اتهامات العمالة.. «نكتة» سمجة وقاتلة

السيد علي الأمين

في سوريا، وهن نفسية الأمة وعزيمتها. في مصر، الشيوعية أو “الأخوان المسلمين”. في بلدان عربية عديدة، “الإخوان” أيضاً. في بعض الأنظمة الشيوعية، تروتسكية وتحريفية. في الولايات المتحدة والغرب، إرهاب. وفي أخرى، الماسونية العالمية. تحتاج كل منظومة حكم بوليسي استبدادي فاسد، إلى تهمة جاهزة معلّبة للقضاء على معارضيها. لتحقيرهم، ذلّهم، أبلستهم، إقصائهم عن الحيّز العام والخاص. وطبعاً تتغيّر التهمة بحسب التغيّرات السياسية، بما يتناسب مع مصالح الحكم واستبداده. بما يتلاءم مع كل ذاك الخبث والإجرام، فيخرج التخوين الذي ليس إلا من ضمن معارك وجودية تخوضها هذه الأنظمة للاستمرار في إحكام قبضاتها الحديدية على شعوبها.

اقرأ أيضاً: «وكالة» من غير بوَّاب

العمالة في لبنان
في لبنان، يطفو اتّهام العمالة لإسرائيل على سطح الحكم البوليسي الذي يجدّد جلده اليوم. تطبيع، تواصل، وجهة نظر إسرائيلية، مفردات لتهمة سياسية واحدة: العمالة مع العدو. اتهامات سياسية، ماكينات إعلامية، ولا قضاء يحاسب. يكفي أن تخرج كلمة سرّ واحدة على مواقع التواصل الاجتماعي، لتنتشر التهمة وتتكرّس في نفوس المواطنين وذاكراتهم. اتهامات، تحوّل معارض المنظومة أو السائد إلى عدو للدولة. إلى عدو الداخل، يباح التنكيل به بدءاً بالشتم وصولاً إلى الاعتداء.

أداة قمعية
بغض النظر عن هوية هذا المعارض، عن مواقفه وآرائه وموقعه، يتحوّل إلى ضحية سهل ذبحها وتصفية دمها. إن انتهى السلّاخون منها اليوم، يدورون على غيرها غداً. حركة من الدوران المستمرّ جعلت من اتهامات العمالة لإسرائيل نكتة. لكنها نكتة ثقيلة، خطرة وقاتلة. الاتهامات بالعمالة باتت أشبه بخرقة، تمسح كل ما في هذه الأنظمة من أوساخ وسوء. خرقة منشورة على أسطح المباني، في نشرات الأخبار والصحف. جعلت هذه الاتهامات من فعل العمالة جرماً فارغاً. فالمعارضون يلاحقون بتهم العمالة، والعملاء يخرجون بوساطات أو تسويات. عملاء إسرائيل والتساهل معهم بعد تحرير 2000 يوضح ذلك. فايز كرم دليل على ذلك. وعامر الفاخوري مثال آخر. وللأخيرين جمهور يصفّق، يدافع، ويطلق اتهامات العمالة أيضاً. هزلت التهمة، وفرّغ الجرم من مضمونه. تحوّلت العمالة إلى أداة قمعية لا أكثر ولا أقلّ.

الخطيب والأمين
على ساحة اتهامات العمالة في لبنان، قضيّتان. ملف كيندا الخطيب، الذي أعاد اللبنانيين إلى ملف زياد عيتاني الملفّق. وملف السيّد علي الأمين الذي بدأ سحبه من التداول تدريجياً والتراجع عنه بحجة خطأ تحريري ناتج عن الخبر الصادر في الوكالة الوطنية للإعلام. قضية الخطيب في مسارها القضائي، أما قضية الأمين فتم التراجع عنها بعد ساعات بالإشارة إلى أنه “بعد اللغط الذي حصل أمس والترويج بأنه تم الادعاء على السيد علي الأمين بجرم التعامل مع العدو الإسرائيلي، أكدت معلومات قضائية أن المحامي العام الاستئنافي في جبل لبنان رائد أبو شقرا هو الذي ادّعى على الأمين بجرم إثارة النعرات الطائفية، ولم يتم الادعاء عليه بجرم التعامل مع العدو الإسرائيلي الذي ليس أصلا من صلاحيات أبو شقرا”. في حين أنّ الخبر الأساسي أفاد أنه “بناءً على الدعوى المقدمة من المحامي غسان المولى بوكالته عن نبيه عواضة، خليل ​نصرالله​، شوقي عواضة، حسين الديراني ادعت ​النيابة العامة​ الاستئنافية في ​جبل لبنان​، على السيد ​علي الأمين​ بجرائم الاجتماع مع مسؤولين إسرائيليين في ​البحرين​، ومهاجمة ​المقاومة​ وشهدائها بشكل دائم، والتحريض بين ​الطوائف​ وبث الدسائس والفتن، والمس بالقواعد الشرعية للمذهب الجعفري”.

كلمة مفتاح
“دسّ الدسائس والفتن”، تهمة يتمّ تعليبها في النظام اللبناني كما سائر دول الجوار. أما “المس بالقواعد الشرعية للمذهب الجعفري” فتهمة جديدة، غريبة. حلّها داخل الطائفة نفسها. و”مهاجمة المقاومة وشهدائها”، هي الكلمة المفتاح للقضية. ممنوع انتقاد حزب الله (بصفته مقاومة)، هذا هو المطلوب، لا أكثر ولا أقلّ. انتقاد الحزب، من خارج طائفته، أمر مرحّب به يؤدي مفعوله في المزيد من الالتحام بين ثنائيتها وجمهوريها. أما إذا جاء من داخل الطائفة فوقعه مختلف، دليل على تنوّع غير مرغوب به. صوت نشاز يجب إطفاءه.

