العلامة كامل مصطفى الشيبي أستاذ كرسي الفلسفة الاسلامية مؤسس الدراسات الصوفية في أكاديمية بغداد الفلسفية

الصوفية

اول الكلام؛ في الرابع من أيلول / سبتمبر 2006 إرتحل الدكتور كامل مصطفى الشيبي أستاذ كرسي الفلسفة الاسلامية ومؤسس الدراسات الصوفية في العراق؛ الإنسان العالم بحضوره العلمي الفريد لم يكن عابراً في حياة الثقافة العراقية، ولا في تاريخها الاكاديمي. ومع ذلك فإن رحيله تحت حراب الإحتلال الامريكي ؛ مر كما اللمحة البارقة، من دون ان يستأثر بما هو حري به من اهتمام. فقد انطوى، كما انطوى سواه، في موكب «الموت العراقي اليومي» ومضت به بغداد الى مثواه الاخير مع عشرات الجنائز التي تمضي كل يوم، في العاصمة العراقية والكثير منها مجهول الهوية.

في مثل هذه الاجواء المدلهمة مضى أبو طريف الشيبي، إلى عالمه الابدي أحد اهم الباحثين في التصوف الاسلامي وعلوم الحكمة وقضاياها، وما جاورها من العلوم والآداب والفنون . وحاله حال الكثير من أبناء جيله من الباحثين والاساتذة الجامعيين، فحياته العلمية توزعت بين اهتمامين أساسيين. فمن جانب، كانت هناك الدراسات الفكرية والفلسفية التي كان حريصاً على ان يبحث ويكتب في ما لم يكتب فيه من قبل، فأتسمت معظم دراساته بالابداع في منهجها ومخرجاتها ، وفي الذروة منها كتابه «الصلة بين التصوّف والتشيّع». , أما اهتمامه الآخر فانصب على النفيس والفريد والطريف من المتون الاصيلة والبحوث المبتكرة والدراسات الجادة ، في الفنون والآداب واللغة والموسيقى والشعر والادب الشعبي ـ ومن هنا فإن منجزه العلمي يشكل بحقوله المعرفية والثقافية دائرة موسوعية متفردة في بابها وفي تنوع مضامينها ؛ تنفتح على ضرورب شتى من الثقافات والافكار.

اقرأ أيضاً: حلّ الكونغرس والأحزاب.. هل سمعت بإمبراطور الولايات المتحدة الأمريكية؟

من بينات شخصية الشيبي ؛ الصدق النفسي ، قوة الحضور ، العلم الوفير ، الحميمية الإنسانية ، حيوية الحركة ، الافق الوسيع ، رحابة الصدر، ؛ وهو منشغل جاد بالدرس شديد الحماس لمادته ، لا يتوقف للحظة واحدة لالتقاط أنفاسه، فكلامه متدفق متصل المعاني ، غني الدلات، ليس ثمة من نقطة يتوقف عندها أو فاصل ينقطع فيه الحديث : وهو أيضاً وبالحماسة نفسها؛ دائم الاهتمام بمصادر الدراسة ومراجع الموضوعات ، فقد كان متوقد الذهن سريع الخاطر في إجابته عن الاسئلة والاستيضاحات ، قادرا وعلى الفور إستظهار الشواهد والنصوص ، وذكر المصادر بالاسماء والطبعات وارقام الصفحات ؛ وقد كان من عادته في أول محاضرة وفي أول لقاء ، أن يدون على سعة اللوحة المصادر والمراجع قديمها وحديثها ، تختلط في حديثه المرسل اللغة الفصحى بالعامية المتداولة ، وهو لا يستعين فى دروسه بمرجع أو يتأيط كتابا ، رصيده عقل متقد وذاكرة منظمة .. في السنة الاولى من عام 1963 وطوال أربعة أسابيع كان على تلاميذه أن نتابع حديثه العجول لكننا أخفقنا في التقاط الكثير من كلماته المتدفقة ووجدنا صعوبة في محاولة تفكيك بعض العبارات المدغمة أثناء استطراداته ، إلا أننا بدأنا فى الأسبوع الرابع نكيف أسماعنا ، فى ملاحقة واستيعاب إيقاعاته السريعة.

باستثناء فئة قليلة فالفيلسوف والمتفلسف في بلادنا صوت ضائع في البرية، ينشغل طوال وقته بالسفر إلى ماوراء الحياة والزمن، تتنازعه مدرستان ، الاولى مدرسة : ميتافزيقا القدرية والبحث في براهين قدم واجب الوجود وحدوث العالم، والمدرسة الاستغرابية الغارقة في لجج قضايا مابعد الحداثة ومايعد التاريخ وماوراء الموت

يصفه زملاؤه وتلاميذه بـ(العالم الثبت)، و(المفكر المدقق) ، و(الباحث المجتهد) ، وهو لدى أهل العرفان فيلسوف من طراز خاص ، ويعد في نظر النقاد من أدق الذين كتبوا في التصوف وكأنه عاش تجربته الذوقية وعرف مواجيدها الروحية ، لذلك أنشأ كتبه وابحاثه من داخل التصوف وليس من خارجه، متمثلا مواجيده متنقلا على طريقته مابين الاحوال والمقامات ، وبهذه الذائقة الروحية والشغف بعالمها الشفيف ؛ أعاد جماليات الصور الخفية لاعلامه الكبار الحلاج ، السهروردي ، الجنيد البغدادي ، معروف الكرخي، إبراهيم بن أدهم، أبي بكر الشبلي ، ابن عربي ـ وغيرهم من اساطين التصوف.

فاق عدد مؤلفاته وابحاثه سني عمره ، وترجمت نصوصه إلى العديد من اللغات الشرقية والغربية، واهتمت بكتاباته مراكز البحوث المتخصصة والمؤسسات الاكاديمية داخل وخارج العراق والوطن العربي، واعدت العديد من الرسائل العلمية عن فكره وانجازاته في التصوف ومدارسه وطرقه وفي الفلسفة وعلومها وفي الشعر وفنونه، وفي الادب الشعبي وأغراضه ـ

القسم الاول : سيرته العلمية
أولا ـ النشأة الاولى

ولد كامل مصطفى محمد حسين الشيبي، في الكاظمية يوم 17 من نيسان 1927 وفي هذه المدينة أكمل تعليمه الابتدائي ودرس الثانوية في مدينة الاعظمية وتخرج عام 1945 ، وبإنقضاء مرحلة الدراسة الثانوية عام 1945 التحق تلميذا بدار المعلمين العالية ولم تكد تمضي فترة من دراسته ، حتى حاز على بعثة دراسية إلى مصر ، فالتحق في العام 1946 بدار العلوم في القاهرة وتحول منها إلى كلية الآداب بجامعة لاسكندرية، فدرس التصوف في الماجستير وأثره في التشيع 1958، ثم أكمل دراسة الدكتوراه في جامعة كمبردج 1961 بدراسة التشيع وأثره في التصوف، فقد كانت (الصلة بين التصوف والتشيع) لغزا لدى الباحثين حتى كشف الشيبي عن الصلة بينهما بمنهج تحليلي تاريخي في استقصاء علمي صبور لايعرف الكلل، فصار مرجعا على المستوى العربي والصعيد العالمي، واقترن اسمه باستاذه أبو العلا عفيفي، واستاذه وصديقه الدكتور علي سامي النشار في جامعة الاسكندرية ، ثم أخيرا بأستاذه البروفيسور آرثر جون آربري ، في كمبردج .
ينحدر الشيبي من أسرة توقر الثقافة وتنشغل بالعلم والادب ، تعود جذورها إلى الجزيرة العربية ، حيث جاءت من مكة برفقة جيش السلطان العثماني سليمان القانوني ، فاتح العراق عام 1535م.

