خبيران اقتصاديان يفككان لـ«جنوبية» قطبة سلامة المخفية: الأزمة خلفنا والمصارف أمامنا!

مصرف لبنان

تروي دانيا مهدي (أم لثلاثة أبناء) أن التوتر والالم يعتصر قلبها يوميا حين تفكر بأن ربطة الخبز يمكن أن تصل إلى سعر10 آلاف ليرة بعد رفع الدعم عن المواد الاساسية وأن أسعار الدواء ستحلق عاليا، وتشير ل”جنوبية” بأن” رفع الدعم سيعني حرمان أطفالها الثلاثة من أي وجبة لحوم أو أجبان لأن راتبها وراتب زوجها (كل منهما يتقاضى نصف معاش بسبب الاوضاع) سيكفي فقط لشراء الخبز والبطاطا وبعض الخضار وإلغاء كل المصاريف الاخرى المتعلقة بالطبابة أو الملابس، وتشير إلى أن إنخفاض مدخولها في الوقت الحالي يمنعها من شراء أدوية أساسية قد يحتاجها أولادها خلال فصل الشتاء أو تخزين بعض المواد الاساسية . 

قصة دانيا تشبه قصص آلاف اللبنانيين الذين يعدون الايام التي تفصلهم عن بدء مسيرتهم في الطريق المؤدي إلى “جهنم” التي وُعدوا بها بعد النكسة التي أصابت المبادرة الفرنسية والتعثر في تشكيل حكومة عن حكومة الرئيس حسان دياب المستقيلة، ومع إستمرار الكلام بأن الدعم للمواد الاساسية سيصبح أمرا واقعا لا محالة مع بداية العام المقبل، في الوقت الذي تستمر فيه المؤشرات الاقتصادية بالهبوط ومعدل البطالة بالازدياد ناهيك عن التداعيات السلبية إقتصاديا لفيروس كورونا بالاضافة إلى تداعياته الصحية .

وسط كل هذه المعطيات القاتمة، أتى كلام حاكم مصرف لبنان رياض سلامة خلال اللقاء الشهري الذي عُقد بين مصرف لبنان ولجنة الرقابة وجمعية المصارف بأن “الأزمة الحادة باتت وراءَنا وبأن مصرف لبنان ولجنة الرقابة سيقومان بكل الإجراءَات المتاحة قانوناً، لإعادة تفعيل مساهمة القطاع في تمويل الاقتصاد”، وإعتبر الحاكم أن “الرسملة والسيولة أساسية لتمويل الاقتصاد واستمرارية القطاع ترتبط بقدرته على تجديد نفسه”، هذا الخبر أثار العديد من التساؤلات حول المعطيات والوقائع التي إستند إليها لإطلاق تصريحاته، في الوقت أن قسما غير قليل من المختصين في الشأنين المالي والاقتصادي يقضّون مضاجع اللبنانيين بأن سنوات عجاف ماليا وإقتصاديا بإنتظارهم.

أبو سليمان: ثقة المستهلك والمستثمر مدخل لإستعادة الاقتصاد لعافيته

المشهد الذي يمكن رسمه بناء على ما سبق هو كالتالي: مواطنون قلقون وإقتصاديون يدقون ناقوس الخطر بأن الآتي أسوأ، ومصرفيون يحاولون شرح المعطيات التي إستند إليها الحاكم سلامة في كلامه، فمن جهة الاقتصاديين يرى الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان لـ”جنوبية” بأن ” كلام سلامة يشير إلى أنه يملك معطيات نحن لا نعرفها، خصوصا أن القاعدة الاساسية التي ينطلق منها الاقتصاديون في كلامهم عن صعوبات إقتصادية قادمة على اللبنانيين، هي متابعتهم لأداء الحكومة ومؤسسات الدولة ككل الذين يعجزون مع مصرف لبنان عن تأمين الحاجات الاساسية للناس، فكيف يمكن أن إذا نحرك عجلة الاقتصاد؟”. 

ويوضح بأن “المصارف اللبنانية كانت العامود الفقري للإقتصاد اللبناني، واليوم باتت هذه المصارف متعثرة في السيولة، والاجدى بها أولا هي أن ترد الاموال للمودعين قبل قيامها بأي خطوة أخرى”، لافتا إلى أن” نسبة البطالة باتت تفوق الاربعين في المئة ونسبة الفقر بلغت 50 بالمئة ونعيش تضخم كبير وفقدان لمواد أساسية وأدوية وحالتنا النقدية ليست جيدة والقطاعات الاقتصادية مؤشراتها سلبية”.  

