«كرة نار» الاساءة للرسول تلتهب.. ماذا عن لبنان؟

مظاهرة سفارة فرنسية
ليس عابرا مشهد التظاهرة التي نظمت اليوم أمام السفارة الفرنسية في بيروت إحتجاجا على الرسوم المسيئة للنبي محمد والصدامات التي حصلت بين المتظاهرين والجيش اللبناني والاعلام الاسلامية التي رفعت، بل يجب التوقف عنده لأسباب عدة.

أول الأسباب تبيان المدى الذي  ستبلغه هذه الاحتجاجات وإنعكاساتها على العلاقة المميزة التي تربط لبنان بفرنسا تاريخيا وحاليا مع وجود المبادرة الفرنسية التي تظلل تشكيل حكومة الرئيس سعد الحريري، وثانيها الاجواء المشحونة التي تتلبد في سماء العلاقات الدولية والتي تنذر بعودة الصراع بين ما تصفه فرنسا بحرية الرأي والتعبير التي تتمسك بها فرنسا، وبين المسلمين حول العالم الذين يتحركون من أجل وقف الاساءة إلى الرسول الاكرم ولو بأعمال عنفية، خصوصا في ظل كلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول”تمسك فرنسا بالرسوم الكاريكاتورية التي يعتبرها المسلمون مسيئة للرسول محمد إنسجاما مع  قيم حرية الرأي والتعبير التي تطبقها فرنسا” والذي أثار حفيظة ليس فقط هذه الجماعات المتطرفة بل أيضا العديد من الدول الإسلامية والتي سارعت في الوقت نفسه إلى إدانة العمليات الارهابية التي إرتكبها متطرفون بحق مواطنين فرنسيين وفي مدن عدة تحت ذريعة الانتقام من مس فرنسا بمكانة النبي محمد.

على صعيد المواقف السياسية اللبنانية الشاجبة للرسم الكاريكاتوري الذي يمس بالرسول(التي صدرت من أطراف صديقة لفرنسا)، كان أبرزها من الرئيس المكلف سعد الحريري الذي “عبّر عن أسفه للأحداث في فرنسا، منددا في المقابل بالكلام الذي قيل وبالرسم الكاريكاتوري الذي صدر بحق النبي محمد”، كما كان هناك كلاما واضحا لمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، الذي إعتبر أن “الإساءة لنبي الإسلام محمد الصادرة بين الحين والآخر عن أفراد موتورين يستغلون مفهوم الحرية في بلدانهم، تشكل عدوانا مستمرا على جميع المسلمين في العالم، وتستفز مشاعرهم”، داعيا إلى “العودة إلى المفاهيم الحقيقية لحرية التعبير التي تقف عند احترام الآخرين، وعدم المس بعقائدهم ورموزهم”.

لا حاضنة سياسية للعنف

في ظل هذا المشهد المتشنج، من المشروع السؤال عن تأثيره لبنانيا ودوليا ونحن على أعتاب تشكيل حكومة توضع أسسها وبرامجها الاصلاحية برعاية فرنسية، وهل سنكون أمام مشهد دموي فرنسيا ودوليا بعد إنفلات الجماعات الاسلامية المتطرفة من عقالها؟

يفسر أستاذ العلوم السياسية والدراسات الاسلامية في الجامعة الاميركية في بيروت الدكتور أحمد موصلي لـ”جنوبية” المشهد الحاصل من زاويتين دولية ولبنانية، مشيرا إلى أن “الاهانات والكاريكاتور المسيء للنبي محمد ليس جديدا لجهة تزايد العنصرية ضد المسلمين والارتدادات التي نشهدها ضدهم في العالم وصعود اليمين المتطرف في فرنسا الذي يضع في أهدافه محاربة الاسلام وإنتشاره في أوروبا تحديدا”، مشيرا إلى أن”اليمين المتطرف يرى في موجات الهجرة بأنها تغير الطبيعة العلمانية للمجتمع الاوروبي والفرنسي تحديدا، و يعتبرون ان هذا التطور سيؤدي إلى تغيير ماهية القيم العلمانية في فرنسا ومعاداتها للدين”.

موصلي لـ”جنوبية”: التحركات ضد فرنسا في لبنان مطوقة ولن ُيسمح بتحقيق مآرب أخرى 

يضيف:”في المقابل لن يرضى المسلمون بإهانة الرسول الاكرم وبل هم يضعونها في خانة الرد الاستعماري على تاريخهم، وفي الوقت الذي يرى الفرنسيون أن ما حصل هو جزء من حرية الرأي نرى أنه من الممنوع التهكم على السامية او التشكيك بالمحرقة اليهودية”، لافتا إلى “أننا أمام صراع مستمر منذ 300 سنة ويتجلى من فترة لأخرى وخاصة بعد 11 أحداث أيلول بحيث باتت العمليات التي يقوم بها بعض الاسلاميين دليل على تخلف الدين الاسلامي  ومحاربته لحرية الرأي “.