والده مصطفى حسين كان مربيا ومدرسا وقد تتلمذ على يديه مجموعة من الطلبة النابهين ، أصبحوا من أعلام الفكر في العراق ومنهم الدكتور علي الوردي والباحث المحقق محمد حسين آل ياسين والدكتور حسين علي محفوظ ،
ذاق الدكتور الشيبي طعم اليتم منذ صغره فقد ارتحل والده عام 1931 وهو مايزل طفلا ابن أربع سنين ـ
مارس في صباه ولاول مرة حرية الاختيار الذاتي، يوم غير اسمه من احمد إلى كامل ؛ لذلك عشق الحرية ، كان يحاول أن يكون له رأيه المستقل في مسيرة حياته وفي تحمل مسؤولية قراراته ؛ لذلك لم يقدم على أي خطوة تتعلق بحاضره ومستقبله مالم تسبقها خطة مدروسة ، يشير فيها إلى إتجاهين الممكن القائم والطارئ المفاجئ وبقي وعيه الإرادي قادرا على الاختيار مستعدا لاحتواء المفاجئ ـ وهكذا مضى الشيبي في بناء خبرته الذاتية وتجاربه الحياتية، معتمدا على قدراته الشخصية ـ

ثانيا ـ تجربة جامعة الاسكندرية

المرحلة الاولى : قسم اللغة العربية (1946 ـــــ 1950) وكان التلميذ العراقي ، قد لفت انظار اساتذته في جده واجتهاده، وفي ماتوفر له من ملكة لغوية وادبية ، وقد كان الدكتور طه الحاجري محقق كتاب (البخلاء) الاقرب إلى قلبه ، فقد كان له معلما وأبا روحيا وبقي على تواصل معه حتى رحيله ـ
ويستذكر الشيبي لحظة أختياره دراسة الفلسفة في مرحلة الليسانس فيقول: ( .. حتى الأربعينات من القرن الماضي ، لم نكن في بلادنا نعلم شيئًا عن الفلسفة أو معناها أو فروعها أو أهدافها. فلما نلتُ بعثةً في اللغة العربية إلى مصر والتحقت بكلِّية الآداب في الإسكندرية، وجدت أن الدراسة في السنة الأولى منها كانت تنبعث من اختيار الطالب للمواد التي يحب دراستها؛ وفوجئت بوجود مادتَي الفلسفة والاجتماع ضمن المواد الثلاث والعشرين التي يختار منها الطالبُ لدراسته. وجعلت أتساءل وأستشير، فنُصِحَ لي أن أجرب دراسة هاتين المادتين ضمن المواد المطلوبة) .

وكان من حسن حظِّه كما يقول: أن الأساتذة الذين تلقى العلم عليهم كانوا من فطاحل العلماء في عصرهم ، كالأستاذ الكبير الاب يوسف كرم، الدكتور توفيق الطويل، الدكتور ثابت الفندي، عبد الحميد صبرة ، أحمد أبو زيد ، الدكتور سيد أحمد البدوي. فكان يشعر بأنه محظوظ وهو يتلقِّى العلم على رعيل الرواد ، فقرر أن يستمر في متابعة مادتي الفلسفة والإجتماع . وكان هذا أول عهده بالفلسفة – وقد لازمتُه محبة الحكمة وعلومها طوال سني عمره .
يقول الشيبي بأنه ؛ شغف حبا بالتجربة الروحيّة لأستاذه عفيفي وهو يلقي محاضراته ، مؤيّدًا لها مُعجبًا بها وناطقًا باسم الصوفية شارحًا لمواقفهم في دقّة وعنايةٍ حتّى لتكاد تحسّ من فرط إخلاصه في العرض بأنّه واحدٌ منهم عاشقٌ لمواجدهم، متلهّفٌ على آثارهم، لما تنطوي جوانب نفسه على قبسات أو نفحات من فيض أنوارهم. ،
وكان الشيبي يشعر بأنه مدين لكل من تعلم منه أو درس عليه ، فكان دائم الذكر لاساتذته ومعلميه؛ (محمد ثابت الفندي ، علي سامي النشار، ابو العلا عفيفي ، يوسف كرم ..) ؛ أصحاب الفضلُ الأكبر في إحياء العهد الزاهر لمدرسة الإسكندريّة الفلسفيّة .

أما عن اهتمامه بالفلسفة الإسلامية فقد بدأ هذا الميل بعد دراسته لها في السنة الثانية ، في مرحلة ليسانس اللغة العربية ، وهو يصغي إلى محاضرات الدكتور علي سامي النشار، الذي سيصبح فيما بعد صديقه الحميم. وكان قد تلقى منه علم الكلام بوصفه الأساس الراسخ في الفلسفة الإسلامية ، والركيزة المنطقية للأسُس العقلية في الفكر الإسلامي. وكان مبعثَ دهشة وشوق ولوجه العميق إلى ماهية الدين الإسلامي، كظاهرة عقلية ومنطقية نتج عنها ظهورُ الفِرَق الكلامية المشهورة، ومن أعظمها الاعتزال.
المرحلة الثانية : دراسة الماجستير (1953 ـــ 1958) ـ وحملت رسالته عنوان (الصلة بين التصوف والتشيع ) وقد استغرق إعداد الرسالة خمس سنوات؛ بإشراف الاستاذ الدكتور أبو العلا عفيفي وكانت لجنة المناقشة ؛ تضم إلى جوار المشرف أبو العلا عفيفي الأستاذ محمود الخضيري والأستاذ الدكتور عليّ سامي النشار ، فنال الشيبي درجة الماجستير في الآداب بدرجة جيّد جدّاً، في قسم الدراسات الفلسفية والاجتماعية بكلّية الآداب بجامعة الإسكندرية . في آب / أغسطس سنة ١٩٥٨ .