هرطقات ومؤامرات
سارعت قيادات سياسية إلى الدفاع عن الأمين، فاعتبر رئيس الحكومة السابق زعيم تيار المستقبل سعد الحريري، أنّ الخبر المنشور “يشكل جريمة في حد ذاتها واعتداءً موصوفاً على كرامة اللبنانيين واحتقاراً لعقولهم ووطنيتهم”. وتابع مغرّداً “السيد علي الأمين علم من أعلام الوحدة الوطنية والإسلامية، والاعتداء على كرامته اعتداء علينا جميعاً مسلمين ومسيحيين. كفّوا عن هذه الهرطقات باسم القضاء والإخبارات الملفقة”. أما رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي فكتب على “تويتر “كفى مؤامرات وتشويه للتاريخ من قبل القوى الظلامية والإلغاء في اتهام السيد علي الأمين بالتعامل مع إسرائيل. كفى إلغاء لبنان التنوع والحرية. كفى تدمير حرية الرأي من قبل مجموعات الظلام والشمولية .كفى تدمير القضاء أو ما تبقى منه والمؤسسات في كل المجالات. كفى تدمير لبنان”. واستنكر رئيس القوات اللبنانية، سمير جعجع، الإجراء القضائي في حقّ السيد علي الأمين، طالباً من “مجلس القضاء الأعلى إحالة هذا الملف على التفتيش القضائي، لأنه لا يجوز التلاعب بالقضاء أكثر”. كما اعتبر النائب السابق باسم السبع أنّ “النيابة العامة​ الاستئنافية ضربت رقماً قياسياً في تجيير ​القضاء​ لأهداف سياسيّة، والادّعاء يشكّل لطخةً سوداء في سجلّ من وقّع عليه، وجنايةً أخلاقيّةً وقانونيّةً تستوجب عقوبة الطرد من السلك العدلي”.

بيان تضامني
وتحت عنوان “عبثاً تحاولون”، من المفترض أن يعلن عن بيان تضامني موقّع من مئات السياسيين والناشطين والصحافيين. وجاء في البيان ما حرفيّته: “يوم الثلثاء 23 حزيران 2020، أقدمت قاضيةٌ برتبة نائب عام استئنافي في بعبدا، معروفةُ الولاءِ السياسي، على الادعاءِ على المفتي السيد علي الأمين بتهمة “الاجتماع مع مسؤولين إسرائيليين” خلال أحد المؤتمرات ــ في عدادِ تُهَمٍ أخرى، مزعومةٍ، لم ينص عليها القانون اللبناني أصلاً!

من نافل القول أنَّ هذا الادعاءَ إنَّما يندرج في سياق ما شهدته الأشهر الماضية من سعيٍ حثيث، من طرف السلطة المُسْتَقْوِيَةِ بـ”حزب السِّلاح”، إلى مُصادرةِ الحياة السياسية، وإلى التَّضييقِ على الحريّات العامة، وفي الطليعةِ منها حرية التعبير، ومن سعي مُوازٍ إلى بَسْطِ النفوذِ الأمنيِّ على كلِّ مرافق الحياة الوطنيَّة وصولاً إلى حدِّ اقتراح حلولٍ أمنيَّةٍ للمآزِقِ السياسيَّة والاقتصاديَّة التي يتخبَّط فيها لبنانُ، والتي تُثْبِتُ إخفاقَ هذه السلطة، وفشلَ مشروعِ الحِزْب الذي تَسْتَقْوي ببأسِه على اللبنانيين واللبنانيات.
إنَّ الموقعين/الموقعات على هذا البيان يَرْبَؤُنَّ بالقضاء اللبناني أن تتحوَّل بعضُ نياباته العامة، وبعضُ أقواسه، إلى محاكمِ تفتيشٍ مُطيعَةٍ لشهوات السلطة السياسية، ويعتبرون أن مُمارساتِ محاكم التفتيش هذه سببٌ إضافيٌّ لأن ينتفض قضاةُ لبنانَ وقاضياتُه انتصاراً لكرامتهم ولاستقلال السلطة التي يُمَثِّلونَ ويَتَقَلَّدون.
إلى هذه الدعوة، يُكَرِّرُ الموقعون/الموقعات أدناه ــ إنْ لم يكن مِنَ التكرار بُدّ ــ أنَّ إمعانَ السلطة السياسية في غيِّها، مُتَوَسِّلَةً بـ”سرايا الشَّبّيحة” تارة، وبـ”الأمن العَضَلِيِّ” تارة أخرى، وبـ”القَنْص القضائي” عند الحاجة، تَسَتراً على إخفاقها، لن يزيدهم إلّا تمسكاً بحقوقهم المواطنية، ولن يزيدهم إلّا إلحاحاً في المطالبة بهذه الحقوق. بيروت، 24 حزيران 2020″.

السابق
«الكورونا» يتفشّى.. إصابات في بئر حسن وحارة حريك!
التالي
نائب عوني يسخر من لبنانيين يبيعون أغراضهم مقابل الطعام: أين أفواج الطناجر؟!