وليد ابو سليمان
وليد ابو سليمان

ويرى أن “الاقتصاد اللبناني كي يستعيد عافيته يجب أن يتأمن عامل الثقة سواء أكانت ثقة المستهلك أو المستثمر وهذا الامر مفقود اليوم، ورئيس خامس أكبر دولة في العالم (الرئيس إيمانويل ماكرون) قال أن الوضع في لبنان مزري، ولكي نكون متفائلين يجب أن نلمس شيئا إيجابيا وهذا أمر غير موجود”، مشددا على “أنه لا يوجد عندنا حكومة ولا من مفاوضات مع صندوق النقد الدولي بالاضافة تفجير المرفأ الذي سيكلف إعادة بناؤه 8 مليار دولار، هل تم تعويض هذه الخسائر ؟”.

ويختم:” المجتمع الدولي يرفض تمويلنا حتى لمواجهة جائحة كورونا لأننا لم ننفذ الاصلاحات فكيف يمكن للمصارف ان تحرك الاقتصاد في ظل إزدياد نسبة القروض المتعثرة جراء الازمة الاقتصادية و بظل فقدان السيولة”.

حمود :وجود دولة سليمة مدخل لتنشيط الاقتصاد 

في المقابل يشرح الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود لـ”جنوبية” المقصود بكلام الحاكم بأن “الازمة الحادة باتت ورائنا”، فيقول:” كلمة دعم من مصرف لبنان هي كلمة خطأ، صحيح أنه هناك فرق ما بين السعر الحقيقي والسعر الذي يقدم للمواطنين وهذا الفرق تتحمله موازنة الدولة وليس أموال المودعين، ومصرف لبنان يقول بأنه سيؤمن الدولار على سعر 1515 في قطاعات محددة إلى أجل معين كي لا يتم المس بأموال المودعين”، لافتا إلى أن “مصرف لبنان أمّن هذه المرحلة إلى أن تستقر الدولة والحكومة  ونعود إلى تدفقات نقدية وازنة تستطيع أن تؤمن متطلبات البلد بالعملة الاجنبية، ولذلك سيكون أمامنا مرحلة غير قصيرة نشهد فيها نقصا في المواد وإرتفاع أسعار المواد “.

يضيف:”التحدي أمامنا هو كيفية الاستفادة من الكتلة النقدية بالعملة الاجنبية المحلية بذكاء والتحدي الاهم هو الانتهاء من حالة في التسعير لمواد لا يرتبط بالعملة الاجنبية، وهذا التحدي ليس أمام مصرف لبنان بل أيضا أمام وزارة الاقتصاد والحكومة مجتمعة، وأعتقد أنه حين قال  الحاكم سلامة بأن الازمة باتت وراءنا بأنه كان يقصد أننا وصلنا إلى الحد الاقصى، فالودائع لا يمكن سحبها والمصارف باتت تعاني من جمود في عملياتها المصرفية وزادت الازمة الاقتصادية والان علينا مواجهة هذه الازمة وليس المقصود أننا  إنتهينا منها، أي أن كل أجزاء الازمة التي نعاني منها باتت واضحة للعيان وعلينا الدفع نحو المعالجات والحلول وهذه جرأة لأن الاعتراف بالمشكلة هو أولى الخطوات نحو الحل”.

حمود: إستعادة المصارف لرأسمالها يعيدها الى لعب دورها في تمويل الاقتصاد 

يشرح حمود أيضا المعطيات التي قد يكون الحاكم سلامة إستند إليها في تصريحه بأن “مصرف لبنان ولجنة الرقابة سيقومان بكل الإجراءَات المتاحة قانوناً، لإعادة تفعيل مساهمة القطاع في تمويل الاقتصاد”، فيقول:”الدور الاساسي لأي قطاع مصرفي في العالم هو أن يلعب دور الوسيط ما بين المدخر وما بين المقترض من أجل تحويل الكتلة النقدية إلى كتلة فاعلة، لأن أي مؤسسة إقتصادية تقوم بحفظ رأسمالها الخاص والاستدانة لتعزيز عملياتها التشغيلية، والمصارف منذ أزمة تشرين وحتى قبل تلك الفترة بدأت تفقد دورها كوسيط بين المودع والمقترض”، لافتا إلى أنه “بدءا من تلك الفترة بدأ الاقتصاد بالتباطؤ والازمة زادت حدتها بسبب الازمة النقدية وبات هناك ما يسمى بكتلة الدولار المحلي الذي يفوق المئة مليار دولار لا يمكن إستفائها لا بالدولار الحقيقي ولا بالليرة اللبنانية لأن تحويلها ألى الليرة اللبنانية  يعني أنه سيبلغ سعر صرف الدولار عشرات الالوف من الليرات إن لم نقل 100 ألف ليرة للدولار الواحد”.

