عون «يطعن» بالقانون و الدستور والمرجعية.. آلية تعيين الفئة الأولى نموذجاً!

ميشال عون
يدور النقاش السياسي في لبنان حول "صوابية" رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالطعن في أي قانون أقره المجلس النيابي، وآخره إبطال قانون تحديد آلية التعيين في الفئة الاولى، بإعتبار الطعن المقدم خطوة عرجاء تزيد من شلل العملية الإصلاحية المنشودة في الادارات العامة.

لا تنتهي مفاعيل رد القانون عند زيادة  الشرخ بين رئيس الجمهورية والمجلس النواب الذي أقر القانون، إنما تصل  كل رهانات الشعب اللبناني الذي خرج في 17 تشرين طلبا للإصلاح، وتدفعه للحسم بأن رئيس الجمهورية هو طرف سياسي أكثر منه مرجعية جامعة لكل اللبنانيين (كونه الاب الروحي والمؤسس للتيار الوطني الحر الذي صوت ضد القانون في مجلس النواب).

رئيس الجمهورية هو طرف سياسي أكثر منه مرجعية جامعة لكل اللبنانيين

مساهمة الطعن في الإجهاز على آخر أنفاس الاصلاح المنشود يمكن تلمسه ليس فقط من مواقف الكتل السياسية التي صوتت لصالح القانون، بل أيضا من خلال رصد وتفسير المختصين القانونين والدستوريين للإنتهاكات الهائلة بحق الدستور التي يمارسها السياسيون منذ قيام الجمهورية الثانية، والتي أوصلت الادارة العامة إلى ما هي عليه من ترهل ومحاصصة وفساد وتبعية، وهذا ما جعل العمل بمقتضيات الدستور “صوريا” و “غب الطلب” وليس فعليا على حد تعبير عضو المجلس الدستوري السابق الدكتور أنطوان مسرة ل “جنوبية” الذي يعتبر أن” الدستور اللبناني معلق منذ سنوات بالتحايل والمخادعة وهذا أخطر من خرق الدستور”، مذكرا أنه “خلال الانتداب الفرنسي للبنان تم تعليق الدستور فنشبت عندها ثورة، وإعتبر الطعن في قانون آلية التعيين للفئة الاولى أكبر فضيحة عالمية في ما يتعلق بالتنظيم الاداري في لبنان”.

الطعن يبرر للحكومة تعييناتها الاخيرة

من جهته يفسر أستاذ القانون الدستوري والاداري الدكتور المحامي رئيف خوري  مفاعيل هذا الطعن سياسيا و شعبيا بالقول: “الحق بالطعن بالقوانين الصادرة عن مجلس النواب معطى إما لعشرة نواب (كشرط شكلي)أو لرئيس الحكومة وحده أو لرئيس الجمهورية كصلاحية حصرية به، وفي ما يتعلق بالاحوال الشخصية يعود هذا الحق أيضا إلى رؤساء الطوائف المعترف بها في لبنان، للطعن أمام المجلس الدستوري في مهلة زمنية محددة مدتها 15 يوما من صدور القانون في الجريدة الرسمية”.

يذكر خوري أنه ” لا يتم تناول  الحق القانوني لرئيس الجمهورية  بالطعن من الناحية القانونية وإنما نأخذ على المراجعة المقدمة إلى المجلس الدستوري تناقضها أولا في السياسة، بحيث أن مجلس النواب لإقرار شفافية معينة بالتعيينات الادارية للفئة الاولى، وإستجابة مع مطالب الشعب الذي خرج في 17 تشرين و ما قبله (مطالبا بمنع المحاصصة في الادارة وفي تعيينات الفئة الاولى وبوقف الزبائنية في الادارة اللبنانية وفصلها عن الصراعات السياسية وتنزيهها عن المحسوبيات)”.

مراجعة الطعن المقدمة لا يعير أي إهتمام لهذا المطلب الشعبي الواسع،  وتتنصل من هذه الالية وتبرر للحكومة في تعييناتها الاخيرة

ويلفت إلى أن  “مراجعة الطعن المقدمة لا يعير أي إهتمام لهذا المطلب الشعبي الواسع،  وتتنصل من هذه الالية وتبرر للحكومة في تعييناتها الاخيرة سواء في تعيينات المجلس المركزي لمصرف لبنان او في لجنة الرقابة على المصارف، أو في مفوضية الحكومة لدى مصرف لبنان أو في التعيينات الادارية الاخيرة، لا سيما الهيئة الناظمة لمؤسسة كهرباء لبنان”، مشددا على أن “هذا “ما يجعلنا نستشف أن المراجعة تتم ليس تنفيذا لحق قانوني معترف به وسبق لرؤساء الجمهورية في لبنان منذ العام 1995 أن تقدموا بعدة مراجعات طعنا بقوانين، إنما المراجعة الحالية  ليست من باب تأكيد صلاحية الحكم بل من باب تأخير تنفيذ القانون لتمرير مصالح ذاتية لبعض القوى السياسية المحلية، وهنا لا بد من القول ان التعيينات الاخيرة أتت في هذا السياق رفضا للآلية التي أقرتها السلطة التشريعية”.

