذية في طهران قد يلجأ الى اعتماد استراتيجية تختلف او تتعارض مع الاستراتيجية التي تشكل نقطة توافق وانسجام بين كل الاطياف السياسية من الرئيس محمد خاتمي مرورا بمحود احمدي نجاد وصولا الى حسن روحاني. الذين اعتمد كل واحد منهم ادبيات تختلف عن سلفه الا انها لم تخرق سقف المصالح القومية التي رسمها المرشد للنظام.


في المقابل، وعلى الرغم من نفي الطرفين الامريكي والايراني لاي تواصل مبكر بين فريق بايدن وجهات ايرانية رسمية او غير رسمية، لم يتردد فريق بايدن الجديد في رسم السقف في العلاقة مع ايران في المرحلة المقبلة خصوصا في ما يتعلق بالاتفاق النووي، من خلال الموقف الذي اعلنه بلينكين وقبل تسميته لادارة السياسة الخارجية، مستبقا كل الرهانات الايرانية وكلام ظريف عن استبعاد امكانية البحث في موضوعي البرنامج الصاروخي والنفوذ الاقليمي في اي مفاوضات جديدة مع واشنطن او الترويكا الاوروبية، عندما اكد ان الطريق لعودة واشنطن الى الاتفاق النووي لن يكون ممهدا، ويفرض على واشنطن وضع اطار جديد يشمل البرنامج الصاروخي والنفوذ الاقليمي وضرورة الحصول على تنازلات ايرانية واضحة وصريحة فيهما تقلل من منسوب القلق لدى الاطراف الاقليمية المعنية والتي تعتبر حليفة لواشنطن في المنطقة. وهو مؤشر يرفع منسوب الحذر لدى بعض الاوساط الايرانية، خاصة تلك المعنية بالامن القومي والسياسية الخارجية، ان تكون تتجاوز الاهداف الامريكية مسألة العودة الى الاتفاق النووي مع ادخال بعض التعديلات وفتح مسارات جديدة، الى مسألة الربط بين اي تقدم على هذا المسار وبين مسار التفاوض حول العلاقة بين الطرفين، وهو ما يعتبره النظام مبكرا وبحاجة الى الكثير من الجهد لاعاد بناء الثقة الايرانية بجدية واشنطن لاخراج هذه العلاقة من حالة الحرب الباردة الى حالة الاستقرار، ما يعني اعادة تعريف العلاقة بينهما بكثير من الواقعية التي تسمح لواشنطن ان تأخذ المصالح الايرانية في الاقليم بعين الاعتبار وعدم تهديدها لصالح مصالح حلفائها الاخرين في المنطقة.

السابق
المنازلة الكبرى تحت قبة البرلمان: هل يفعلها ويقر التدقيق الجنائي الشامل؟
التالي
بعد اتهامه القضاة بالفساد.. هكذا ردّ «القضاء الأعلى» على وزير الداخلية!