هل يطلق التطبيع العربي شرارة الموت اللبناني!

التطبيع العربي

ما أشبه اليوم بالبارحة، علمتنا التجارب والأحداث في منطقتنا العربية بأن الحرب أو لنقل الصراع مع إسرائيل كان دائما يعني السلام بين العرب أو على الأقل عدم الإقتتال ، وأن السلام أو حتى المفاوضات أو الإتفاقات حتى ولو كانت إتفاقات فك إشتباك كان معناه الحرب بين العرب بحجة التخاذل والتخلي عن القضية بغض النظر عن صدق التهمة والنوايا أو صحتها. هذا ما حدث بعد إتفاقيات فك الإشتباك في محادثات الكيلومتر 101 بين مصر وإسرائيل في أعقاب حرب أكتوبر من عام 1973 ، بحيث أثارت تلك الإتفاقيات شكوك وغضب ما كان يسمى يومها بجبهة الرفض العربية التي كانت تضم الدول العربية القريبة من المعسكر الإشتراكي بقيادة الإتحاد السوفياتي يومها في ظل الحرب الباردة ، كسوريا والعراق وليبيا والجزائر بالإضافة إلى منظمة التحرير الفلسطينية ومؤيديها  خاصة في لبنان وهو ما يتشابه اليوم مع ما يسمى حلف الممانعة لكنه هذه المرة يختلف عنه ببعض الجوانب بحيث أنه اليوم بقيادة غير عربية هي إيران ، وبأن سلاح حزب الله في لبنان حل محل سلاح منظمة التحرير الفلسطينية، بالإضافة إلى دخول عامل حركات المقاومة الإسلامية الفلسطينية كحماس والجهاد الإسلامي على الخط عبر سيطرتها على قطاع غزة وهو ما أثار المخاوف مؤخرا لدى البعض في لبنان من زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية إلى بيروت بما تعنيه من تمدد ومحاولة للإمساك بورقة المخيمات الفلسطينية في لبنان في وقت تمر فيه المنطقة عامة ولبنان خاصة بظروف دقيقة قد تحدد مصيرها للسنوات المقبلة . 

اقرأ أيضاً: أبو العبد الغزاوي في بيروت..التطبيع يغلب التطبع!

الطريق المسدود

يومها وبعد أقل من عام على توقيع إتفاقيات فك الإشتباك بين مصر وإسرائيل وفيما كان لبنان يغلي نتيجة للظروف الداخلية الناتجة عن وصول النظام اللبناني  المنبثق عن ميثاق 1943 إلى الطريق المسدود نتيجة عجزه عن تطوير نفسه ومواكبة المتغيرات السياسية والإجتماعية في البلد ، وكذلك نتيجة التطورات في المنطقة بعد حرب أكتوبر 73 التي بات من الواضح أن مصر بقيادة أنور السادات قد إتخذت من السلام خيارا إستراتيجيا لها بعدما أعلن بأن حرب 73 هي آخر الحروب التي تخوضها مصر ، الأمر الذي أحدث إنقساما عربيا ما لبث أن إنفجر حربا في لبنان الذي كان يحتضن المقاومة الفلسطينية كما حزب الله اليوم لدرجة أن طريق المطار قد قطعت يومها بوجه وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر وما أدراك من هو هنري كيسنجر وما يمثل ، ما إضطره للهبوط في مطار رياق العسكري كي يتسنى له اللقاء بالمسؤولين اللبنانيين . وكان ما كان من حروب صغيرة وكبيرة وتسويات ظرفية وإجتياحات وإحتلالات ووصايات متعددة حتى كان إتفاق الطائف الذي كان عبارة عن تقاطع مصالح غربي – عربي كما هي العادة في لبنان في ظل ضعف وتراجع في دور الإتحاد السوفياتي يومها الذي كان في أواخر أيامه ما سمح بتمرير الإتفاق جزئيا في البداية ليتكفل الغزو العراقي للكويت وولادة التحالف الدولي لتحريرها بإقراره نهائيا بعد القضاء على تمرد ميشال عون وإخراجه من قصر بعبدا . 