وبقي قلب الشيبي عالقا بجامعة الاسكندرية حتى أيامه الاخيرة ، وهو يحمل أجمل الذكريات لها ولدراسته فيها ولاساتذتها ، وقد اودع كتبه سطورا طويلة من الثناء لمعلميه الاوائل، وخصص في كتابه شرح ديوان الحلاج صفحة كاملة وهو يستعيد بمحبة وإكبار سنوات دراسته في قسم الدراسات الفلسفية والاجتماعية ـ
المرحلة الثالثة (1967 ـــ 1968) امضى الشيبي عاما دراسيا بصفة أستاذ زائر في قسم الفلسفة بأداب الاسكندرية، وكان الدكتور علي سامي النشار رئيس القسم آنذاك ـ وقد القى الشيبي خلال تلك الفترة سلسلة من المحاضرات المفتوحة ، وفق رؤية أقرب ماتكون إلى التجربة الذاتية، قدم فيها عرضا شبيها بالبانورما تناول فيه من الالف إلى الياء، التصوف الاسلامي، مفسرا وشارحا اللغة الرمزية لتجارب الحلاج والسهروردي القتيل والشيخ الاكبر ، كانت محاضراته في مجملها مادة حيوية لاثارة الاسئلة وعقد الحوارات العلمية بين اساتذة قسم الفلسفة وطلبة الدراسات العليا ـ

وقد كرس محاضرة مستقلة للحديث عن معلميه في جامعة الاسكندرية فتحدث عن أعلام الفلسفة في خمسينيات القرن الماضي ، شرح فيها ماتعلمه على أيديهم من أساليب البحث وطرق التدريس؛ وأشاد خلالها بالروح العلمية لفلاسفة الاسكندرية، الذين درس عليهم في مرحلة الاعداد لدرجة الماجستير، فعرض لاستاذية محمد ثابت الفندي وتبحره في المنطق بكل أنواعه من الصوري والرياضي ،والإستقراء العلمي، وبين المكانة الرفيعة لاستاذه الاب يوسف كرم الذي عد في وجدان الفتى العراقي مثالا إنسانيا في علمه وسيرته ووداعته ، تعلم منه مفاهيم العقل، والعقلانية والمذهب العقلي ، وقد أعانته ثلاثيته ( تاريخ الفلسفة اليونانية ، الوسيطة ، الحديثة)، على شق طريقه الذي اختاره أو تحوله من (اللغة العربية وآدابها) إلى (الحكمة وعلومها).

وتعلم من الدكتور علي سامي النشار (1917-1980) معنى التأسيس الفلسفي الخلاق، وفرادة الافكار، وكان كتاب مناهج البحث عند مفكري الاسلام؛ في رأي الشيبي كشفا علميا أعاد الإعتبار لمنطق البحث في الفكر الاسلامي ؛ فقد دحض النص الجديد الفكرة القائلة بأن المسلمين يعدون المنطق الأرسطي قانون العقل الذي لا يُردُّ، والمنهج العلميَّ الثابت ، وقد تمكن النشار بعقله النقدي وبفكره الجوال من إثبات تهافت هذه الدعوى وبطلانها ، فالمفكرون المسلمون لم يقبَلوا المنطق الصوري ؛ ليس لأنه يقوم على المنهج القياسي فقط ، بل لانهم لم يكونوا بحاجة إليه قط ، فقد كان لمفكري الاسلام الريادة في وضع منطق يعبر عن واقعهم الحضاري، وهو المنهج الاستقرائي أو التجريبي بجميع عناصره، ولقد كانت إسبانيا هي المعبَر الذي انتقل خلاله العلم الإسلامي إلى أوربا؛ فالمسلمون إذًا هُم مصدر هذه الحضارة الأوربية القائمة على المنهج التجريبي.
وتعلم على النشار أيضا فن السؤال الفلسفي، وظل الاستاذ الاقرب إلى عقل ووجدان الشيبي بوصفه فيلسوفا مبدعا، كان في محاضراته يلجأ إلى اسئلة العصف الدماغي ، بحيث يجعل تلاميذه في حالة توتر ودهشة وذهول ، فينشغل كل واحد منهم بالبحث والتدبر والنقد الذاتي ، وكانت هذه الحالة حافزا لتلاميذه في الإستقصاء والاقامة بين المصادر والمراجع استقصاء وتنقيبا، بحثا عن الجواب الشافي ، لكن السؤال لدى النشار كان يستولد أسئلة لا نهاية لها ـ وهومن علم حوارييه أن الفلسفة الحقيقية هي المولدة للاسئلة ـ

ويستذكر كاتب السطور أثناء دراسته العليا في آداب الاسكندرية موقفا لاستاذنا الشيبي وكيف أنه أدهش الحاضرين بنباهته وسرعة بديهيته؛ عندما شارك في مناقشة رسالتي دكتوراه في الفلسفة عام 1968 فقد ابهر اساتذة قسم الفلسفة وطلبة الدراسات العليا، بقوة حضوره العلمي وباسلوبه الحجاجي وبذاكرته العجيبة ، وعنايته بالمفاهيم ، وبقدرته في استظهار مباحث الرسالتين، وتدقيق مضامين فصولهما من المقدمة الى نتائج البحث وانتهاء بقائمة المصادرـ
الرسالة الاولى ـ (النقد الفلسفي الإسلامي للفلسفة المشائية) ، للسيد محمد جلال أبو الفتوح شرف عام 1967 ، تحت اشراف الدكتور علي سامي النشار .
أما الرسالة الثانية ـ فكانت بعنوان: (الفكر الفلسفي عند إبن خلدون) ؛ للسيد عبدالرزاق أحمد المكي، بإشراف الدكتور علي سامي النشار أيضا ـ

وكان الراحل الدكتور أحمد محمود صبحي أستاذ الفلسفة في الاسكندرية ، من أشد المعجبين بفكر ومنهج الشيبي؛ وهو أول من أطلق على زميله العراقي لقب ( فيلسوف) كما ورد في كتابه (نظرية الإمامة لدى الشيعة الاثنى عشرية)، وعد كتابيْ الشيبي ؛ (الصلة بين التصوف والتشيع) ، و(الفكر الشيعي والنزعات الصوفية حتى مطلع القرن الثاني عشر) من بين أهم النصوص الفلسفية المعاصرة، التي تمنح الشيبي الريادة (الموضوعية) في اجراء الدراسات المقارنة بين علم الكلام والتصوف الاسلامي.

ثالثا ــــ تجربة جامعة كيمبردج ـ (1958 ــ 1961) ـ

واصل الشيبي دراسته العليا وأنجز خلال ثلاث سنوات اطروحة الدكتوراه ، بعنوان (الفكر الشيعي والحركات الصوفية حتى القرن الثاني عشر الهجري) بإشراف البروفيسور المستشرق (جون آرثر آربري 1905 ـ 1969) رئيس قسم الدراسات الشرقية في كيمبردج ـ
يقول الشيبي عن استاذه آربري ” (.. الحقيقة انني اعتز به كل الاعتزاز واحترمه كل الاحترام، واجله كل الاجلال اذ كتب لنا ثمانية وستين كتاباً تتجاوز عمره الذي عاشه في هذه الدنيا، ومن اهم اعماله ترجمته الدقيقة للقرآن الكريم واعتبارها النص الرسمي لمن يكتب في موضوعاتنا في اللغات غير العربية.. وما ينكر ان هذه الترجمة الدقيقة قد نالها كثير من النقد حتى منعت في باكستان منذ اواخر الخمسينيات واعرف عن العلامة أربري انه انسان موضوعي الى اقصى حد مع إلتزام واضح بديانته المسيحية واخلاصه لها وصدوره عنها، وما يذكر للعلامة آربري انه كان شاعراً بالانكليزية وكتب عن رباعيات الخيام وترجمها ايضاً وكتب عن ألوان في الشعر العربي القديم والحديث، التقليدي وغيره. ومن هنا يستحق منا كل تقدير مع الاعتبار الموضوعي للظروف التي احاطت به ).

