شتلة التبغ «تحتضر» جنوباً.. والمزارعون يلوّحون بهجرها!

زراعة التبغ في الجنوب

ينذر تدني سعر التبغ الذي تتسلمه ادارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية “الريجي” من المزارعين  بهجرة الكثير منهم هذه الزراعة القديمة (دخلت لبنان في عهد الامير فخر الدين  قبل اكثر من اربعة قرون ) التي طالما كانت تشكل فسحة امل ومصدرا وحيدا للرزق لالاف العائلات الجنوبية خصوصا بعدما انخفضت قيمة كل كيلو غرام الوسط من 8 دولارات الى اكثر من دولارين بقليل بالرغم من الزيادة التي اقرتها وزارة المالية ممثلة بالوزير غازي وزني بناء لاقتراح ادارة الريجي ممثلة بمديرها العام ناصيف سقلاوي التي تأسست في ظل الانتداب الفرنسي عام 1935 .

زراعة التبغ في الجنوب
زراعة التبغ في الجنوب

وهذه الزيادة المقررة الموعودة التي لاتتناسب مع ارتفاع الكلفة وغلاء المعيشة حسب المزارعين ،سترفع سعر كل كيلو غرام من التبغ الموضب باكياس من الخيش خمسين بالمئة بحيث يصبح على سبيل المثال سعر كيلو الصنف الممتاز 24 الف ليرة لبنانية اي ثلاثة دولارات على السعر الحالي للصرف بينما كان يوازي في الموسم الماضي عشرة دولارات ونصف الدولار.

في احد اجتماعات المزارعين قبل ايام تحضيرا لتسليم المحصول الذي ينطلق في السادس والعشرين من تشرين الحالي في عشر مراكز على امتداد الجنوب ،انتفضت مزارعة مخضرمة غاضبة وقالت بأعلى صوتها: “سأرمي محصول السنة امام المركز واحرقه اذا لم يتم تحسين الاسعار الى مستوى الكلفة بالحد الادنى وهي زيادة الاسعار مئة وخمسين بالمئة كما سبق وطالبت نقابة مزارعي التبغ والتنباك في الجنوب”.

زراعة التبغ في الجنوب
زراعة التبغ في الجنوب

ووفق رئيس النقابة حسن فقيه، “تصل المساحة المزروعة بالتبغ في جنوب لبنان إلى 50 ألف دونم معظمها في قرى وبلدات بنت جبيل ويبلغ إنتاجها السنوي حوالي 5.4 ملايين كيلوغرام، ويستفيد منها بشكل مباشر اكثر من 16 الف عائلة وتتوزع على 192 بلدة وقرية ابرزها عيترون ورميش وعيتا الشعب وعدشيت وصديقين وزبقين وسواها”.

ويقول لـ”جنوبية” ان “زيادة الخمسين بالمئة التي سمعنا بها من الاعلام لا تفي بالحد الادنى المطلوب حتى يتمكن المزارعون من الاستمرار ،متوقعا عزوف الكثير من المزارعين لزراعة الموسم المقبل نتيجة الكلفة المرتفعة جدا”.

زراعة التبغ في الجنوب

ورث عبدالله بزيع زراعة الارض بالتبغ عن والده في قريته زبقين ولم تبعده التجارة عنها، فبقي متشبثا بها الى اليوم كونها واحدة من اوجه الصمود .

يقول بزيع: “اذا ما بقيت اسعار التبغ على ما هي عليه اليوم فان غالبية المزارعين ومنهم انا لن يقدموا على الزراعة لان خسائرهم ستكون كبيرة جدا مع استمرار ارتفاع سعر الكلفة الناجمة عن الاسعار الجنونية للاسمدة واستئجار الاراضي والمياه والحراثة والخيش وحتى الخيطان التي زادت جميعها اكثر من خمسة اضعاف وعلى سبيل المثال لا الحصر فان كيس “الكيماوي” الوسط خمسين كيلو غرام كان ب30 الف ليرة وصار اليوم يتجاوز المئتي الف ،بينما سيبلغ سعر كيلو التبغ مع الزيادة المرتقبة ثمن علبتي سجائر”.