يضيف:” لذلك عمدت المصارف إلى عدم سماح لسحب مبالغ تصل إلى 100 ملياردولار إلا “بالقطارة” كي لا يحصل تضخم بالكتلة النقدية اللبنانية في السوق مما يؤدي إلى تفاقم أزمة الدولار وإزدياد سعره في السوق السوداء، كما لا يمكن إعادة هذه المبالغ للمودعين  بالدولار الحقيقي لأننا أنهيناه بوجود الدولار في السوق السوداء، ماذا نفعل حينها؟”. 

سمير حمود
حمود

ويوضح أنه “حتى تستعيد المصارف اللبنانية دورها رأى مصرف لبنان أن هذه المصارف يجب أن تستعيد هذه المصارف صحتها من خلال خطوتين، الاولى من خلال سيولتها والثانية من خلال رأسمالها، شخصيا لا أقلل من أهمية رأسمال المصارف، لكن يمكنها الاستمرار برأسمال ضئيل لسنوات عديدة ولكن المصارف لا يمكنها العيش ولا لحظة من دون سيولة إذا تراكمت عليه سحوبات المودعين”، مشيرا إلى أن “التعميم الاول لحاكم مصرف لبنان كان الطلب من المصارف تعزيز رساميلهم بنسبة عشرين بالمئة من أموالهم الخاصة وإعطائهم مهلة لتحقيق ذلك حتى شهر شباط المقبل، وأضاف إليه تعميم ثاني يطلب فيه أن تكون 3 بالمئة  من ودائعهم عبارة عن سيولة نقدية جاهزة لدى البنوك المراسلة في الخارج”.

يضيف:” إذا إستعادت المصارف رأسمالها وسيولتها تعود تلقائيا إلى لعب دورها في تمويل الاقتصاد سواء من خلال الاستيراد أو تمويل داخلي، وهكذا يمكن للمصارف أن تمزج بين الدولار الخارجي لتمويل الاستيراد والدولار الداخلي لتمويل العمليات الداخلية”، مشددا على أن “الكتلة النقدية التي تبلغ 100 مليار دولار لا يمكن التسليم بأنها كتلة ستبقى جامدة طويلا  جدا وبالتالي الحل ليس بالقيام بهيركات من ودائع الناس في سبيل رسملة المصارف، لأنه إذا قمنا بهذه الخطوة كيف يمكن تمويل القطاعات في الداخل؟ وكيف يمكن دمجه مع السيولة المطلوبة من الخارج وإستقطاب بعض الودائع التي تسمى fresh mony؟”.

يشدد حمود على أنه “من خلال معرفته بالحاكم يعتقد أن هذا هو المقصود بكلامه و تصريحاته وهذا هو التحدي الكبير في المستقبل، أي أن تتمكن المصارف من المزج ما بين السيولة الخارجية بالعملة الاجنبية الداخلية في سبيل تمويل الاقتصاد الداخلي منها مواد أولية ومنها يد عاملة ومصاريف تشغيلية داخلية يمكن أن تمول بالدولار المحلي”، لافتا إلى أن “العوائق التي يمكن أن تعترض هذه الخطوة هو أنه يجب أن نرى نوعا ما كيف يمكن تدوير الدولار المحلي من دون تحويله إلى ليرة لبنانية لنشتري دولار بالسوق السوداء، وهذا التحدي الكبير هو في كيفية الاستفادة من الكتلة النقدية بالعملة الاجنبية المحلية ولكن بذكاء، وإلا نكون زدنا الازمة تفاقما”.

والسؤال الذي يطرح هنا هل يقف الفراغ الحكومي عائقا أمام الوصول إلى الاهداف المرجوة من دعم المصارف للإقتصاد؟  

يجيب حمود “كلما كانت مؤسسات الدولة متوازنة وقوية وتعمل بشكل صحيح كلما كان هذا أفضل للجميع، وجميعنا كأفراد ومؤسسات نعمل تحت سقف الدولة ولا يمكن ان نبحث عن إستعادة صحة قطاع ونحن نشكو من صداع في رأس الدولة، ورأس الدولة هي المؤسسات الدستورية أي الرئاسات الثلاث ومنها رئاسة الحكومة والادارة والحوكمة  فإذا لم يكن هناك حكومة تسير أمور البلاد بشكل سليم نكون نبحث في التفاصيل من دون فائدة ولا نتيجة”، مشددا على أن “وجود دولة سليمة بمؤسساتها الدستورية هو المدخل الكبير لأي بحث لتنشيط الحركة الاقتصادية الداخلية لأنه لا يمكن مخاطبة المستثمرين ولا صندوق النقد الدولي ولا المصارف إذا كانت الحوكمة والشخصية السياسية للدولة غائبة فهذا أمر مستحيل وأغلب المشاكل التي نعاني منها سببها الخلل الموجود في الدولة”.

السابق
عقب الإنفجار في الأشرفية.. قوى الأمن تعثر على جثّة مجهولة الهوية!
التالي
حركة أمل تُعلن تصدّيها لقرار رفع الدعم.. الى الشارع دُرّ!