رابعا ـــــ تجربة العمل في جامعة بغداد (1961 ـــ 1982)

يقف الشيبي في مقدمة الرعيل العراقي الاول الذي شارك في تنمية وتطوير الدراسات الفلسفية في العراق، إلى جوار زملائه الرواد : (صالح الشماع ، جعفر آل ياسين، حازم مشتاق، ياسين خليل، حسام الآلوسي مدني صالح، نجم الدين البزركان، عرفان عبدالحميد) ـ
تولى الشيبي التدريس بجامعة بغداد، قسم الفلسفة منذ عام 1961 حتى إحالته على التقاعد عام 1982. نال خلالها درجة الأستاذية عام 1972، ومنحته جامعة بغداد لاحقا لقب أستاذ (كرسي الفلسفة) عام 1986.
درس خلال فترة العشرين عاما التي أمضاها في جامعة بغداد، موضوعات كثيرة من بينها: ( الفكر القرآني، إتجاهات إسلامية ، علم الكلام، التصوف ، الفلسفة الإسلامية ، الاخلاق، علم الجمال ، تحقيق النصوص ، الفنون الشعرية) ـ
وشارك في عدة مؤتمرات فلسفية عراقية وعربية ودولية ، منها : مؤتمر الكندي في بغداد 1963، ومؤتمر الفارابي في بغداد 1975، ومؤتمر ابن رشد والحداثة في تونس، وغيرها كثير.
وأشرف على الرسائل العلمية في جامعات عراقية وعربية وناقش العديد منها، حتى بلغ مجموع ما اشرف عليه في جامعة بغداد لوحدها أكثر من عشر رسائل وناقش ما يزيد على 30 رسالة.

ومن بين أبرز اعماله العلمية:
ــــــــــ الصلة بين التصوف والتشيع” صدر في طبعته الاولى عن دار التضامن في بغداد سنة 1963 بجزأين الجزء الاول – العناصر الشيعية في التصوف ـ الجزء الثاني – النزعات الصوفية في التشيع في واعيد طبعه لاربع مرات كما ترجم النص إلى الإنكليزية والتركية والفارسية.
ـــ ديوان ابي بكر الشبلي جعفر بن يونس المشهور بدلف بن مجدر. ( دراسة وتحقيق) صدرت طبعته الأولى في بغداد سنة 1967
ـــ ديوان الدوبيت في الشعر العربي” صدرت طبعته الأولى في بيروت سنة 1972
ــــ ديوان الحلاج”، بغداد 1974 و1984
ـــ شرح ديوان الحلاج”، صدرت الطبعة الأولى لجزئه الأول في بغداد سنة 1974
ــــ الحلاج موضوعاً للآداب والفنون العربية والشرقية قديماً وحديثاً صدرت الطبعة الأولى للكتاب عن مطبعة المعارف بغداد سنة 1976م.
ــــ ديوان “الكان وكان” في الشعر الشعبي العربي صدرت الطبعة الأولى في بغداد سنة 1987
ـــ الحب العذري” صدرت للكتاب طبعتان في الاولى بيروت 1997 في حين وردت الطبعة الثانية بلا تاريخ
ــــ ديوان فن القوما” في الشعر الشعبي العربي القديم وصدرت طبعته الأولى في بغداد 2000
ــــ صفحات مكثفة من تاريخ التصوف الإسلامية وصدرت طبعته الأولى سنة 1997 عن دار المناهل للطباعة والنشر والتوزيع بيروت
ـــ البهلول بن عمرو الكوفي، رائد عقلاء المجانين”، ظهر الكتاب في طبعته الاولى عن المكتبة العصرية بغداد 2004
ـــ ديوان السهروردي المقتول” صدرت طبعته الاولى عن مطبعة الرفاه في بغداد سنة 2005
ـــ اصداء وملامح عربية وإسلامية في رواية دون كيخوته بغداد 2002

خامسا ـ جامعة هارفرد الامريكية :

برفقة البروفيسور العراقي محسن مهدى امضى مصطفى الشيبي عاما كاملا في جامعة هارفرد بصفة استاذ زميل ، قدم خلالها العديد من المحاضرات تناول فيها الفكر الصوفي ، وعرض لاهم اعلام التصوف، الحلاج والسهروردي والبسطامي وابن عربي ومعروف الكرخي وغيرهم ـ وقد كان لهذه الرحلة أهميتها في جامعة عريقة مثل هارفرد وفي فسم دراسات الشرق الاوسط في تعربف وبيان مركز مدرسة بغداد الصوفية ، بسط فيها الاستاذ العراقي الزائر، بدايات التصوف ومراحل تطوره المعرفية والتاريخية ، وخصائصه الروحية والابستمولوجية ، وإنشطاره إلى مدرستي بغداد وفارس، وتحليل ماهية الجهاز المفاهيمي المتعلق بالفاظ ومصطلحات التصوف والعرفان ـ
سادسا ـــــ الجامعات الليبية :

التحق في أوائل سبعينيات القرن العشرين أستاذا في جامعة ( الفاتح ) وبقي فيها عدة سنوات قبل أن يعود إلى بغداد . ونتيجة لظروف العراق الاقتصادية الصعبة خلال فترة الحصار الامريكي الشامل ، عقب أزمة الكويت عاد الشيبي إلى ليبيا مرة اخرى خلال التسعينيات من القرن الفائت، فعمل سنة واحدة بجامعة الفاتح بعدها تحول إلى قسم الفلسفة بجامعة السابع من ابريل في الزاوية ، وقد عهدت إليه الجامعة رئاسة قسم الفلسفة طيلة الفترة التي عمل فيها ، حاول خلال فترة رئاسته للقسم التنبيه على نواحي القصور في الدرس الفلسفي ، فكتب مقالا بعنوان: (سلبيات جامعية ينبغي أن تعالج ) ونشره في جريدة الجماهيرية ، طرابلس عدد 6/2/1993 ومع مالقيه هذا المقال من تقدير علني في الجريدة نفسها ، ومن تقدير شفوي بين الزملاء ، فقد كلفه خصومة رئيس الجامعة الذي لم يوافق على عودة الشيبي إلى كلية التربية في طرابلس بعد انتهاء عقده في جامعة آل البيت الاردنية ، بحجة انه (اجنبي) لايحق له الخوض في مسائل ينبغي أن تقتصر على المواطنين، هذا مع انه مؤسس قسم الفلسفة هناك ، ومع احتجاج الزملاء على هذا التصرف الذي لايستغرب في هذه الاصقاع العشائرية العاطفية . يقول صديقه الدكتور جعفر عبد المهدي ( كان قسم الفلسفة في جامعة السابع من ابريل من أرصن أقسام الفلسفة على مستوى الوطن العربي لوجود ثلاثة أساتذة أعلام أجلاء يعملون فيه : كامل مصطفى الشيبي وجعفر آل ياسين و كريم متي , وهؤلاء الأعلام الثلاثة كان يتوافد عليهم باستمرار طلاب الجامعات الليبية للاستشارة.

