عاد العظمة وغابت «مراياه».. توقيت ظهور مريب وسقف رقابة مرتفع!

ياسر العظمة

لم يتبقَ من نجوم مسرحيات محمد الماغوط الناقدة الكثير من الفنانين الكبار على قيد الحياة، ناجي جبر ونهاد قلعي وياسين بقوش وعمر حجو رحلوا، أسامة الروماني منفي في الكويت منذ عقود ودريد لحام يتقن جيداً كيف يبقى في واجهة النظام الموالية حتى النخاع، في حين تبتعد الشقيقتان صباح وسامية الجزائري عن الفن الإشكالي.

وحده الفنان ياسر العظمة من حافظ على صوت مرتفع، محرراً نفسه من قيود شخصية واحدة كما فعل دريد لحام في أسر نفسه بشخصية “غوار الطوشة”، لينطلق العظمة في مشروعه الخاص منتصف الثمانينات وأسماه “مرايا” ويحافظ على انتعاشه قرابة 25 عاماً.

“مرايا” التي دخلت كل بيت سوري شهدت حضور كوميدي ساخر للعظمة في مختلف شخصيات المجتمع كنماذج تمثل كافة الفئات وفي أزمنة وظروف مختلفة مع مجموعة من الفنانين الذين شكلوا عماد المسلسل كالراحلين عصام عبه جي وحسن دكاك وهالة حسني والنجوم سلمى المصري ومها المصري وليلى سمور وسامية الجزائري والفنانين أحمد مللي وأحمد رافع وعارف الطويل ومحمد قنوع وآخرون.

المشروع ذاته تعرّض لمد وجزر في أسقف رقابية مختلفة، حيث بدأ طروحه باللوحات الاجتماعية عن الحياة الزوجية ثم توغل في الطبقات الاقتصادية وصراعها واتجه نحو نقد الفساد وتشاكل مع السلطة في لوحات مُنع بعضها واجتزأ الآخر، إلا أن علاقة ياسر بقيت مع سلطة الأسد ضبابية، فلم يتعرض للمساءلة ولم تدفعه المضايقات إن وجدت للسفر خارجاً وحين قرر ذلك لم يخرج بداعي الموقف السياسي المعارض مع انطلاق الثورة السورية عام 2011 بل اكتفى بالإقامة في الإمارات العربية المتحدة والابتعاد عن الإعلام والدراما.

غياب ياسر خلال سنوات الثورة جنبّه الانقسام الحاد حوله وأضاع عنه الإحساس بألم الشعب

وحين طالبه الجمهور بموقف منصف لحال الشعب السوري اليوم غاب العظمة في سنوات الصراع ولم يستجب للتعليقات المناشدة ظهوره، بل لجأ لإنجاز جزء من “مرايا” في الجزائر ذات المواقف القريبة من النظام السوري حتى لا يحدث إشكالاً حاداً مع السلطة في دمشق.

العودة عبر يوتيوب

المشهد اليوم تغيّر بعدما قرر ياسر العودة من بوابة اليوتيوب، طارحاً ثقله الجماهيري على الأرض ومكتسباً شعبية كبيرة من الأطراف كافة ولكن مع حالة جدلية لا تقل وطأة عن الغياب محركها توقيت العودة وسقف الرقابة الذي منح لنجم “مرايا” كي يعود الآن.

وكعلاقة الفنانين المؤثين جماهيرياً بالسلطة، نستذكر الدور الذي قدمه عادل إمام في دعم صورة نظام مبارك وتقديم المسرح السياسي كحالة تنفيس للشعب ما لبث أن تساقطت بالتقادم مع فهم عقلية سيطرة النظام الديكتاتوري على الوسط الفني ومشاهيره المؤثرين.

وفي حلقة ياسر الأولى من برنامج قصير يطّل من خلاله خلف مكتب يروي بصوته وطريقته الخاصة بالكلام موضوعاً عاماً كانت البداية ترحبيبة، لتأتي الحلقة الثانية مزلزلة في الشارع السوري بعدما اختار ياسر نظم قصيدة حملت عنوان “إذا رضيت دمشق” وهي تمتد لخمس دقائق وتحمل في طياتها مواضيع متعددة لا صلة بينها سوى حالة الإلقاء المميزة لدى ياسر والتي أكسبته حنين وشجن في نفوس السوريين.

علاقة المشاهير المؤثرين بالسلطة يشوبها الكثير من الضبابية التي كشفت النقاب عن الكثير من الأسماء التي خدعت الجماهير

انطلق ياسر بقصيدته من حالة تعطل الحياة بسبب فيروس كورونا ونمط العلاقات الاجتماعية الطارئة، ثم تحول لنقد الفساد في السلطة وصمّ أسياد الحكم آذانهم عن وجع المواطنين، ثم انتقل إلى ملعبه الحقيقي حين هاجم بطريقة لاذعة كتّاب الدراما الجدد ووصفهم بـ “القزم” وقلل من شأن نصوصهم وإسهاماتهم في الإنتاج الفني الدرامي، صاباً غضبه على حالة “الطبل والزمر” التي تسيطر على الوسط الفني السوري، قبل أن يختم القصيدة بمناجاة دمشق في مقطع حقق تفاعل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي.

ما خلف العودة

كلام ياسر عن الدراما برره بعض الناشطين بفشل ياسر في إنتاج سلسلة جديدة من مرايا في العامين الماضيين وعدم شجاعة شركات الإنتاج السورية على المغامرة بعودة العظمة سواء من ناحية الاجر المادي أو سقف الرقابة المنخفض في الطرح الدرامي داخل سوريا بعد تمكن النظام من تقوية أركانه ظاهرياً.

كل ذلك فتح النار على ياسر من عدة جهات، فهل يحضر العظمة بريئاً من توجيهات السلطة وهو الذي حافظ على شعرة معاوية قوية بينهما لعقود، وهل يجرؤ على مجابهتها علناً ويسمح الأسد له ذلك وهو يدرك مدى شعبية ياسر، أم يقامر ياسر برفع النبرة لإعادة تسليط الضوء عليه عبر منصات التواصل الاجتماعي لجعل اسمه “تريند” مجدداً ما يدفع شركات الإنتاج للتشجع وإنتاج جزء جديد من “مرايا” جزء محاصر بتعقيدات الوضع السوري وتعدد مستويات الصراع وغياب الهم الجمعي واختفاء الخطاب الموحد وصعوبة إضحاك الجمهور على واقعهم القاتم.

السابق
عون يتهم الطبقة السياسية بحماية الفساد ويبرئ عائلته!
التالي
بعد قرار المحكمة الدولية.. آل عياش: إدانة سليم عياش مظلومية صارخة له ولعائلته!