العلامة السيد علي الأمين عن الدولة وولاية الفقيه (2): الصراعات السياسية تؤجّج الخلافات السنيّة الشيعيّة

الخميني والسيد علي الأمين
القسم الثاني من الحوار الذي أجراه موقع “العالم الجديد” مع العلاّمة السید علي الأمين، يتناول مشروع "اتحاد الانسانية" الذي يدعو اليه، وكذلك نظرته الى المذاهب الاسلامية الاخرى وجذور الخلاف بينها، اضافة الى سبل مواجهة التطرف والتكفير والارهاب.

 يشدّد السيد الأمين على منهج الوسطية والاعتدال ونبذ ثقافة التعصّب والتطرّف ورفض الإرهاب والعمل على نشر ثقافة الحوار والتفاهم بين الناس ودعوتهم إلى العيش معاً بسلام واحترام، وبهذا المنهج تبتعد المجتمعات والشعوب والدول عن المشاحنات والصراعات التي تولد الحروب والويلات.

مشروع اتحاد الانسانية

يدعو العلّامة السيد علي الأمين الى مشروع (اتحاد الإنسانية) المبني على الالتقاء بين البشر على المشتركات الإنسانية بين الأمم والشعوب، بعيداً عن الإنتماءات العرقية والدينية والوطنية وغيرها، فهي دعوة للحوار والتلاقي والتفاهم والتعايش بسلام فيما بينهم، وهي نبذ لدعوات التمييز والفرقة، وهذا المشروع يلتقي مع الشريعة الإسلامية في نفي التفاضل بين البشر على أساس العرق واللون والانتماء الديني وغيره، فالشريعة تقول: (كلكم لآدم وآدم من تراب) و(الناس سواسية كأسنان المشط) و(لا فضل لأبيض على أسود، ولا لعربي على أعجمي إلا بالتقوى)، وفاقاً للنص القرآني الذي يخاطب كل الناس: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) وليس في الشريعة الإسلامية ما يمنع من قيام اتحاد على هذه الأسس والمبادئ التي تساوي بين الناس على اختلافهم في الجنس والدين والمذهب، قال الله تعالى: (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)، (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى).

اقرأ أيضاً: العلامة السيد علي الأمين عن الدولة وولاية الفقيه (1): الشيعة يرفضون أي مشروع سياسي خارج حدود الوطن

ان الدولتين الصفوية والعثمانية دخلتا قبل خمسة قرون بصراع على السلطة والنفوذ في العالم العربي كان وراء إثارة نعرات طائفية ومذهبية لم تكن موجودة في العهود السابقة

وبرأي السيد الأمين فان “المذاهب السنّية وغيرها من المذاهب الفقهية الأخرى هي في الأصل مدارس فقهية تأسست على أيدي أئمة وعلماء بارزين في العلم والدين لهم آراؤهم واجتهاداتهم في التعرف على أحكام الشريعة باستنباطها من مداركها بالدليل، وسميت بعد ذلك بالمذاهب بسبب اشتهار أصحابها والعمل بآرائهم، وهذه المذاهب ليست أدياناً، ولكنها اجتهادات مشروعة في فهم الكتاب والسنّة يجمعها الدين الواحد وهو الإسلام”.

اما سبب الصراعات الطائفية في مجتمعاتنا الإسلامية فيعيده السيد الأمين إلى ” الصراع على السلطة والنفوذ بين الأحزاب الدينية والجماعات السياسية في الداخل وبين دول اقليمية على مستوى الخارج، وزاد من حدّته غياب العلاقات الطبيعية بين الدول العربية والإسلامية في المنطقة، وفي الماضي عاش السنة والشيعة إخواناً في مجتمعاتهم وأوطانهم قروناً عديدة وسيبقون كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وكانوا يختلفون في قضايا تاريخية ودينية تبعاً لاختلاف الإجتهادات بين علمائهم ولم يؤثر اختلاف تلك الإجتهادات على الروابط الدينية والوطنية التي تجمعهم، ولأنه لم يكن بينهم ما أحدثته الأحزاب من صراعات على السلطة والحكم باسم الدين والمذهب”.

خارطة مواجهة التعصب الديني والارهاب

برأي السيد الأمين فإن “مواجهة آفة التطرف والتكفير والإرهاب هي مسؤولية الجميع من أهل الفكر والعلم وأهل السلطة والحكم، وفي الحديث: (كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته) وهنا تبرز مسؤولية الدول وولاة الأمر خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط التي بلغ فيها الشحن الطائفي مستوى خطيراً يهدد نسيج الوحدة الوطنية والتعددية الثقافية في شعوبنا ومجتمعاتنا والذي بات يشكل أيضاً المناخ الملائم لانتشار ثقافة العداء والكراهية للآخر المختلف، وهو ما يهدد أيضاً العلاقات مع شعوب ودول العالم الأخرى. والمطلوب لمواجهة هذه الحالة الطائفية الطارئة التي تهدد الاستقرار في بلداننا وعلاقاتنا مع الشعوب الأخرى أن يتحرك – بالدرجة الأولى – ولاة الأمر والحكام في دولنا العربية والإسلامية – لأنهم يمتلكون الإمكانات لمواجهة ثقافة التطرّف بالعمل على ترسيخ قواعد المواطنية التي تقوم على العدل والمساواة بين المواطنين، وبالعمل على دعم:

أ – أصحاب خطاب الاعتدال الديني.