وفي ليبيا نشر الشيبي الابحاث التالية :
1 ــــ العناصر الاربعة في الاديان والفلسفة القديمة والقرآن ، مجلة كلية التربية ـــ جامعة الفاتح ـــ طرابلس ، العدد العشرون ، 1994 (ص 91 ـــــ 114)
2 ـــــ الحلاج في الادب المقارن ، مجلة كلية التربية ـــ جامعة الفاتح ـــ طرابلس العدد 21 ، 1996
2ـــــ بين التفسير والفلسفة ، 1993
3 ـــــ قاموس الدواهي في اللغة العربية (لغة وفلسفة)
4 ـــــــ العناصر المسيحية في التصوف الاسلامي
5ـــــ عبد الله بن سبأ ودوره في التاريخ الاسلامي
6ـــ المتعة : تاريخها القديم والاسلامي ـ
7ــــ المفوضة وأثرهم في العقائد الشيعية

وجاء في رسالة بعثها الشيبي في 14 /9 / 1996 إلى كاتب السطور من مدينة (الزاوية) في ليبيا يقول فيها ((.. مع هذا كله .. آمل أن أنشر أبحاثي الكثيرة في صورة تتجمع فيها الموضوعات المتشابهة ، وهذا يعني عدة منها قد تبلغ الثمانية او العشرة ، ولكن الجاهز منها اثنان ، سأشاور الناشرين في طبعها ؛ احدهما بعنوان (دراسات في الحضارة العربية الاسلامية( والآخر بعنوان (دراسات في فنون الشعر الشعبي القديم( .. أجد أني ـــ وسأبلغ السبعين في 16 /5/ 1997 ـــ متعجلا ومتلهفا على نشر ما استطيع نشره من محرراتي لئلا يداس بالاقدام أو يحرق بالتنانير أو يستعمل في الحمامات)) !!

لم يك ثمة من شيئ يستأثر باهتمام كامل الشيبي ، قدر عنايته بانشغالاته العلمية ، كان عقله الجوال مكتظا على الدوام بمشاريع جديدة ، وتراه قابعا في مكتبته المنزلية إما قارئا أو كاتبا ، وهو يواصل من حين لآخر، وضع خطط للبحوث المقبلة ، ويكون قد أنهى الخطوات الاولية بوضع هيكلية تفصيلية لكل بحث ، وهيأ المصادر اللازمة ، ولااظن انني ابالغ إذا قلت بأن استاذنا الشيبي ترك من المخطوطات المنجزة ضعف مانشره من كتب ودراسات . يذكر في رسالته إلى كاتب السطور أنه بصدد إنجاز النصوص التالية :
1ـــــ البقية من تاريخ الصوفية للسلمي ، إذ تنقصه المقدمة فقط ، وهو في الاصل كتاب ضائع فيه ترجمة نحو خمسمئة صوفي ، التقطت منهم تراجم نحو مئة وثمانين ، وهو منسوخ بالآلة الكاتبة ، ومودع عند أخي في عمان ـ
2 ـــــ إتمام تتمة صوان الحكمة لمجهول ، وعندي نسخة ويحتاج إلى استكمال للتعريف بأعلامه فقط .
3 ـــــ تفسير الحلاج ؛ وهو مجموع ملتقطات من آراء الحلاج التفسيرية (آية آية) وقد التقطته من حقائق التفسير للسلمي وغيره ، ويصلح أن يكون مادة لفكر جديد في نظرة الصوفية إلى القرآن الكريم .

القسم الثاني : الفلسفة
أولا ـ الدرس الفلسفي في العراق

لا احد من المهتمين بالشأن الفلسفي في العراق ، بادر وتابع قضية الفلسفة وعني بها بالكيف والقدر الذي أقدم عليه أستاذنا الشيبي ، فقد كتب ونشر عن هموم الدرس الفلسفي في العراق اكثر من بحث والعديد من المقالات في الصحف والدوريات العراقية، تناول فيها نواحي القصور والاهمال لهذه المادة الاساسية، وانحى باللائمة على أصحاب النظرة البيروقراطية ، ورد حجة القائلين منهم بأن هذا الضرب من الدراسات النظرية يعد ترفا فكريا لافائدة منه، وناقش شبهات المحافظين الذين لايرون في تعلم المنطق وعلوم الحكمة خيرا لا لدارسها ولا للمجتمع ـ وبعد أن قضى بتهافت هذه الذرائع والاضاليل ، أعد مذكرة تفصيلية تناول فيها جوانب القضية كافة ؛ بدء من هموم القسم في جامعة بغداد ، ومرورا بمعاناة خريجيه الذين اوصدت دون تعيينهم الابواب منذ دورة التخرج الاولى عام 1953 و لرفع مستوى الفلسفة في العراق وإعادة الإعتبار للمركز الاكاديمي الذي تستحقه، يتعين معالجة الاسباب التي تجعل من هذا التخصص (العلمي) بائرا ومنبوذا لاسيما من جهة المؤسسات الرسمية ـ

كان الدكتور كامل الشيبي أول صوت أكاديمي عراقي يتبنى قضية الدفاع عن الفلسفة وعن ضرورة تطوير واقعها في بلاد تعتبر هي الاعرق حضاريا في علوم الحكمة ، فقاد بقلمه حملة تنويرية هي الاولى من نوعها ، بدأها في خريف عام 1963 واستمر في متابعتها على مدى سني خدمته الجامعية ، فقد نبه من خلال حملته التنويرية ؛ المؤسسات المعنية الاكاديمية والتربوية إلى ضرورة توقير منزلة هذا العلم والعناية به وضرورة جعل الفلسفة تخرج إلى من حجراتها المغلقة إلى الفضاءات التربوية وإلى كل العقول المتطلعة إلى المعرفة الجادة ، ويتعين على مسؤولي العملية التربوية في العراق كما يقول : ادراجها كمادة اساسية في مناهج التعليم الثانوي، وألْحق الشيبي ذلك كله بنشر رسالة مفتوحة إلى وزير التربية ، ومثلها الى رئيس جامعة بغداد، وثالثة إلى الرأي العام .
وبادر عبر سلسلة من كتاباته بعنوان (الدرس الفلسفي في العراق) إلى لفت النظر وإثارة إهتمام اصحاب القرار، وقد أورد العلل والاسباب التي تؤيد أهمية الفلسفة في حياتنا، بوصفها دعوة إلى إعمال الفكر والتدبر العاقل ، والحث على التفكير الخلاق ، ونشر الثقافة الرصينة، ودعم الابداع ـ

فالدعوة لنهضة شاملة في العلوم والفنون والآداب والارتقاء بمستوى متطلباتها في البلاد ؛ تلزم تنمية وتطوير الوعي الجمعي ، والفكر النقدي ، وأن من بين بديهيات النهضة الواعدة أن يأخذ التفكير العقلاني النقدي مكانته في حياة أجيالنا، لاننا بغير تنمية وتطوير هذا الوعي التعليلي والحجاجي ، لايمكننا معالجة أمراض المجتمع بل سيبقى مطوقا بالخرافات والاساطير والمعتقدات الزائفة ، وسنعجز عن مواجهة تحديات الجهل والامية وغيرها ـ وبغير ذلك لن نتقدم خطوة واحدة ، بل سنبقى مقيدين بلا حراك نراوح في المكان نفسه، والمجتمع الذي يتطلع إلى بناء حياة جديدة ، وتغيب عن برامجه التعليمية مادة حيوية كالفلسفة، يتعين عليه أن يعيد التفكير بخططه وأهدافه ، وسيكتشف أن هناك خللا بليغا في بنيته الثقافية والعلمية، فلابد له في هذه الحالة من مراجعة معايير النهضة، لان الفلسفة كما كانت في تاريخ الحضارات أم العلوم والفنون جميعا فإن الواقع يقرر المعنى نفسه بإنها علم العقل لتعيين البدايات الصحيحة ـ
إن عزلة الفلسفة وعزوف الطلاب عنها، وانعدام الرغبة في الالتحاق بقسم الفلسفة ، يعود إلى جملة من الاسباب، من بينها.