مس بروح الدستور 

ما يمكن إستنتاجه مما سبق أن الطعن يمس بروح الدستور اللبناني وبمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص أمام جميع اللبنانين في تولي الوظائف العامة بعيدا عن إنتماءاتهم السياسية والطائفية، وفي هذا الاطار يشرح مسرة أن “وضع مشروع قانون في مجلس النواب حول أصول التعيينات، هو من بديهيات التنظيم الاداري في لبنان، وإلا لماذا يوجد مجلس خدمة مدنية ومعهد وطني للإدارة في لبنان؟”، ويشير إلى أنه “عندما نطالب بإلغاء والطعن بهذا القانون فهذا يعني أننا نريد العودة إلى عصر ما قبل الدولة والى عهد القبائل والزعامات المحلية وفقدان المعايير الدنيا في ادارة الشأن العام، فكيف يمكن المطالبة بهكذا قانون في بلد يضم أكثر من40 جامعة  وإختصاصيين في كافة المجالات؟”، ويُذكر أنه “سبق أن ساهم في إعادة إنشاء مجلس إدارة المعهد الوطني، لكن تم تفشيل هذا المعهد وإعادته إلى التبعية مجلس الخدمة المدنية، كما تم أيضا ضرب قواعد العمل في مجلس الخدمة لسبب إستتباع بعض الزعامات “.

أمثلة على الترهل

يوافق خوري على أن الترهل ومحسوبية يصيب الادارة اللبنانية بشكل كبير نتيجة عدم تطبيق مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص التي ينص عليها الدستور اللبناني، ويعطي امثلة على ذلك بالقول:” لقد تم اللجوء مثلا إلى تقريب موعد جلسة مجلس الوزراء عن موعدها  الطبيعي ليوم واحدن لكي يمرر هذا التعيين “الاسمي” للمدير العام الجديد لوزارة الاقتصاد و هذا ما يسمى في الاجتهاد الاداري والدستوري في كل من فرنسا ولبنان nomination pour  ordre   أي إختيار الشروط التي تنطبق على شخص واحد لا غير”، مشيرا إلى أن “هذا ما جرى ماضيا أيضا مع تعيين القاضي في ديوان المحاسبة يوسف سعد الله الخوري لرئاسة مجلس شورى الدولة، فطعن به لاحقا لأن هذه الشروط لا تنطبق إلا شخص بعينه”.

الترهل ومحسوبية يصيب الادارة اللبنانية بشكل كبير نتيجة عدم تطبيق مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص التي ينص عليها الدستور اللبناني

يرى خوري أن “ما نشهده اليوم هو إستمرار للنهج القديم الذي أدى بالادارة إلى المحسوبية وإلى إنتماء أغلب عناصر الادارة إلى مرجعيات سياسية محددة، وشجع على الفساد وعلى القبول بالهدر العام”، ويعطي مثال على ذلك ” التعيينات التي جرت في الهيئة الناظمة لمؤسسة كهرباء لبنان، بحيث تم الطعن أمام المجلس الدستوري لعدم تطبيق القانون بالهيئة الناظمة والسماح تكرارا لوزير الطاقة بالاستمرار بالتأثير على قرار المؤسسة العامة لكهرباء لبنان”.

ويختم :”كل هذا يجري بالرغم  من أن مؤسسة كهرباء لبنان هي  مؤسسة عامة مستقلة ذات شخصية معنوية مستقلة ووزير الطاقة هو وزير الوصاية عليها، ولا يسعه الحلول محل الادارة او المدير العام للمؤسسة، ولا الهيئة الناظمة بحجة تأخير المراسيم التطبيقية المتعلقة بعملها”.

“إعلام الجمهورية”

وكان صدر عن مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية البيان الآتي: على اثر تقديم فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مراجعة الى المجلس الدستوري طلب فيها ابطال القانون النافذ حكمًا الرقم 7 تاريخ 3/7/2020 المتعلق بتحديد آلية التعيين في الفئة الأولى في الادارات العامة وفي المراكز العليا في المؤسسات العامة، صدرت تعليقات ومواقف اظهر بعضها تجاهلاً للحق الدستوري لرئيس الجمهورية، فيما ذهب البعض الآخر الى حد اطلاق توصيفات لا تستند الى الواقع. حسما للجدل وتفاديا لاي اجتهاد في غير موضعه، يهم مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية ان يؤكد على الآتي: أولا: ان رئيس الجمهورية بتقديمه طلب ابطال القانون النافذ حكما المذكور، مارس حقه الدستوري بموجب المادة 19 من الدستور لانه وجد في القانون مخالفة دستورية للمواد 54 و65 و66 وهو حق لا تنازل عنه مطلقاً لان رئيس الجمهورية اقسم اليمين على احترام دستور الامة اللبنانية وقوانينها، وهو لن يتردد في كل مرة تقع فيها مخالفة للدستور او للقوانين، في استعمال حقه وفاء لقسمه. وعلى جميع المعترضين ان يدركوا ويعتادوا ان رئيس الجمهورية ليس في وارد التغاضي عن أي مخالفة دستورية او قانونية بصرف النظر عن ماهيتها وأسباب وظروف ارتكابها.  

ثانيا: في ما يتعلق بالمراجعة الخاصة بالقانون النافذ حكما الرقم 7 تاريخ 3/7/2020، فانها باتت في عهدة المجلس الدستوري الذي سيقول كلمة الفصل فيها وعلى الجميع احترام المؤسسات الدستورية وقراراتها واحكامها وعدم اعتماد الانتقائية والاستنسابية في مقاربة دور هذه المؤسسات ومسؤولياتها في تطبيق القوانين. ان مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية إذ يورد الحقائق أعلاه، يؤكد ان لا التجريح ولا التشكيك ولا تزوير الوقائع وتفسيرها وفق المشتهى، يمكن ان يؤثر على مواقف رئيس الجمهورية وقراراته، خصوصا عندما تكون مستندة الى النصوص الدستورية التي ترعى صلاحياته. 

السابق
بعد «تنصّل» وزير الشؤون من الإعتداء على الحركة.. الأخير يُعلّق: ما حصل لا يمحي تآمرهم!
التالي
مشاهير سقطوا من سماء العظمة الى هاوية الفقر.. تعرّفوا عليهم!