زراعة التبغ في الجنوب
زراعة التبغ في الجنوب

يضيف: “كلفة ضمان الاراضي للدونم الواحد ارتفعت من مئة وخمسين الف ليرة الى خمسماية الف في بعض المناطق وايضا كلفة حراثة الارض والسماد على اختلاف انواعه بما فيه سماد الدجاج”.

من جهته، يؤكد عباس زهر الدين رئيس الجمعية التعاونية الزراعية في بلدة ميس الجبل لـ”جنوبية”، والتي يعتمد قسم كبير من ابنائها على زراعة التبغ، ان “الحفاظ على شتلة التبغ هي بمثابة الحفاظ على دماء الشهداء ،لما قدمته هذه الشتلة على مر العقود من تأمين عيش المواطنين بكرامة وتعليم ابنائهم ووصولهم الى اعلى المراتب بفضل هذه الزراعة المرة  المجبولة بعرق الجبين وتشقق الايادي”.

زراعة التبغ في الجنوب

وذكر زهر الدين بالبيان الذي صدر عن التعاونية وتجمع مزارعي التبغ في ميس الجبل بعد اجتماع حضره مزارعون ورؤساء بلديات ومخاتير من القرى المجاورة بأن الزيادة الموعودة لا تتناسب مع واقع الحال اطلاقا ولا تلبي حقوق المزارعين وارتفاع كلفة الانتاج وتتدهور سعر صرف الليرة التي على اساسها يتم شراء محصول التبغ مع العلم ان مؤسسة الريجي هي من المؤسسات الوطنية القليلة التي تحقق ارباحا طائلة لخزينة الدولة من تعب المزارعين والكادحين .

وقال: “نضم صوتنا الى النقابة ونرفض اي زيادة غير منصفة وتوحي للراي العام ان الدولة رفعت الاسعار ،مناشدا باسم التعاونية وتجمع المزارعين الرئيس نبيه بري وكل المعنيين الشرفاء التدخل سريعا ومعالجة الامر واعادة حقوق المزارعين عبر رفع اسعار التسليم بنسبة واقعية وتسليم البدلات المادية بواسطة الريجي مباشرة وليس عبر البنوك لتفادي الازمة التي عانى ويعاني منها المزارعون”.

تتنافس بلدتي عيترون ورميش في زراعة التبغ على مستوى الجنوب 

وتسلم رميش  بحسب رئيس بلديتها البير الحاج سنويا 328  الف كيلوغرام  من التبغ ينتجها 809 مزارعين يحوزون على رخص متوسطة (اربع دونمات)يسلمون على اساسها الانتاج كغيرهم من المزارعين اي 100 كيلو غرام عن كل دونم ولا تزيد حصة المزارعين في عملية التسليم عن الاربعماية كيلو غرام كما حددتها الريجي في وقت سابق .

زراعة التبغ في الجنوب

ويقول الحاج ان “هذه الاسعار للتبغ تهدد باستمرار الزراعة التي باتت بالغة الكلفة ولا ترد بدل الاتعاب في حال كان المزارع يملك الارض ويعمل بنفسه بدلا من استئجار عمال”.

ويعود الحاج الى العام 1985 يوم ارتفاع سعر الدولار الجنوني مقابل الليرة ،حيث بلغ ثمن انتاج موسم التبغ عند عمه (والد زوجته) 25 دولارا اميركيا كان بدل هدية الزواج لابنته ،وهذا ما يشيه اليوم فان بدل انتاج رخصة تبغ اربع دونمات لا تتعدى عشرة ملايين ليرة على السعر المتوقع وهي ايضا لا تكفي هدية زواج او ثمن قطعة كهربائية متواضعة. 

زراعة التبغ في الجنوب
السابق
جريمة صحّية في معركة الجنوبية: متجوّل يُطعم الناس جيف حيوانات مرمية على المكبّات!
التالي
بريجيت ماكرون الى العزل.. اليكم حالتها الصحية!