في المقابل يرى موصلي “أن لا حاضنة سياسية لردود الفعل العنفية ولكن في نفس الوقت ما يطالب به المسلمين هو الاحترام لشخصيتهم المعنوية والتي تمثلت بالنبي وإهانته من حين وآخر، والمتطرفين من اليمين الفرنسي والاسلامي يستغلون الوضع لإثارة الغرائز والنعرات وتحويلها إلى نوع من الحرب الاهلية داخل المجتمع وبين الدول، وهذا الأمر غير مضمون لجهة إنضباط هذه القوى والابقاء على تحركاتها سلمية”، معتبرا أنه في لبنان “فإن سلوك هذه التحركات التي يقودها حزب التحرير ستكون مطوقة سياسيا وأمنيا ولن يسمح لهم لأن يتحول هذا الصراع إلى صراع على الارض ضد الفرنسيين، وهناك وعي لخطورة دفاع هذه الجماعات أمنيا تحت مسمى الدفاع عن النبي لتحقيق مآرب أخرى “.

ستاذ العلوم السياسية والدراسات الاسلامية في الجامعة الاميركية في بيروت الدكتور أحمد موصلي
موصلي

عمليات ذئاب منفردة

يوافق الخبير في الشؤون الاسلامية الدكتور طلال عتريسي على أن ردود الفعل العنفية على الاساءة للرسول الاكرم ستبقى فردية من دون تبني أو رعاية سياسية رسمية، ويقول ل”جنوبية”: “لبنانيا لا أعتقد أن ما جرى يؤثر على المبادرة الفرنسية بالنسبة للبنان، لأن المبادرة لم تعد بذلك الزخم الذي بدأت وبعد ترشح الرئيس الحريري لم نسمع أي ردة فعل  فرنسي سواء تأييدا أوإعتراضا”، لافتا إلى أن “شروط المبادرة تغيرت لجهة أن المطلوب كان رئيس حكومة مستقل وحيادي ووزراء إختصاصيين، هذه الشروط تغيرت اليوم وهناك صيغة ثانية يتم العمل بها، وبالتالي لن يؤثر سلبا في الموضوع الحكومي وشعبيا لن نشهد إلا بعض الاحتجاجات أمام السفارة الفرنسية ولكن ليس هناك مناخا مشجعا للإعتداء على الفرنسيين في لبنان، والاثار ستكون محدودة وضيقة”.

عتريسي لـ”جنوبية”: الاحتجاجات لن تؤثر على تشكيل الحكومة ولا مناخ مشجع للإعتداء على الفرنسيين في لبنان 

ويضيف:” أما إسلاميا وعالميا فلن نشهد موجات عنف ضد فرنسا بل سنشهد عمليات منفردة على غرار عمليات الذئاب المنفردة التي تعتمدها داعش ضد المدنيين الفرنسيين بأي مكان، وهذا الامر سيكون فرصة للقاعدة وللتنظيمات المتشددة وداعش للقول أنهم لا يزالون حاضرين على الساحة الدولية وعلى الرغم من انهم تراجعوا كثيرا في الفترة الاخيرة “، معتبرا أن “الرئيس ماكرون إرتكب خطأ حين إنتقد الاسلام وإعتبر أن منفذي الهجوم سواء في نيس أو غيرها من المناطق يمثلون الاسلام في حين أنهم  لا يمثلون سوى نسبة ضئيلة جدا بالمليون من المسلمين وان معظم المسلمين في أوروبا مندمجين في المجتمعات الاوروبية، وهذا الامر سيؤدي إلى ردود فعل فردية في الوقت أن كل المؤسسات الرسمية الاسلامية أدانت هجوم ماكرون على الاسلام و أيضا العمليات الارهابية التي حصلت”.

ويختم “لا مناخ رسمي إسلامي يؤيد العنف أوالانتقام من الفرنسيين، والرد التركي بالدعوة إلى مقاطعة البضائع الفرنسية هو رد سياسي اكثر مما هو رد ديني لأن هناك صراع و تنافس بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وماكرون ولا مناخ عدائي عام ضد فرنسا بل حدودها عمليات لذئاب منفردة و مواقف رسمية تدين العنف”.

طلال عتريسي
عتريسي
السابق
نصرالله حول الملف الحكومي: لا نريد المبالغة بالإيجابية.. وهكذا علّق على حادثة نيس!
التالي
الكورونا «تظهر» على متوفٍ بعد دفنه في عيناتا!