إن ما يحصل في لبنان من تجاذب ليس ببعيد عما كان يحصل عشية الحرب الأهلية عام 1975 ، فكل الظروف الداخلية والخارجية مهيأة للإنفجار وإعادة التجربة المرة مع تغيير في الوجوه والمسميات

عشية الحرب الأهلية

اليوم كل الظروف توحي بأن الأوضاع في المنطقة ذاهبة إلى المجهول في ظل تفتت عربي لدرجة أنه لم يبق من العروبة كفكرة ومؤسسات سوى الإسم في ظل غياب أي مشروع سياسي عربي جدي ما خلَّف فراغا سمح للأطراف الأخرى في المنطقة والتي هي على تماس مباشر مع العرب تاريخيا وجغرافيا أن تحاول ملء هذا الفراغ ، وهكذا بتنا نرى مشروع تمدد إيراني بدأ منذ ثمانينات القرن الماضي ، وتمدد تركي مستجد بدأ مع إنفجار الأزمة السورية ويستكمل اليوم في ليبيا وشرق المتوسط ، ما جعل الأطراف العربية تنقسم ويلتحق كل طرف بأحد المحاور ، منها ما هو مع إيران ومنها ما هو مع تركيا وثالث لم يجد أمامه في ظل تخوفه من المشروعين الإيراني الإسلامي الشيعي ، والتركي الإسلامي السني ، بما يحملانه من بعد ” ثوري ممانعاتي ” إلا التوجه صوب العدو التاريخي المفترض للعرب ألا وهو الدولة العبرية المحتلة لأراضي  فلسطين العربية التي قامت مشروعية غالبية الدول والأنظمة العربية على أساس النضال من أجل إستعادتها وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ولو على جزء من أراضيها التاريخية بعد ” سيادة ” مفهوم وفكرة الواقعية السياسية لدى النخب السياسية العربية ، ومع ذلك فشلت هذه الأنظمة والحركات في مسعاها لنيل الحقوق ولو منقوصة . في هذا المناخ من التشتت ومحاولة كل طرف من الأطراف حفظ رأسه لدى صراع الدول ، وفي ظل التطبيع الخليجي للعلاقات مع إسرائيل ، يبقى لبنان عرضة للخطر من هذه التطورات سيما وأنه الحلقة الأضعف في المنطقة في ظل طبقة سياسية فاسدة مجرمة وسلطة غير مسؤولة هي إلى العصابة أقرب ، ومستعدة لفعل المستحيل للحفاظ على ديمومتها حتى ولو أحرقت البلد كما حصل مؤخرا في إنفجار المرفأ وما تلاه من حرائق غير بريئة في محاولة منها للتملص من الإلتزامات والإستحقاقات المنتظرة جراء جزرة ماكرون وعصا ترامب وهو ما قد يدفعها إلى إدخال البلد في حرب أهلية جديدة خاصة إذا ما تقاطعت مصالحها الداخلية مع مصالح راعيها الإقليمي الخارجي المأزوم هو الآخر جراء العقوبات ، كل ذلك تحت شعار رفض التطبيع والسلام مع العدو التاريخي وتحت شعارات المقاومة والنضال والدفاع عن الحقوق المشروعة ، بينما هي في الحقيقة حلقة في صراع الأطراف الإقليمية كل في سبيل مشروعه السياسي وطموحاته الأمبراطورية في السيطرة على المنطقة وشعوبها ومقدراتها بينما أهل المنطقة من حكام يتلهون في البحث والإلتحاق بمن يؤمن لهم الحفاظ على عروشهم ولو على حساب إشعال المنطقة بالحروب ، وشعوب مقهورة سحقتها أنظمة فاسدة بائدة ولما إستفاقت وقامت من كبوتها وثارت ، كانت لها الثورة المضادة بالمرصاد مدعومة بأدوات الدولة العميقة ومدعمة بكل إمكانيات التمويل والتضليل والشيطنة لكل ما هو تحرك وطني إصلاحي ، والمفارقة أن أطراف الصراع في المنطقة على إختلافها قد إتفقت ضد التحركات الشعبية كما حصل في سوريا والعراق واليمن وليبيا وغيرها كل حسب مصالحه الإستراتيجية .

اقرأ أيضاً: بين الفصائل و«حماس» والسلطة.. فلسطين تُنكب مرتين !

