«شارع شيكاغو».. مسلسل هربَ من رقابة النظام ووقعَ في فخ الجمهور!

سلاف فواخرجي
حكاية من الواقع السوري تجري بين زمنين، أمامك غناء ورقص وتطرّف قادم في الأفق وجهاز مخابرات يراقب دون تدخل.. لينتهي المسلسل بجدل لا يقل عن بداية عرضه!

كيف يمكن لمسلسل سوري أن يمّر من تحت سقف النظام، هي الحيلة وحرفة صانعي الدراما في توصيل الأفكار عبر الرمز والخروج من مستوى القراءة المباشرة للنص إلى التحليل عبر مستويات متعددة تجنّب صناع المسلسل المساءلة الأمنية، وتضع الجمهور أمام خيار الفرجة حسب طريقته للمشاهدة.

حرفة البساطة

وهذه الحرفة وجدت مساقاً بارزاً لها في كتابات المؤلف السوري ممدوح حمادة والذي قدًم عبر الكوميديا السوداء التي يطرحها إسقاطات واضحة لآلية تفكير النظام السوري والأخطاء الكارثية المرتكبة بحق الشعب وما ستؤول إليه الأمور في المستقبل بناء على معطيات وأحداث الماضي، وعلى ذلك قرأ الجمهور السوري مسلسلات مثل “ضيعة ضايعة وضبو الشناتي والخربة” عبر عدة مستويات من الرمز، فالشخصيات أمام الكاميرا تبدو واقعية طبيعية ترصد نماذج من الشارع السوري، في حين ترمز كل شخصية من حيث موقعها إلى تيار في الدولة أو طبقة سياسية أو نموذج أمني، علاوةً على الأحداث المبطنة مثل الانقلاب الشعبي على النظام والأسلحة الكيماوية والتمرد المسلح.

إقرأ أيضاً: «شيكاغو».. شارع دمشقي يجمع الفن بالسياسة!

وما ميز قراءة حمادة للواقع السوري هي بساطة الطرح ظاهرياً المغلفة بروح كوميدية، وهي ما جعلت هذه الأعمال تدخل إلى بيوت السوريين بشكل كبير وتصنع حالة جماهيرية لم تنطفأ لسنوات حيث تنكب القنوات السورية على إعادة بث أعمال حمادة بشكل متواصل على مدى العام.

الأسئلة المفتوحة

وهذا ما اختلف في “شارع شيكاغو” من ناحية توجه العمل إلى الجمهور، فغابت الحبكة الدرامية وطغت الرؤية السينمائية بيد المخرج محمد عبدالعزيز الذي تسلّم مهمة التأليف وحول المشروع الدرامي إلى صيغة سينمائية مطولة امتدت لإحدى وثلاثين ساعة تلفزيونية بدلاً من ساعتين في صالات السينما.

تحوّل العمل من فيلم سينمائي إلى مسلسل تلفزيوني وحظي بتسويق كبير لم ينله عمل سوري منذ سنوات

ويحق لعزيز التجربة طالما ما زالت التجربة السينمائية السورية خاملة ولا صالات سينما يمكن لها أن تصنع الفرق في الشارع، لتأتي تجربة الاستثمار بنجوم الصف الأول مواتية لصناعة حالة ترقب لدى الجمهور المتعطش لدراما محلية، والعمل على تصدير المسلسل من بوابة التسويق التجاري الصحيح عبر بوستر احترافي وإنصاف لجهود الفنيين وتقديم متوازن للشخصيات في ظهور واختفاء أظهر ذكاء الصناعة فالكل بارز ولكن النجومية هي للعمل نفسه.

جدل إثر الآخر

لكنّ الجدل الذي أحدثه المسلسل منذ صدور بوستره الترويجي، أثار حفيظة جزء من الجمهور الذي وجد في نبذ التطرف بعرض الجرأة في أعلى مستوياتها وعبر عمل تلفزيوني هو أمر مرفوض، فسلم التحرر لا يجري القفز عليه مرة واحدة، ولا يعني أن سوريا الحقيقية المدينة التي ترفض التشدد تقدّم بشكل مبتذل، فالقبلة الترويجية التي ظهرت في بوستر العمل تكررت على مدار العمل أكثر من ستة مرات وبعدة ممثلين، في حين دافع المخرج عن ذلك بمقولة انتصار الحب على الموت.

رغم استثماره بنجوم كثر من الصف الأول، لكن المسلسل تعثر في صناعة حالة جماهيرية!

ليشكل العمل صدمة عند قسم كبير من الشارع الذي رفض الحكاية بقالبها الممل وكثرة الألغاز مع افتعال في الأداء لدى عدد من نجوم الصف الأول حتى، فكثرت الانتقادات حول مشاهد المعارك الكوميدية، ومشاهد الصدام المباشر بين شارع شيكاغو والمتشددين، والسباب والقبلات المتكررة وتقبيل الفنان مصطفى المصطفى لقدم النجمة أمل عرفة في أحد المشاهد.

إقرأ أيضاً: قُبلة خادشة للحياء.. بوستر مسلسل «شارع شيكاغو» يثير انقسام كبير!!

كل ذلك كان ليتجاوزه الجمهور لو أسرت الحكاية قلوبهم، لكنّ الضعف في تنفيذ العمل وإيقاف التصوير ثم استكماله تحت ضغط الوقت وبيع العمل لقناة مشفرة تلزم الشركة بتسليم الحلقات في وقت محدد، زاد من درجة الضغط وتحوير المشاهد وإعادة صياغتها مجدداً ما أخرج المسلسل في نصفه الثاني من سياقه الدافئ وحول الحكاية إلى قصة ثانية تائهة في إيجاد المخرج.

نهاية صادمة!

هنا كان الجمهور مراهناً لمن بقي منه مستمراً في المشاهدة حتى الحلقة الأخيرة يإيجاد نهاية مقنعة يمكنها ترميم النقص، إلا أن النهاية جاءت أقرب للسوريالية مليئة بالرموز التي لم يفهمها الكثيرون ولم يجدوا إجابات على كافة الأسئلة المطروحة منذ بداية العمل.

فبدت النهاية كأنها نهاية فيلم سينمائي وضع فيه المخرج كافة ما يريد إيصاله من العمل في آخر ربع ساعة، وكأنه يقول للجمهور عودوا لمشاهدة العمل من جديد بقراءة عميقة وبفهم لرمزية الطرح، فهل كان الجدل الذي دار حول المسلسل منذ بدايته محقاً؟!

السابق
سيغادر لبنان متوجها إلى أميركا.. ما صحة استقالة سلامة؟
التالي
العلامة كامل مصطفى الشيبي أستاذ كرسي الفلسفة الاسلامية مؤسس الدراسات الصوفية في أكاديمية بغداد الفلسفية