النيران تصل قصر الأسد.. اعتقالات تحوّل «مخلوف» الخادم المطيع إلى شرارة تمرد!

رامي مخلوف
«هل من الممكن أن يهاجم الأمن شركات أكبر داعم للأسد في حربه؟» سؤال وجهه رامي مخلوف إلى قريبه الأسد في إنذار مبطن للمصير الواحد إذا ما احترق المركب بشكل كامل!

في أقل من ثلاثة أيام، مخلوف مجدداً على الشاشة في فيديو جديد، هو ليس ظهور يتيم لإيصال رسالة عن المركب المحترق الذي يلوح رامي ابن خال بشار الأسد لحرقه كاملاً بل دليل واضح على أن مخلوف الذي اختار الحديث علانية يدق مسماراً جديداً في مفهوم “الدولة العميقة” ويكشف الأوراق على الطاولة في خطوة يبدو أن قبلها ليس كما بعدها في مسيرة رجل الاقتصاد السوري الأبرز في العقدين الأخيرين، فما الذي كشفه مخلوف وما الذي أخفاه؟!

الإنذار الثاني

بعد أن ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بصور أبناء مخلوف يعيشون حياة فارهة في مدينة دبي، واختيار تطبيق انستغرام العالمي فيديو لعلي نجل رامي للاحتفال به عالمياً، كشف مخلوف الأب عن وجه جديد بلحية أطلقها لأول مرة على الشاشة وفيديوهات بمسميات دينية وكلام لا يخلو من الابتهال والدعوات للنجاة.

وكأن مخلوف نسي أن أقرب الناس إليه كما يظن البعض أي ابن عمته بشار هو أكثر من ناهض التيار الديني في الدولة عبر وصم كل المظاهر الدينية بالتطرف وزج أبناء مدن كاملة في السجون والمعتقلات فقط لخلفيتهم الإسلامية.

لكن مخلوف الذي سقطت ورقة دعمه من الجانب الروسي بوضوح خلال الأشهر الماضية يحاول ربما ضمنياً إيصال رسالة للقيادة التي تخلت عنه وضحت بأكبر مواليها بأنه يناهض المشروع الروسي لسحب الغطاء الديني عن أسلمة الدولة في سوريا والتي يؤكدها زيارة مسؤولين روس إلى المناطق المسيحية واستطلاع نظرتهم لشكل الحكم المستقبلي في سوريا.

لم تكن شحنة المخدرات التي ربطت بشركة مخلوف إلا خطوة مدروسة لبلبلة الرأي العام حول رامي وممكلته الاقتصادية

وبهذا يأتي كلام رامي كإنذار ثانٍ بعد رفض السلطة الرد على الفيديو الأول الذي نشره الخميس الفائت، والتوعد بالمزيد من كشف الأوراق قائلاً: “اليوم بلشت الضغوطات بطريقة غير مقبولة وغير إنسانية، وبلشت الأجهزة الأمنية تعتقل موظفينا”.وتابع: “هل أحد يتوقع الأجهزة الأمنية تأتي على شركات رامي مخلوف اللي هي أكبر داعم للأجهزة الأمنية وأكتر راعٍ لهم أثناء الحرب؟”.

إقرأ أيضاً: بالفيديو: رامي مخلوف يستنجد ببشار الأسد.. الحكاية الكاملة لصعود حوت الاقتصاد السوري!

لماذا مخلوف؟!

لنفهم كيف وقع رامي في اختبار الثقة وبات الخاصرة الرخوة لدى القصر الجمهوري لسحب أموال تسدد الديون المتراكمة على نظام الأسد ولا سيما لروسيا، يمكننا قراءة ذلك من تجربتين سابقتين خلال فترة حكم الأسد الأب، الأولى كانت مع انهيار القيادة القومية لحزب البعث في ستينيات القرن الفائت، والتي شهدت صراعاً مبكراً داخل جسم الطائفة العلوية على إثر انقلاب سليم حاطوم الفاشل عام 1966، حيث انقسمت القيادات العسكرية والسياسية في سوريا والتفت حول شخصين من الطائفة العلوية كانوا شركاء في الانقلاب على الدولة المدنية، وهما حافظ الأسد وصلاح جديد، ويشبه هذا الشرخ الشاقولي في بنية الدولة آنذاك ما يحدث اليوم حيث يتجذر الخلاف بين رموز السلطة مع حاشية تتبع كل منهما، فمخلوف هو المعروف لدى السوريين بتزعم جمعية “البستان” والتي تحولت من كونها بالاسم جمعية خيرية إلى مركز لتجنيد مواليين ودعمهم بالسلاح لقيادة عمليات نهب وسلب واعتقال وتنكيل ولا سيما في سنوات الثورة الأولى قبل أن تسيطر قوات حزب الله والميليشيات الإيرانية على المشهد الأمني أكثر.

