شامل روكز يتخبط بين لم الشمل وحل غير شامل!

أصابت مواقف النائب شامل روكز المتقلبة في الأيام الخمسة المنصرمة المراقبين باللهاث والدوار، فبعد تسريب تسجيل صوتيّ يشكر فيه لشخص آخر مجهول نصيحته (كان يطلب منه النزول إلى تظاهرة السبت) ويطلب منه التمهل “لأننا ننظم الأمور في شكل يجعل الثورة تتصاعد موجة إثر موجه لتصبح ثورة بكل معنى الكلمة وتستطيع إسقاط بلد”، معربًا عن اعتقاده بأن “شيئًا يجب أن يُكسر كي نستطيع البناء عليه”، ومكررًا الطلب إلى محدثه بالتمهل “حتى نستطيع حشد الناس في كل المناطق، حتى إذا لم يكن حشد السبت كبيرًا فإنه في المرات المقبلة سيكون كبيرًا جدًّا وأكبر مما تتصور”، خاتمًا الكلام بـ”ما تعتلوا همّ وخلص اتكلوا علينا”… ثم إلحاق روكز هذا التسجيلَ ببيان على الدرجه ذاتها من الحماس والقوة نشره موقع إلكتروني بارز يدعو اللبنانيين إلى “المرحلة الثانية من الثورة قريباً وتوحيد القوى للإطاحة بأعتى الطبقات الحاكمة في العالم وفرض حكومة ثورية جديدة ذات صلاحيات تشريعية استثنائية، والتحضير لانتخابات نيابية وفق قانون انتخاب جديد”، وهو موقَّع من 556 ناشطًا ومثقفًا على رأسهم شامل روكز ومن بينهم شخصيات عامة بارزة، مثل: جورج نادر، نصري الصايغ ، أمين قمّوريه، هشام حداد، لقمان سليم، حارث سليمان، طلال الجردي، عمر حرقوص، يوري مرقّدي… وغيرهم.

اقرأ أيضاً: قاطيشا لـ«جنوبية»: الحكومة تتذرع بالكورونا لقمع ثورة «البطون الفارغة»!

صدمة جمهور الثورة

صَدم روكز جمهور الثورة الذي كان أُخذ بالشعارات النارية وبات ينتظر التطبيق، بتصريحه في مقابلةٍ مع صحيفة شهيرة بعدم نيته المشاركة في تجمّع السبت أو دعوة أحد إليه، “لأنّ الامور في حاجة الى تنظيم واضح، وخوفًا من الفوضى والاشتباكات، كما أننا نعمل على أمور تنظيمية لم تصل إلى حدّها”، موضحًا أنه لم يتكلم “عن إسقاط البلد بل عن إسقاط نظام المحاصصة والزبائنية ونظام ما خلّونا نشتغل”، وأنّه لم يقصد بكلامه أبدًا رئيس الجمهورية. أما عن قوله “اتكلوا علينا” فقال النائب روكز إنه قصد به “تنظيم الأمور في حال لم تنجح تظاهرة السبت”، مضيفًا: “أنا مع الثورة وأؤيّدها، لكن تظاهرة السبت تطرح أولوية الانتخابات النيابية المبكرة، فيما أولويتنا نحن تعديل قانون الانتخابات الحالي الذي يوصل الى سيطرة رجال المال والاعمال إلى البرلمان”.

حدد روكز ملمحين لتحركه المزعوم الذي يدّعي قدرته على إسقاط “أعتى الطبقات الحاكمة في العالم”، وهي: “التعبير بطريقة صحيحة وحضارية”، و”تحاشي الصدامات مع الجيش والقوى الامنية وأي مجموعات أخرى”

وفي دلالة على تموضعه خارج بوتقة حاملي شعار “كلن يعني كلن”، وبالتالي خارج ثورة 17 تشرين التي قامت أساسًا على هذا الشعار، أكد روكز أنه ليس مع الثوار في مطالبتهم بإسقاط رئيس الجمهورية، الذي على رغم اختلافهما في السياسة –كما قال- لا يصل معه الى حدّ القطيعة، “لأنّ المسؤولية والمحاسبة تقع على الحكومة ومجلس النواب والمؤسسات المقصّرة في حق شعبها، ولأنّه لا تمكن محاسبة رئيس الجمهورية مع محدودية صلاحياته”.

التحرك المزعوم

وحدد روكز ملمحين لتحركه المزعوم الذي يدّعي قدرته على إسقاط “أعتى الطبقات الحاكمة في العالم”، وهي: “التعبير بطريقة صحيحة وحضارية”، و”تحاشي الصدامات مع الجيش والقوى الامنية وأي مجموعات أخرى”، وأن الثورة ستكون “مع العسكريين المتقاعدين ومجموعات في المناطق، بهدف خلق ارضية موحّدة وايصال صوتنا ووقعه وصداه”. أما ثالثة الأثافي التي كادت تصيب المراقبين بالحَوَل، فهي الانقلاب الحاد المتمثل بدعوة النائب روكز خلال لقاء في ساحل علما إلى المشاركة “بكثافة” في تظاهرات السبت (؟؟!!!) وهجومه على “العهد” (؟؟!!!) بقوله: “أيها الرفاق، هل هذا هو العهد الذي ناضلتم من أجله 30 عامًا وكنتم تحلمون به؟ هل تقبلون بأن نكون شاهد زور على الصفقات والفساد؟”، مضيفًا: “يتهموننا بالخيانة لأننا مع مطالب الثورة، ونقول لهم إننا على قَسَمنا والشعب سيقرر من الخائن ومن السارق ومن الفاسد”. وتابع: “يهددوننا بتسريب الفويسات، كالتسجيل الصوتي الأخير عن تغيير الحكم، وأقول لهم بكل جرأة نحن لا نكذب على الناس، نعم انا من قلت هذا الكلام، واليوم أقول أمام الجميع إننا، نحن وأنتم والشرفاء، سنسقط هذا النظام الفاسد”.

