نموذج جديد لوحدة الشعب اللبناني
● ثورة 17 تشرين الاول 2019 ضد شمولية فساد الحكم اللبناني ، ماذا عنت لك هذه الثورة ، وكيف كانت نظرتك اليها ؟
– بعد سنة من بدء هذه الإنتفاضة، و أقول بدءا لأن هذه الإنتفاضة هي لحظة في تاريخ لبنان استمرت لفترة من الزمن وما زالت مخيمة على ذاكرة اللبنانيين . وللأسف إني أقول عن هذه الإنتفاضة أنها ” ذاكرة “على اعتبار أنها ، حاليا ، ليست فعلا يوميا . ولا شك في أنها – بالرغم من ذلك – هي انتفاضة قدمت إيجابيات كبيرة على صعيد الحراك الإجتماعي في لبنان . وأنا موافق على وصفك للسلطة في سؤالك ، وأرغب بالقول بأن هذه الإنتفاضة كانت لحظة وعي جَماعيّ . طبعا هو وعي ليس مقطوعا عن تحركات سابقة وإرهاصات سابقة في تجمعات ومجموعات . لذلك فإن ما قدمته الإنتفاضة هو تطوير لكل هذه الإرهاصات والتحركات ووضعها موضع الفعل ، والتبشير بالتغيير، متجاوزة لكل الحواجز التي كانت موجودة بين اللبنانيين.
عجزت الإنتفاضة عن التغيير لغياب القيادة والبرنامج
لذلك فقد جمعتْ متنوعات عديدة ، وقدمتْ نموذجا جديدا لوحدة اللبنانيين ضد السلطة التي أمعنت في تدمير لبنان. وانتفاضة 17 تشرين الأول 2019 مرت بمرحلتين : الأولى كانت “كنشوة” في الوصول إلى هذه الوحدة بين اللبنانيين .
والمرحلة الثانية تمثلت بأن الإنتفاضة استطاعت أن تفرض نفسها قوةَ رقابةٍ شعبية على السلطة وأزلامها ، وصفة القوة هذه هي مستمرة حتى الآن .ولأن الانتفاضة هي فعل تراكمي ، لم أتصور يوما أنها ستصل الى تحقيق شعارها: “كلن يعني كلن” ، لكنني كنت أدرك أن هذا التراكم سيؤدي حتما إلى حالة جديدة في حياة اللبنانيين .
لكن التدرج في الشعارات من “مطلبية” إلى “سياسية” أدى إلى أن يشوبها الكثير من عدم المعرفة على إستثمار الواقع بكل حيويته ، فمن الثوار من رفع شعار: “إن ما يراه هو هو الحل “، دون أن يأخذ بعين الإعتبار تركيبة السلطة الطائفية في لبنان، التي تتضامن على الرغم من تناقضاتها عند لحظة الخطر عليها .
وأيضا تعددت تشكيلات التجمعات وتباينت إلى حد أنها باتت ضعيفة أمام وحدة السلطة . وبهذا التحديد استطاعت السلطة أن تُفرغ الإنتفاضة من حيويتها عبر : التدخل المباشر في القمع ترهيبا ، والتدخل المباشر أيضا في “الحَضْن” ترغيبا .
وتلخيصا أقول : على الرغم من انجازات الإنتفاضة “العظيمة” ، كانت عاجزة عن الإنتقال إلى لحظة القدرة على التغيير ، بفعل غياب القيادة والبرنامج .
أعباء ميدانية أساءت للانتفاضة
● هذا الحدث التاريخي المفصلي ، يحتم على المثقف اللبناني ، دورا مواكبا لهذا الفعل التغييري ، فكيف ترى إلى هذا الدور؟
– بالإنتقال إلى دور المثقفين اللبنانيين في تفعيل الإنتفاضة وعَقْلنتها نجد ، أن المثققين قصّروا كثيرا إلى حد الغياب في هذا المجال ، ولإثبات هذا الموضوع نحن في المجلس الثقافي للبنان الجنوبي ، حاولنا العمل دعما للإنتفاضة على جبهتين : “جبهة الهيئات الثقافية” التي اقتصر دورها على إصدار بيان تأييد ، دون أن تتحول إلى عامل مشارك فعليِ في الإنتفاضة .
المثقفون اللبنانيون لم يندمجوا في حركة الإنتفاضة
والجبهة الثانية تمثلت بأننا عملنا على تأسيس رابطة للكتّاب والأدباء في لبنان ، وتوصلنا إلى تشكيل هيئة تأسيسية للرابطة وكان همها أن تلعب دورا في حياة الإنتفاضة. لكن مع “الكورونا” والعجز من قِبل هذه الرابطة ، بقينا اسما دون فعل . لذلك أستطيع القول : إن المثقفين لم يحسنوا الإندماج في حركة الشارع المنتفض ، ويمكن أنهم اكتفوا بكتاباتهم تاركين للمنتفضين الأعباء الميدانية ، التي كانت أحيانا كثيرة مكلفة جدا ، وتُسيئ للإنتفاضة .
● ما هي قراءتك الخاصة للأبعاد الثقافية لهذه الثورة ؟
– إن الذي حدث في لبنان كبير جدا ، وترك أثاره الجدية على مستقبل التحرك الوطني وهدفِ التغييرالذي لا بد منه ، لقيام وطن ودولة القانون والمؤسسات في لبنان .
تأصيل الوعي التغييري
● هذه الثورة قد أسست لوعيٍ تغييريٍّ مستقبليّ ، فماذا بامكاننا استشرافه من أبعاده ؟
– برأيي أن هذا الوعي التغييري ، قد تأصل في المجتمع اللبناني ، على اختلاف مكوناته ، وإن كانت السلطة ، اليوم ، استطاعت أن تَلْجم هذه الإنتفاضة . فلن تستطيع القضاء على هذا الوعي ، الذي حتما ، هو ينتظر فرصة جديدة في مواجهة هذه السلطة المتهالكة ، والتي ” تتمتع” بالقوة فحسب نتيجة غياب قدرة الإنتفاضة على التغيير اليوم.
الانتفاضة لن تنتهي لأن مسبّباتها مستمرة في تركيبة السلطة
●هل الثورة انتهت كما يُشاع اليوم ؟
– لا يمكن أن تنتهي الإنتفاضة. ممكن أن تخبو قليلا ، وهي لا يمكن أن تنتهي لأن مُسبّباتها مستمرة في تركيبة السلطة الطائفية والزبائنية .
حاجة ماسّة إلى برنامج محدد
● لاستعادة زخمها ما الذي تحتاجه هذه الثورة ؟
– إن الإنتفاضة أحوج ما تكون اليوم ، بعد سنة على انفجارها ، هو الوصول إلى تحديد برنامج واقعيّ ، يمكن تحقيق محتوياته في المدى المنظور . وهنا أود أن أشير إلى أن المرحلة الحالية تُلْزِم الإنتفاضة بشعار ” الإنقاذ ” أكثر من ” التغيير” . فنحن نُغيّر ما هو موجود ، وواقع الحال اليوم أن الوضع بمجمله مُنْهارٌ في لبنان ، على كافة المستويات ، الإقتصادية والإجتماعية والمعيشية والمالية . والمطلوب هو الإنقاذ تمهيدا للتغيير المختَزَن في حراك الإنتفاضة وأهدافِها المستقبلية . وهنا أراهن كثيرا على الإنتخابات النيابية القادمة.