إن ما يحصل في لبنان من تجاذب ليس ببعيد عما كان يحصل عشية الحرب الأهلية عام 1975 ، فكل الظروف الداخلية والخارجية مهيأة للإنفجار وإعادة التجربة المرة مع تغيير في الوجوه والمسميات ، الفارق الوحيد أن لبنان عشية نيسان 75 كان لا يزال دولة تمتلك كل المقومات على ضعف نظامها السياسي ، أما اليوم فهو في الطور الأخير من النزع في ذكرى مئويته التي يبدو أنها إستهلكت كل قواه الحية وبات فريسة سهلة للطامعين من أهله الذين تدغدغهم أوهام القوة والسلطة المستعارة من الخارج الذي يبحث دائما عن واجهات له في المنطقة يختبئ وراءها لتنفيذ أجندته ، ولم يتعظوا أو يتعلموا من دروس أقرانهم في الوطن مما جروه من ويلات على الشعب والوطن بسبب من تسلطهم وتعنتهم بالتمسك بإمتيازاتهم على حساب الناس البسطاء ، تحت شعارات براقة خبيثة عن الدفاع عن الطائفة والمذهب في وجه الآخر فكانت النتيجة تعميم الخراب والدمار الذي لا يزال مستمرا ، وما الأزمة الحالية عما يسمى بالميثاقية وتمسك ” الطائفة الشيعية ” بوزارة المالية إلا عينة من هذه التصرفات المشينة بحق الوطن والناس بإسم الميثاقية الإنتقائية التي تُسحب من جارور المصالح الحزبية والشخصية الخبيثة غب الطلب ، فأين الميثاقية في كل تصرفاتكم يا أستاذ نبيه بري ومن معك منذ العام 2008 تاريخ إنقلابكم على الدستور وتحكمكم بالسلطة وفرضكم أعراف عجيبة غريبة كالوزير الملك والثلث المعطل وغيرها من الهرطقات حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم ، أنا كمواطن شيعي بماذا تفيدني وزارة المالية مثلا وأموالي محجوزة في المصارف ، وبماذا تفيدني وزارة الطاقة ولا كهرباء عندي ولا ماء نظيفة ، وبماذا تفيدني حتى رئاسة المجلس النيابي وهي من نصيب الشيعة منذ الإستقلال حتى اليوم عندما هاجر أبي وبعدها هاجرت أنا واليوم يستعد أولادي للهجرة بسبب أن السلطة لم تؤمن لنا دولة طبيعية نعيش فيها حياة طبيعية لا أكثر ولا أقل ، أين الميثاقية يا أستاذ نبيه بري عندما ينفرد طرف لبناني حليف لكم بقرارات الحرب والسلم في البلد ؟ إتقوا الله في البلد والناس ، هناك فرصة أخيرة هي المبادرة الفرنسية ، قد لا تكون شروطها مثالية لكم ولغيركم ولكنها الحل الوحيد المتاح حاليا لإلتقاط الأنفاس ومنع تحلل البلد وزواله ومسحه عن الخريطة كما حذر وزير خارجية فرنسا ، وإذا فشلت لسبب أو لآخر فقد تكون حرب أهلية جديدة كما أعلن الرئيس الفرنسي بنفسه ، والظروف الداخلية والخارجية كما أسلفنا مهيأة للإنفجار ، فهل يتحمل الناس بعدُ حرب أهلية جديدة ؟ وهل يتحمل البلد بعدُ مغامرات ومقامرات على طاولة القمار الإقليمية والدولية ؟ أليس من الأفضل أن تحافظوا على الرصيد الذي جمعتموه من مقامراتكم السابقة عله ينفعكم في المقايضات الحاصلة بدل أن تراهنوا به على ”  لعبة الموت ” التي قد لا تكون مأمونة العواقب هذه المرة ؟ أسئلة برسم كل المسؤولين في البلد وبدرجة أولى القابضين الحقيقيين على السلطة السكارى بأوهام القوة والإنتصارات العبثية التي تهدم ولا تبني والدليل هو ما نحن فيه اليوم رغم كل ” الإنتصارات ” المزعومة .لبنان في خطر الزوال هذه المرة ، الوقت ينفذ والمسؤولية تاريخية ، فتذكر أيها المسؤول وأنت تتصرف وتقرر ،تذكر القول المأثور، لو دامت لغيرك ما إتصلت إليك، فهل من يتعظ ؟       

السابق
جميل السيّد يُرشّح نفسه لتولي وزارة المالية.. شيعي ومُخلص للناس!
التالي
فعلها برّي: لا حكومة اليوم.. وعون يلتقي الكتل النيابية على مدى يومين!