1 ـــــــ اعتبار الفلسفة في أدنى مستويات سلم القبول الجامعي ، وآخر الخيارات المتاحة للتلميذ ـ وهو أمر يلحق خسارة كبيرة بسمعة جامعة بغداد ، المعروفة برصانتها العلمية في العالم ـ
2 ـــــ البطالة ؛ بسبب حرمان خريجيها من فرصة الحصول على وظيفة في الدوائر الحكومية وعلى نحو خاص في التعليم الثانوي ،
3 ــــ الانطباعات (السسيودينية) الزائفة والافكار المسبقة بالصاق تهمة الهرطقة بنصوصها ومعلميها ـ التي ورثناها عن العصر الظلامي الذي جعل من الفلسفة معنى مرادفا للزندقة ـ
وبسبب هذه الدواعي وغيرها ولد لدى قطاع كبير في مجتمعنا ردود أفعال سلبية تجاه هذا الحقل العلمي من الثقافة ـ
ومنذ أكثر من نصف قرن كتب الشيبي وفي أول مقال له عن بؤس الفلسفة في العراق المعاصر ، وعن مأساة خريجيها الذين اوصدت بوجوههم الابواب ، لم ينس أن يضرب مثلا واقعيا بدورتنا (1963 ـ 1967) حيث لم يتجاوز عددنا في ذلك الوقت أكثر من (11) طالبا وطالبة، بينهم ثلاثة من الطلبة العرب ، أي كان محموع الطلبة العراقيين (8) ثمانية فقط، وكانت النتيجة أن أيا من خريجي الدورة حظي بفرصة الحصول على وظيفة في التعليم الثانوي ، إلا بعد محاولات شاقة ، ومعاناة مريرة ـ

وقد تمكنت حملة الشيبي ـــ ولو بعد حين ــــ من أن تحقق جزءا من مراميها العلمية ؛ بإستحداث أقسام للفلسفة في جامعات المستنصرية والموصل والبصرة والكوفة ، لكن الدرس الفلسفي لم يؤت أكله إلا بعد ثلاثين عاما ، عندما كلفت مديرية المناهج في وزارة التربية عام 1993 ، الدكتور حسام الالوسي والاستاذة فاتنة حمدي والدكتور على الجابري والدكتور قيس النوري ، بإعداد مادة الفلسفة والاجتماع في التعليم الثانوي وبعد إتمام الكتاب كلفت وزارة التربية كاتب السطور بمراجعة وتقييم الكتاب ـ
وقد فعل بيت الحكمة البغدادي عين الصواب ، عندما أصدر كتابا تذكاريا عن الدكتور الشيبي إحتفاء بذكرى رحيله الاولى وتقديرا وعرفانا من زملائه وتلاميذه لدور الراحل في إثراء الفكر الفلسفي في العراق ، وما بذله من جهود في التقدم العلمي . وقد تحدث نلاميذه العراقيون في بحوثهم عن اسهاماته الفكرية وريادته الصوفية في الفلسفة التصوف، وماعرف به من سياحات فكرية في تراثنا العربي وتجواله في ما غاب عن الكثيرين ، على وفق ما تبنى من منهج متميز في التدقيق والتحقيق ، وفي البحث والتوثيق ، وفي العرض والتفصيل ، فسجل ريادته في القضايا الصوفية والفكرية والفلسفية والادبية حتى غدت مؤلفاته ومصنفاته وبحوثه ودراساته منهل الباحثين وطلاب العلم .

ثانيا ـ طريقة الدرس

اتبع الشيبي في كتاباته وطريقته في الدرس مناهج متنوعة ، طبقا لطبيعة مادة الدراسة فقد استخدم المنهج التاريخي النقدي في تحقيق النصوص ،تبدى في موضوع عقد الصلة بين التصوف والتشيع ، واقترب من من قواعد ديكارت الاربع ، في حل اشكالية الايستمولوجيا الصوفية وفي تفكيك اللغة الاشارية التي حفل بها المعجم الصوفي ؛ وبإمكان القارئ أن يجري إختبارا تطبيقيا على إشكالية (اشتقاق كلمة صوفي) وسيجد بأن الشيبي في تعرضه لاصل اللفظة ؛ بدأ بالمشهورات أو الشك ؛ فلا ينبغي أن نقبل من الافكار الا مايبدو بديهيا ، واضحا ومتميزا في الذهن وأن نشك في كل الأحكام والأفكار غير البديهية. ومايلي هذه القاعدة من التحليل أو التفكيك إلى ابسط عناصرها حتى يسهل حل المسألة ككل ، ثم البدء بأبسط العناصر إلى أصعبها وبشكل مرتب لحل المسألة على أحسن وجه. ويختمها بالقاعدة الرابعة وهي وجوب القيام بمراجعات وإحصاءات شاملة للتأكد من أنه لم يغفل أي شيء.

واعتمد المنهج التجريبي الاختباري الذي يدعى أيضا بــــ«المنهج الاستردادي». واشتغل عليه بوصفه طريفة (بعدية) لاختبار أي موضوع (قبْلي) فاجرى الشيبي في ضوء هذا المنهج فحص ومراجعة ونقد النصوص وتدقيق مصادر الاسناد وسلامة الوثيقة ، والتأكد من مصداقية النقلة ، والكشف عن التصحيف والإنتحال، وقد طبق أستاذنا هذا المنهج العلمي في إعادة بناء الاصول للتصوف واتشيع وكذلك الطريقة الصفوية وامتدادها في العراق المعاصر واستخدم المنهج نفسه وفي تخريج الاقوال والاشعار ـ والتجريبية تعني في ما تعنيه أيضاً أن جميع أنواع المعرفة مستقاة من الخبرة . وهي تختلف عملياً عن الفلسفة العقلية التي تعتمد على المدركات القبلية غير المستمدة من الخبرة .