تساؤلات

وتلحّ علينا في هذا المقام أسئلة حبّذا لو يجيبنا عنها سعادة النائب روكز:

1- إذا كنتَ وصفتَ السلطة في لبنان بـ”أعتى الطبقات الحاكمة في العالم”، فهلّا تكرمت علينا بتفسير كيف ستزيحها بـ”طريقة حضارية”؟؟ أبالهتاف حتى تُبحَّ الحناجر أم برمي الورود على القوى الأمنية طمعًا في استمالة قلوبها للانضمام إلى الثورة، أم بتحيز فئة كبيرة من الجيش لك وانقلابها على الرئيس؟

2- وإذا كنتَ يا روكز ضد إسقاط رئيس الجمهورية، وضد البدء بانتخابات نيابية مبكرة، وضد قطع الطرقات، فكيف ستتمكن من “إيصال صوتك ووقعه وصداه” كما قلت؟؟ وهل أبقيت بـ”لاءاتك” هذه حتى شعرة معاوية مع مكونات الثورة الأخرى؟؟

3- وتحت أي فقه قانوني يندرج قولك الهمايوني إن المحاسبة تقع على الحكومة ومجلس النواب دون الرئاسة الأولى بسبب محدودية صلاحيات الرئيس؟ فإن أجبت بأنه الدستور نقُلْ لك إن المرجع الوحيد في هذا الصدد هو “المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء” (نصَّ الطائف على إنشائه فصدر به قانون في العام 1990 لكنه بقي حبرًا على ورق 29 سنة، بسبب عدم انتخاب 7 نواب وتعيين 8 قضاة لعضويته، وتحديدًا حتى يومي 2 آذار 2019 للتعيين و6 للانتخاب في البرلمان)، وهو لا يسعف رأيك يا سعادة النائب، إذ يساوي بين الرئاسات الثلاث في المحاكمة، التي لا نظن في كل الأحوال أنها ممكنة التحقق، بل مستحيلة، إذ يُشترط لها موافقة ثلثي أعضاء المجلس أولًا (10 أعضاء من 15) وثلثي أعضاء البرلمان ثانيًا (86 نائبًا من 128)، وبذلك يكون المجلس وُلد ميتًا في الحقيقة، فهو لم يمارس مهامه أبدًا، حتى حين حرك القضاء ملفات طائرات البوما ضد الرئيس أمين الجميل أحيلت القضية إلى النيابة العامة ودُفنت هناك. وعليه، ليس من المستطاع اليوم في لبنان محاكمة أي مسؤول والكشف عن فساده، إذ تصب قوانين المحاسبة الحالية كلها في مصلحته، وعلى ثورة 17 تشرين المجيدة التكفّل بهذا.

أما الوزير الوحيد في تاريخ لبنان الذي طاوله سيف المحاكمة بتهمة بيع الرواسب النفطية، شاهيه برصوميان، فقد كان كبش فداء على مذبح حقد الرئيس إميل لحود على العهد السابق، الرئيسين الهراوي والحريري، فكانت محاكمته مطلوبة بإلحاح ولو من غير “المجلس الأعلى”، الذي كان معطّلًا عن العمل لخلوّه من الأعضاء، فأوكلت المهمة إلى النيابة العامة المالية، فسجن 11 شهرًا، ثم بُرّئ بعد سنين طويلة، في الـ2005.

4- وإذا كنت لا تصل إلى حد القطيعة مع رئيس يعتبره أكثر من نصف اللبنانيين طرفًا بعد أن تخلى عن دور الحكم، ويتحالف مع حزب المقاولة والمماتعة (الناعت نفسه بالمقاومة والممانعة) الذي جلب الخراب والويلات والدمار الاقتصادي على لبنان وأسره ضمن المحور الإيراني، فكيف ستفضح إمبراطورية الفساد التي قام عليها وزراء “التيار الوطني الحر” في وزارة الطاقة التي كان لها النصيب الأكبر من المسؤولية عن عجز لبنان المالي بعد أن تبيّن للقاصي والداني أن رأس المعاصي والارتكابات في هذه الوزارة هو الطفل المعجزة المدلل والمحميّ من الرئيس والذي بات من المتواتر أنه هو من يسيِّر الرئيس وليس العكس؟

اقرأ أيضاً: فضيحة برلمانية تسلب القضاء رفع السرية المصرفية.. أنطوان سعد لـ«جنوبية»: الفاسد لا يحاسب نفسه!

5- وهلّا تفضلت يا سيادة النائب وتكرمت ببيان ما هو الشيء الذي يجب أن يُكسر كي نستطيع البناء عليه؟؟؟لقد أتعبت اللبنانيين منذ البداية يا روكز، فكيف ستبني الثقة معهم بعد أن طحنتهم الأحداث وما عادوا يثقون بالشعارات مهما تكن رنانة، وبالأفعال إذا لم تكن مستدامة، وكذا صادرة عن رجال شفافين كالبلور، صادقين كالشمس، فأقصر يا رعاك الله، فالناس باتت كالتنّور يكشف صدق الذهب من زيفه، فإذا لم تكن معهم على قلب رجل واحد فلن يشدوا عضدك، وسينبذونك، تيك نصيحة من شخص مشفق، اللهم قد بلغت.

السابق
التعيينات تُرحّل من أسبوع إلى آخر..والتصويت آخر الدواء!
التالي
البلد الصغير في عين العواصف الكبيرة!