ذاكرة السوريين مع رامي مليئة بقصص الفساد والاستغلال عبر هيمنته على قطاعات حيوية في الدولة أبرزها الاتصالات الخليوية

أما التجربة الثانية والتي يستذكرها السوريون جداً والتي توضح حقيقة الموقف الروسي اليوم هو الخلاف الشهير بين حافظ الأسد وشقيقه رفعت، فقد استضاف الاتحاد السوفياتي رفعت عام 1984 بعد محاولة استيلائه على السلطة في الفترة التي دخل فيها حافظ الأسد مستشفى التل العسكري في حالة غيبوبة، حيث يرى الكاتب عدنان عبد الرزاق أن السيناريو اليوم يشابه الأمس وروسيا هي ذاتها، فما حدث في الثمانينات “كذبة” صدقها السوريون بحسب الرزاق، فكانت مكاسب الأسد الأب أكبر حين مكنته محاولة الانقلاب من إعادة هيكلة الدولة العميقة مقابل خروج لائق لرفعت من السلطة، فهل يبحث مخلوف اليوم عن خروج لائق من الوكر السوري يشبه ما حدث مع خاله المحروم من السلطة منذ عقود.

السيناريو الروسي

130 مليار ليرة سورية هو قيمة المبلغ الواجب على مخلوف دفعها لخزينة الدولة نظراً لملكيته لشركتي الاتصالات الخليوية الوحيديتين في البلد، واللتان شكلتا استنزاف لأموال الشعب منذ أن حظي مخلوف بتوكيل جائر من قبل مجلس الشعب مطلع حكم بشار ليتحكم بقطاع الاتصالات الخليوية ويستأثر به مانعاً أي رجل أعمال آخر من الدخول على الخط.

إقرأ أيضاً: رامي مخلوف.. وقصة «عالي المقام» المُنهار على سواحل مصر!

وقبل عام حين طالبت روسيا الأسد بدفع ديون عليه بقيمة ملايين الدولارات ضغط بشار على رجال أعماله ووضع بعضهم تحت الإقامة الجبرية كما استنجد بسامر الفوز الوجه الجديد للاقتصاد السوري في غياب واضح حينها للإحاطة بمخلوف أو التضييق عليه.

الخطوة التالية جاءت من قبل روسيا التي زادت بحجم الدعاية لأسماء الأسد زوجة بشار وأعادت إذكاء الخلاف داخل القصر الجمهوري والذي يعود إلى نزاع تاريخي بين آل الأسد ومخلوف سببه الأحزاب بالدرجة الأولى، حيث حملت عائلة الأسد منطلقات البعث كواجهة لحكمها السياسي في حين نشط آل مخلوف بترؤوس الحزب القومي السوري الاجتماعي، وخلال سنوات الثورة الأولى وليحصل بشار على ولاء مخلوف الكامل أطلق يده لنشر الحزب القومي السوري في سوريا قبل أن يعيد ويمسك القبضة بيده ويخفف من نفوذ الحزب بعدما شكلت ميلشياته المسلحة المعروفة بـ”الزوبعة” خطراً على ميليشيات الأسد والداعم الروسي لها.

يجد السوريون اليوم في فيديوهات رامي مثار للسخرية من رجل ينهار دفعة واحدة ويهز عرش السلطة كي لا يسقط وحيداً

ومع كثرة التقارير التي نشرها الجانب الروسي لتلميع صورة أسماء الأسد على انها الوجه المستقبلي لسوريا، بعدما شنت حملة لمكافحة الفساد حدث على أثرها تجميد أصول مالية لمخلوف والحجز على العدد من شركاته والعبث بإدارة شركة سيرتيل والمؤسسات الإعلامية التابعة لها، وهذا ما زاد الشقاق الذي وصل أعتى مراحله بعد اعتقال السلطة لـ28 مدير إداري وتنفيذي لشركة “سيرتيل” خلال الأيام الماضية وحرمانهم من دخول إدارة الشركة لثلاثة أشهر.

الجمرة الأخيرة

ومع ازدياد نيران الخلاف كان لا بد من رمي الجمرة الأخيرة التي دفعت مخلوف للظهور علانية بشكل مفاجئ بعدما كان في صفوف الأسماء المخفية في سوريا أي الذين يحكمون البلاد ولا يعرف صوتهم وبالكاد صورتهم، عبارات مبتلسة قالها مخلوف تؤكد على احتراق السلطة في سوريا من الداخل بعدما انعدمت الثقة بين أركان القصر الواحد، وبدا حديث مخلوف مباشرة للأسد وكأنها مكالمة هاتفية لكن تبث عبر الفايسبوك بدل خط التليفون، فخطوط الاتصال بين مخلوف وابن خاله مقطوعة، والترجي سيد الموقف مع عدد من الأدعية ونبرة توسل على مع اتهام صريح ومباشر من قبل مخلوف لفساد الطاقم المحيط بالأسد.

فهل يخرج مخلوف في فيديو ثالث بعنوان ديني جديد كما يتندر السوريون على مواقع التواصل والذين يجدون فيما وصل إليه مخلوف اليوم نتيجة منطقية لتهالك السلطة الحاكمة في سوريا وعدم قدرتها على إمساك زمام الامور في البلاد، وكأنها المرحلة النهائية في حكم آل الأسد مع بقاء عام واحد فقط على انتهاء ولاية بشار الأسد.

السابق
الدولار يحلّق في السوق السوداء.. اليكم سعر الصرف اليوم!
التالي
في أنّ حسّان دياب هو إميل لحّود السنّي