وثمة منهج آخر يشير اليه الدكتور حسن مجيد العبيدي، يطلق عليه (المنهج اللغوي التاريخي)، وطبيعة هذا المنهج يقوم على متابعة اللفظ أو المفهوم الفلسفي أو الصوفي أو الكلامي من خلال جذره اللغوي وكيف نشأ ونما في الحضارة الإنسانية وكيففية وصوله ، إلينا بهذه الصيغة التي استقر عليها حتى سلمنا بذلك تداولاً له واتفقنا على دلالته فيما بيننا، وقد طبق الشيبي هذا المنهج على مصطلح (وحدة الوجود Pantheism )، الذي اقترن بالفيلسوف الصوفي محي الدين بن عربي (ت.638هـ/ 1240م)، فكان الشيبي لا يقبل بهذا القول دون تمحيص ونقد، فتابع اللفظ عبر دلالته اللغوية والاصطلاحية وكيف نشأ في الحضارات الإنسانية الكبرى حتى وصل إلى ما وصل إليه عند ابن عربي ثم كيف تطور من بعده إلى يومنا هذا، فقام بدراسة معمقة له منذ البابليين والسومريين والمصريين القدامى مروراً بالهنود والفرس فاليونان بحث عنه في نصوص الديانات السماوية الكبرى، ليقول في آخر الفصل أن هذا المفهوم يجب أن يدرس هكذا مع نصوصه وبالإمكان تطبيق هذا المنهج على أي مفهوم فلسفي أم فكري. والثابت لدى غالبية تلامذة الشيبي عبر الدورات الفلسفية المتعاقية ومن تجربة كاتب السطور في مرحلة البكالوريوس، هو أن أستاذنا الشيبي كان قد أحدث متغيرا فاصلا في آلية (الدرس) بنقله من الاساليب التلقينية الجافة ، إلى المستوى الإشكالي ، القائم على ثلاثية النقد والسؤال والتعليل ، وقد منح الطالب فرصة التدرب على التفلسف وعلى فن صياغة السؤال الفلسفي ، إذ كان يحث تلاميذه على التفاعل مع القضية المثارة ، للمشاركة الايجابية وابداء الرأي بكل حرية، ثقة منه أن التلميذ لابد أن يكون طرفا مشاركا في صنع المعرفة ؛ وان يكون يكون له حضورا فاعلا ، وقد عود كامل الشيبي تلامذته على عدد من التقاليد المنهجية والفكرية ، واولها السؤال ، والتفلسف ، وحرية الرأي واسلوب الحجاج ـ عبر سباسة الفضاء المفتوح ، والمناقشات الحرة ، متجاوزا بذلك الطريقة المدرسية والتعليم التقليدي، في عرض الافكار وتحليل المفاهيم ، المستندة إلى النصوص ، تليها مرحلة اثارة الاسئلة حول الإشكالية المتولدة عن النص، والحوار المتبادل بين الشيبي وتلاميذه في عملية تفكيك القضية إلى أجزائها الاولية ، للوقوف على ماهية القضية والكشف عن العلل والاسباب ـ

ثالثا ـ البحث الفلسفي

حظى البحث لدى الإستاذ الشيبي بالاولوية ، بدء من اختيار العنوان الى جمع وتنظيم المادة وانتهاء بالنتائج كل هذه الخطوات التفصيلية كانت تمثل دورة تدريبية متكاملة وقد أولى البحث العلمي أهمية إستثنائية لإعداد وتدريب الطلبة على إختيار منهج البحث المناسب، وفقا لطبيعة الموضوع ، وطريقة إستخدام المصادر وكيفية التعامل مع النصوص ووضعها ضمن الإطار الصحيح في عملية فهم النص الفلسفي وتمثل إشكالياته ،إضافة إلى ذلك تقويمه شكلاً بتبيان مدى تماسكه وعدم التناقض فيه وتحديد مكانته بالنسبة لنصوص أخرى كتبت حول الموضوع المدروس نفسه ، فيصبح الطالب مؤهلا مع كتابة هذا البحث من إتخاذ الموقف من النص وبالتالي من الإشكالية الفلسفية المطروحة.
قإذا كان من حق الطالب أن يختار عنوان البحث وفق موضوعات المادة الدراسية ، فإن من حقه أيضا أن يكون له رأيا مستقلا أو مختلفا ، عتدئذ عليه أن يحسن التعليل السببي، بعبارة اخرى، مطلوب منه أن يكون على دراية بالضرورة الجدلية ، بمقتضى العلاقة التبادلية بين الحرية والمسؤولية ، فالفعل الارادي الذي يمنح الطالب حق إبداء الرأي أو الاجتهاد الذاتي ، يترتب على هذه الحرية مسؤولية الدفاع العلمي عن بحثه بإيراد الحجة الواجبة والبرهنة على صحة الرأي المخالف أو الموقف النقيض ، ويجري كل ذلك وفق معايير دقيقة لايتهاون الشيبي قط فيها، وعلى الطالب أيضا وهو يعرض بحثه أمام أستاذه وزملائه أن يتحدث عن بنية المباحث وطريفة إستخدامه للمصادر وعليه أيضا أن يعلل كيفية إستنباطه للنتائج التي إنتهى إليها ـ

يقف الشيبي في مقدمة الرعيل العراقي الاول الذي شارك في تنمية وتطوير الدراسات الفلسفية في العراق، إلى جوار زملائه الرواد : (صالح الشماع ، جعفر آل ياسين، حازم مشتاق، ياسين خليل، حسام الآلوسي مدني صالح، نجم الدين البزركان، عرفان عبدالحميد)

وبهذا المستوى الرفيع من الاسس العلمية أرسى الشيبي على محو متميز مقومات الدرس الفلسفي ؛ بتجاوزه الرتابة المملة والخروج به من حالة الجمود الساكن إلى فضاء الحركة ، لذلك كان درس الشيبي نقيض الطريقة التلقينية السائدة في جهازنا الاكاديمي، ـــــ باستئناءات محدودة ـــــ ، فقد اعتاد التلميذ على الوجبات التعليمية السريعة، فالمادة جاهزة وكأنها حقيقة مسلم بها، جرى إعداد نتائجها مسبقا، فتقدم باسلوب للقابل المنفعل ، وليس الفاعل .

رابعا، الفلسفة في الواقع العربي المعاصر

حاول كامل الشيبي إجراء قياس نسبي للوقوف على مديات الهوة الفاصلة بين التقدم العلمي والحضاري في الغرب ومايعانيه المجتمع العربي من تخلف علمي وفقر ثقافي وما يعيشه من ضروب الجهل والامية والفقر؛ فيشير أستاذنا إلى حال الفلسفة بألوانها النسقية ومدارسها، والتطور الذي طرأ على المناهج والافكار، عبر فضاء الحرية المشرع أمام الاجتهادات المستمرة وفقا لحركة التقدم التقني ، وفي هذا الصدد يشخص الشيبي إتجاهات الفلسفة الاورو أمريكية في عصر المعلوماتية ؛ ففي ضوء تدفق الكم الهائل من الافكار والإنساق ، نشهد اليوم أن الدراسات الفلسفية الغربية تتجه نحو الواقع الذي يعيشه الغرب، وتعبر عن تجلياته الجديدة التي استحدثتها التقنيات العلمية ؛ فتركِّز على الرياضيات والمنطق الرياضي . وكأن الغرب يعيد الإعتبار مرة أخرى لدور الفلسفة التحليلية ويستعيد اصوات مفكريها جورج أدور مور (1873 ـــ 1958) وبرتراند رسل (1872 ـــ 1970) ، في ثوب واقعية جديدة ، تسعى إلى إجراء تحليل فلسفي للغة وللتجربة الشائعة ، وإلى تحليل رياضي للمفاهيم الرياضية بقصد تحويلها على طريقة رسل إلى مفاهيم منطقية ـ وتحاول هذه المدرسة تحري الدقة لصالح الاخلاق بإعادة صياغة الاسئلة الفلسفية ، وهو ما بدأه مور من قبل في كتابه (مبادئ الاخلاق) ـ

