روسيا وكورونا… من العزل الصحي إلى العزل السياسي

كورونا رجال نساء

أضرت جائحة كورونا مباشرة بصورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعطلت مسلسل انتصاراته الخارجية والداخلية. إلى درجة أنها وضعت مستقبله السياسي ومبايعته قائدا لروسيا إلى الأبد على المحك.

فبين عدم الشفافية بمصارحة الروس حول حجم تفشي الوباء منذ بدايته من أجل تمرير الاستفتاء الذي كان مقررا في 22 أبريل الماضي، حول مجموعة تعديلات دستورية تضمن بقاء طويل الأمد لبوتين في السلطة، وبين تخليه عن دوره في قيادة مواجهة وطنية ضد كورونا وتركها للقادة المحليين، ولجوئه إلى التعامل “بلا مركزية” لتخفيف الأعباء على موقعه، دفع الروس إلى التساؤل الجدي عن قدرات رئيسهم القيادية، وعن مدى سيطرته مستقبلا على مفصل صنع القرار.

فالقيصر الجديد  الذي استعرض على مدى عقدين قدراته الدولية، ومارس خداعه الجيوسياسي، وعطل قرارات الأمم المتحدة في عدة شؤون دولية، لم يتردد في نقل المسؤولية إلى السلطات المحلية، باستثناء خروجه العلني الوحيد في أواخر شهر مارس مرتديا بدلة وقاية صفراء أثناء تفقده لمستشفى الفيروسات التاجية الرئيسي في موسكو، ومن ثم توارى عن الأنظار متخليا عن صورته القيادية القوية.

اقرأ أيضاً: الموجة الثانية لفيروس «كورونا» تضرب لبنان!

تزيد كورونا من عزلة القيصر، وهو يتجنب إلى الآن لقاء أقرب رجالاته

هذا ما دفع عالم السياسة ألكسندر كينيف إلى الاعتقاد أن بوتين فقد صورة “الرجولة” التي دعمت حكمه لفترة طويلة، وقال: “لم يعد يبدو قائدا قويا. لسنوات عديدة، كانت شخصيته الكاريزمية استعراضية، وهذا أكسبه الاحترام حتى من أولئك الذين لم يكونوا سعداء به لكنه يبدو الآن وكأنه ذئب قديم مريض”.

هذا الطعن في قدراته القيادية دفع إلى مقارنته بأقرانه الغربيين وكيفية تعاطيهم مع جائحة كورونا وكيف استغلوها من أجل تحسين صورتهم أمام ناخبيهم وفي رفع نسبة المؤيدين لهم. على سبيل المثال، شهدت معدلات تأييد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، ارتفاعاً بنسبة 17 نقطة إلى 51٪ بحلول أبريل، وفقاً لاستطلاع أجرته شركة Ipsos، مما عزز صورة حزبه المحافظ.

فموسكو اليوم عالقة ما بين عجز الرئيس وبين شيخوخة الدولة، وهي حالة أخطر من شيخوخة النظام، خصوصا أن النظام يرتبط عادة برأس الهرم، ولكن الدولة العاجزة عن تدوير زوايها، تصبح كيانا مهددا في استقراره العام، وهذا التهديد الذي فضحه الوباء، هو بالأساس نتيجة أوبئة سياسية تقع تحت ضغوط صحية واقتصادية تهدد استقرارها الاجتماعي، نتيجة عوامل عدة أهمها ضعف التنمية وتراجع الخدمات والعجز في الميزانية نتيجة صراعات خارجية أدت إلى فرض عقوبات مالية واقتصادية.

مما لا شك فيه أن تداعيات كورونا وما بعدها قد عززت فرضية حصول أزمة اقتصادية قاسية في روسيا قريبا، فقد أكد رئيس غرفة التدقيق الروسية يأليكسي كودرين أن البطالة يمكن أن تزيد إلى 10 في المئة، بينما يتوقع خبراء بنك ألفا أن الأجور الحقيقية قد تنخفض بنسبة تصل إلى 5 في المئة، ما دفع إلى حديث عن ضرورة تخفيف قيود العزل التي فرضتها الدولة من أجل تفادي هذه الأزمة خصوصا أن استطلاعا للرأي نشره مركز استطلاع VTsIOM التابع للدولة، أشار إلى أن 80 في المئة من المستطلعين يؤيدون قرار الرئيس بإعادة البلاد إلى العمل.

وأمام هذه الضغوط الاقتصادية اضطر الرئيس الروسي إلى الإعلان يوم الإثنين الفائت أنه “ابتداء من 12 مايو ستنتهي فترة منع العمل بأكملها ولجميع القطاعات الاقتصادية”، وأضاف بوتين “من صالحنا جميعا أن يعود الاقتصاد إلى طبيعته بسرعة”. 

تداعيات كورونا وما بعدها قد عززت فرضية حصول أزمة اقتصادية قاسية في روسيا قريبا

ولكن الصدمة كانت بالارتفاع الهائل بحجم المصابين الذي تجاوز إلى الآن 250 ألف، مع نسبة تفشي تجاوزت 10 آلاف في اليوم، وهي واحدة من أعلى النسب في العالم، وضعت روسيا في المرتبة الثانية عالميا بحجم المصابين والوفيات بعد الولايات المتحدة مباشرة، لكن مع فرق واضح في قدرات البلدين الصحية والاقتصادية، وفي حضور شبه يومي للرئيس الأميركي والغياب شبه التام للرئيس الروسي، الأمر الذي دفع الباحثة في مؤسسة مشروع التحليل السياسي R.Politik تاتيانا ستانوفايا إلى القول “لقد فقد بوتين اتصاله بالواقع”، وأضافت “يبدو أنه لا يفهم أي بلد موجود فيه”.

تزيد كورونا من عزلة القيصر، وهو يتجنب إلى الآن لقاء أقرب رجالاته خصوصا بعد إصابة المتحدث باسمه دمتري بيسكوف، إضافة إلى خمسة وزراء في حكومته. فتهديد كورونا منعه من إجراء الاستفتاء ومن الاحتفال بيوم النصر على النازية في 9 مايو، وهو يجبره اليوم على التخلي عن سلطته العمودية لصالح حكام الأقاليم كأنه يريد أن يكون الناجي السياسي الوحيد من تداعيات ما بعد كورونا.

السابق
اللقاء الثاني بين «الصندوق» و«المالية» يحضره سلامة..أرقام متناقضة بين المركزي والحكومة!
التالي
إنجاز أمني جديد..ملاحقة تمويل لإرهابيين يكشف «خلية صرافة» غير شرعية!