أين لبنان بعد 20 عاماً من انسحاب إسرائيل؟

حزب الله

ليس مفهوما لماذا إصرار اللبنانيين بكلّ هذه القوّة على الضحك على انفسهم. ليست مفهومة في الوقت ذاته تلك الرغبة غير المبررة في الانتحار والقضاء على بلد كان في الماضي مزدهرا ومتطورا على كلّ الصعد. ترمز الى ذلك الجامعة الاميركية في بيروت التي صار عمرها 154 عاما بالتمام والكمال والتي تواجه حاليا ازمة مالية حقيقية.
تطرح هذه الملاحظات نفسها في مناسبة الذكرى العشرين للانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في الخامس والعشرين من ايّار – مايو 2000، تنفيذا للقرار الرقم 425 الصادر عن مجلس الامن التابع للأمم المتحدة في ربيع العام 1978. جاء صدور القرار نتيجة جهود بذلتها الإدارة الاميركية وقتذاك، بالتنسيق مع القاهرة، من اجل انقاذ عملية السلام بين مصر وإسرائيل، وهي عمليّة اطلقها الرئيس أنور السادات الذي ذهب الى القدس والقى خطابا في الكنيست في تشرين الثاني – نوفمبر 1977.

اقرأ أيضاً: حقيقة «تحرير» جنوب لبنان ليست رواية «حزب الله»

اين لبنان بعد عشرين عاما من الانسحاب الإسرائيلي الذي فتح آفاقا امام الانصراف الى متابعة مشروع الانماء والاعمار وتكريس القدرة على استعادة البلد لعافيته؟ لم يحصل شيء من ذلك. انسحبت إسرائيل في السنة 2000 لاسباب خاصة بها. يمكن الدخول في جدل طويل في شأن أسباب الانسحاب الإسرائيلي. كذلك، يمكن اعتبار انّ “حزب الله”، الذي كان يقاوم الاحتلال الإسرائيلي، حقّق انتصارا كبيرا. لماذا لم يستفد لبنان من الانسحاب ومن اعتراف مجلس الامن بان إسرائيل نفّذت القرار 425 وانسحبت الى ما يسمّي “الخط الأزرق”… ام كلّ ما في الامر ان “حزب الله” انتصر على لبنان وحوّله الى ورقة إيرانية؟

بدل ان يعود الانتصار الى لبنان، تحوّل الانسحاب الى انتصار لـ”حزب الله”، ومن خلفه النظام السوري وايران اللذين استطاعا ابقاء لبنان، خصوصا جنوبه، في اسر الوصاية المشتركة تمهيدا للوصول الى الوصاية الأحادية في نيسان – ابريل من العام 2005. وقتذاك، انسحب الجيش السوري واجهزته الامنية من الأراضي اللبنانية نتيجة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه. ترك هذا الانسحاب لايران ملء الفراغ الأمني في لبنان، وهذا ما سارع “حزب الله” الى عمله بصفة كونه احد الوية “الحرس الثوري” الايراني لا اكثر…

بعد عشرين عاما على الانسحاب الإسرائيلي، اين إسرائيل وأين لبنان؟ تستعد إسرائيل حاليا لتكريس احتلالها لجزء من الضفّة الغربية وللاغوار بعدما انتهت من ضمّ القدس التي انتقلت اليها السفارة الاميركية في عهد دونالد ترامب. لم تكن لدى إسرائيل اهداف محددة في جنوب لبنان وذلك في مرحلة ما بعد حرب صيف العام 1982. وجدت وقتذاك انّ ثمن بقائها فيه سيكلّفها مقتل عدد من جنودها سنويا، فضّلت الانسحاب. في المقابل، قررت التمسّك بالبقاء في الضفّة الغربية، بغض النظر عن عدد الجنود الذين ستفقدهم فيها، في ضوء امتلاكها هدفا واضحا محدّدا جدا وبدقّة هناك.
بدل ان يفهم لبنان ان عليه الاستفادة الى ابعد حدود من الانسحاب الإسرائيلي، اذا به يجد من يختلق قضيّة مزارع شبعا لتبرير بقاء سلاح “المقاومة”، وهو سلاح موجّه الى صدور اللبنانيين العزل خدمة لمشروع سوري – إيراني في البداية ما لبث ان تحوّل الى مشروع إيراني لا افق له سوى تدمير البلد على أبنائه وانهاء دوره المميز في المنطقة.
بعد عشرين عاما على الانسحاب الإسرائيلي، يمر لبنان في أسوأ مرحلة مرّ بها منذ استقلاله، بل منذ اعلان “لبنان الكبير” قبل قرن من الزمن في الاوّل من أيلول – سبتمبر من العام 1920. لا يوجد من يريد الاتعاظ وبلوغ استنتاج مفيد فحواه ان الانتصار على لبنان ليس بديلا من الانتصار على إسرائيل صاحبة الحسابات التي تصبّ في مكان آخر، اي في حرمان الفلسطينيين من حقوقهم وارضهم ولا شيء آخر غير ذلك.

كان الانسحاب الإسرائيلي احد المنعطفات المهمّة التي مرّ فيها لبنان في قرن من الزمن، لكنّه من اكثر المنعطفات خطورة نظرا الى انّه كشف مدى عدوانية المشروع التوسّعي الايراني الذي يستهدف لبنان مباشرة عبر الرغبة في تغيير طبيعة المجتمع الشيعي وصولا الى تغيير طبيعة البلد بكلّ طوائفه ومذاهبه ومناطقه. من اسوأ ما حصل في السنوات العشرين الماضية، إضافة الى ان “حزب الله” صار من يقرّ من هو رئيس الجمهورية المسيحي ورئيس مجلس الوزراء السنّي، انهيار النظام المصرفي اللبناني وبداية انهيار للنظام التعليمي. ان يقرّر “حزب الله” من هو رئيس الجمهورية ومن هو رئيس الوزراء، في خطورة توقيع اتفاق القاهرة في العام 1969.

يبقى ان الطامة الكبرى في لبنان غياب من يقول الأشياء كما هي، بما في ذلك ان لبنان لم يستطع الاستفادة من الانسحاب الإسرائيلي لاسباب اكثر من معروفة. في مقدّم هذه الأسباب ان لبنان لم يعد يمتلك في ايّامنا هذه قيادة سياسية قادرة على التحذير بالصوت الملآن، بلسان المسيحيين قبل المسلمين، من خطورة أي سلاح غير شرعي على بلدهم ومستقبله. كان المسيحيون في الماضي قدوة في هذا المجال. باتوا حاليا، باستثناءات قليلة جدّا، اسرى الوصول الى رئاسة الجمهورية بفضل “حزب الله” ولا احد غيره.

يحصد لبنان حاليا نتيجة رفع شعار من نوع “الشعب، الجيش، المقاومة”، وهو الشعار الذي قاد الى الكارثة الحالية… كارثة افقار لبنان واللبنانيين ودفع الشباب الى هجرة جماعية على غرار تلك حدثت في الأعوام 1988 و 1989 و 1990 عندما مكث ميشال للمرّة الاولى عون في القصر الجمهوري …

السابق
إتصالات لإحتواء تداعيات كلام أحمد قبلان..وبري مستاء منه!
التالي
النظام السوري يلغي حالة حظر التجول بعد أكثر يوم تسجيل للإصابات!