وقد يتجه الغرب إلى الوجودية التي تعني حرية الإنسان المطلقة (وهو الداء الذي نشكو منه الآن). في اشارة من الشيبي إلى غياب الحرية أو إنعدامها في واقعنا العربي المعاصر ـ
وتتجه أيضًا إلى المثالية التي ترعاها الجامعات الألمانية، وإلى حقوق الإنسان التي ترعاها أوروبا الشمالية. وهذا كله يشكل تنويعًا كثيرًا وتوجهًا متنوعًا، قد يتوحد وقد يتفرق. ولا خير في ذلك إذا لم ينعكس من توجهات المجتمع نفسه ـ
ومن هنا فإن أهمية القلسفة لدى الشيبي تكمن في قدرتها على التعبير عن المجتمع نفسه، فمركزها الحياة ذاتها، تنشغل بالانسان، في وجوده القائم في عالم النقائض والاضداد ، ومن هنا فإن أول مهام الفلسفة في رأيه أن تنزل بجدلياتها إلى الواقع ، لتبدأ بالسؤال الانطولوجي الــ(ماذا) مما هو موجود وكائن ومتعين، طبقا لمبدأ السببية الإنسانية، الذي ينأى عن تبرير (الوجود) لصالح الميتافيزياء، وان تسعى للكشف عن الأشياء الأساسية في حياة الإنسان وفيما يحيط به في أرضِهِ وكوْنِهِ. أنها تتلخص في الجواب على السؤال: “لماذا؟” – أي ملاحظة المبادئ ومحاولة تعليلها. وقد قسَّمَ القدماءُ مباحثَها إلى الوجود وما وراء الوجود، والعلم وكيفية التعلم، والمنطق وفلسفة العلوم، وما إلى ذلك من موضوعات تبحث عن التواصل بين المعارف المختلفة.

ويضع الشيبي الحرية الفكرية شرطا للتفلسف ، وهو الشرط الشقي الغائب في المجتمع العربي لأن الفلسفة تتطلب تعمُّقا ومتابعة وممارسة مبالَغ فيها للحرية الفكرية؛ وهو أمر يتعذر وجوده في مجتمعنا العربي في عصرنا الراهن على الاقل . فيما يبقى الاهتمام بالفلسفة عند العرب منحصرًا للاسف في دراستها وتدريسها من كتاب إلى آخر، دون أن تدخل في أعماق الإنسان العربي ـ
فالقلسفة التي لاتخلق من قضايا الواقع ومن معاناة الانسان ومن داخل الحياة ؛ تبقى مثل هذه الفلسفة محض صورة مغتربة ، لاصلة لها بتاريخنا ومعاناتنا ، وما يؤكد ذلك ويعبر عنه على نحو جلي ، مثال المفكر الكبير عبد الرحمن بدوي الذي اشتهر بالوجودية، وغيره بالوضعية المنطقية، الخ ـ نقل هؤلاء إلى مجتمعنا صورة خارجية لاعلاقة لها بماهية واقعنا وكل تلك وغيرها لا تُغني ولا تسمن. والآفة الكبرى التي تمنع وجود فلسفة معبرة عن واقعنا هي شحُّ الحرية وضيق مجالها!

وإذا كانت حرية الفكر شرط التفلسف ، وبغيابها تنعدم الارادة الانسانية نفيا واثباتا ؛ ولن يكون بوسعها تحقيق فعل التفلسف أو تنجز ماتعتد به ، والامر الآخر الذي يفسد الفلسفة العربية وتاريخها ، وفق رأي أستاذنا الشيبي ، هو الايديولوجيا ، يقول ( قبل كلِّ شيء، أن نعترف بأن “الفلسفة العربية” مصطلح ناقص في التعبير عن حقيقتها، لأن الأساس فيها الإسلام والمسلمون. وإذا دخلت ــــ فكرة القومية ــــ فيها فإنها تنقلب رأسًا على عقب، لأنه عندئذٍ ينبغي أن يُنطلَق فيها من منطلق جديد يبتعد عن منابعها الأساسية. فلهذه الفكرة رجالُها المعاصرون – ولست منهم؛ كما أني لست من أصحاب المنطلق الديني البحت.

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين يدعو لتقبل الخلاف والإختلاف بين الأجيال

من خلال قراءتنا لايماءات الشيبي ، وشذرات حديثه الموحية ، تتبدى أمامنا البيانات التالية ؛
1 ـــــــ الطريق إلى تحقيق النهضة لم يزل غامضا ومديدا ، مابقي العرب ماكثين تحت وطأة قيود الــــ(تابو) الوثوقية من فتاوى التحريم وعقائد التكفير ـ
2 ـــــ انتفاء حرية الفكر وتسلط الايديولوجيات الشمولية والافكار الدوجماطيقية المغلقة مما يحول دون أي تطور للمجتمع أو إنجاز نهضة ثقافية وبالتالي فإن الحديث عن إزدهار فلسفي أمر غير ممكن .. .
3 ــــــ الهوة الحضارية القائمة : لايمكن اختزالها عن طريق ميكانيكا تقليد الغرب أو محاكاة أفكاره ، بل فقط حين توفر الشروط الموضوعية : الذات العارفة لماهيتها الانسانية ، القادرة على صنع المعرفة إبداعا وابتكارا، في مجتمع يحتم احترام وحرية الرأي ويصون حقوق الانسان ـ

4 ـــــ باستثناء فئة قليلة فالفيلسوف والمتفلسف في بلادنا صوت ضائع في البرية، ينشغل طوال وقته بالسفر إلى ماوراء الحياة والزمن، تتنازعه مدرستان ، الاولى مدرسة : ميتافزيقا القدرية والبحث في براهين قدم واجب الوجود وحدوث العالم، والمدرسة الاستغرابية الغارقة في لجج قضايا مابعد الحداثة ومايعد التاريخ وماوراء الموت ، هكذا حال غالبية المتفلسفين في البقاع العربية يتنقلون سياحيا مابين المذاهب الفلسفية القديمة والاورو أمريكية المعاصرة ، دون أن يمس أو يقترب من قضايا الواقع ، لذلك يبقى مقيما العقل العربي مقيما في دائرة الاغتراب الذاتي ، على عكس الروح الفضولية للفيلسوف الغربي الذي يقضي عمره في البحث وهو يحاول أن يتعمق في فهم القوانين الكبرى التي تحكم العالم، فيبحث عن منفذ جديد لتسهيل حياة الإنسان وتقوية الوشائج التي تقرِّب المجتمعات البشرية بعضها من بعضها الآخر، في إيجابية وحسب وحسن نية مطلقة.

السابق
«شارع شيكاغو».. مسلسل هربَ من رقابة النظام ووقعَ في فخ الجمهور!
التالي
عبير نعمة ترنّم للأمل في شوارع بيروت!