 ب – إنشاء المعاهد للدراسات الدينية المشتركة.

ج – تنظيم السلك الديني وتحديث مناهج التعليم في المعاهد والمدارس الدينية.

 د – تأليف الكتاب الديني الواحد لطلاب المدارس الأكاديمية يتحدث فيه عن المشتركات الدينية والفضائل الإنسانية، وأما خصوصيات المذاهب والأديان فهي مسؤولية المساجد والكنائس والمعاهد والمعابد الخاصّة بكل دين ومذهب.

 هـ – اعتماد الوسائل الإعلامية والقنوات التلفزيونية التي تنشر فكر الوسطية والاعتدال في مجتمعاتنا المحلّية وعلى المستوى العالمي.

 و – كما أن المطلوب من علماء الدين التمسّك بخط الوسطية والاعتدال الذي دعت إليه الشرائع السماوية، والإبتعاد عن الانخراط في الحالات الحزبية التي تدفع بطبعها أصحابها للتعصّب لآراء أحزابهم، فالعلماء هم ورثة الأنبياء، والأنبياء كانوا الدعاة للألفة والانسجام، وما كانوا دعاة للفرقة والإنقسام.

جذور الخلافات السنيّة الشيعيّة  

يرفض العلامة السيد علي الامين التبشير المذهبي بين السنة والشيعة فيقول ان ” السنّة والشيعة أمة واحدة إسلام واحد واجتهادات متعددة، أن أئمة أهل البيت رفضوا الدعوة في زمانهم لأنفسهم ورفضوا الدعوة إلى التشيّع حتى لا يجعل البعض منه جماعة أو حزباً سياسياً يستخدمه لمشاريع سياسية خاصة وتحقيق طموحات سلطوية تعمق الشرخ والانقسام داخل الأمة الإسلامية ومجتمعاتها، وهذا ما يستفاد من سيرة الأئمة العملية ومن الأخبار الكثيرة المروية عنهم بهذا الشأن ومنها على سبيل المثال أنهم كانوا يطلبون من الشيعة أن يكونوا دعاة لهم بأعمالهم وسلوكهم وأن يكونوا زيناً لأئمتهم لا أن يكونوا شيناً عليهم، ولذلك نحن نرفض العمل التبشيري بين اتباع المذاهب لأنه يحدث الفرقة بين المسلمين وليس له أي مردود من الناحية الدينية لأن انتقال المسلم من مذهب إلى مذهب آخر هو كنقل الماء من ضفة النهر إلى الضفة الأخرى وليس انتقالاً من الكفر إلى الإيمان! والإسلام هو النهر العظيم الذي يتسع لكل تلك المذاهب. وقد قلت إنّ التسنّن إذا كان هو الإلتزام بسنّة رسول الله فكل المسلمين سنّة، وإذا كان التشيّع هو حبّ أهل البيت فكل المسلمين شيعة. فالواجب هو العمل على تقارب المسلمين ووحدتهم وليس العمل على ما يحدث الفرقة ويزيد الانقسام بينهم”.

المذاهب السنّية وغيرها من المذاهب الفقهية الأخرى هي في الأصل مدارس فقهية تأسست على أيدي أئمة وعلماء بارزين في العلم والدين لهم آراؤهم واجتهاداتهم في التعرف على أحكام الشريعة باستنباطها من مداركها بالدليل

اقرأ أيضاً: السيد علي الأمين.. الشاهد على إستشهاد محمد باقر الصدر (1): الاعتقال والترهيب ومنع المواكب الحسينية

ويستشهد العلامة  الامين برأي المفكر الاسلامي الايراني الراحل علي شريعتي، في قوله “ان الدولتين الصفوية والعثمانية دخلتا قبل خمسة قرون بصراع على السلطة والنفوذ في العالم العربي كان وراء إثارة نعرات طائفية ومذهبية لم تكن موجودة في العهود السابقة خصوصاً في عهود معاصرة أئمة أهل البيت لمعظم الحكام والخلفاء في الدولتين الأموية والعباسية، ولا شك أن الصراع وخصوصاً الدموي منه يولد ثقافة فيها الكثير من مدح الذات والجماعة والكثير من الكراهة والبغضاء للآخر وإظهار عيوبه وكتم فضائله وتغييب المشترك معه وظهور العنصريات كما قال الشاعر (وَعَينُ الرِضا عَن كُلِّ عَيبٍ كَليلَةٌ…وَلَكِنَّ عَينَ السُخطِ تُبدي المَساوِيا). ويمكن أن يكون من أسباب التمييز عند الدكتور علي شريعتي هو نقد جملة من العادات والتقاليد التي استحدثت بعد زمان أئمة أهل البيت من دون أن يكون لها أصل في الشرع والدين. والمطلوب في عملية التصحيح هو العودة إلى ينابيع الإسلام الأصلية من الكتاب والسنة وعرض موروثاتنا العقدية والفقهية عليها عملاً بقوله تعالى: (…فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا…) والرد إلى الله يكون بالعودة إلى القرآن الكريم والرد إلى رسوله يكون بالرجوع إلى سنته الجامعة غير المفرقة.

ويختم العلامة السيد علي الامين مؤكدا ان جذور الخلافات السياسية بين المذهبين الى حقبة الصراع الصفوي العثماني، فمن يتابعه ” يدرك أن أسباب الصراع كانت تهدف إلى التوسع والمزيد من السيطرة والنفوذ، ولا علاقة فيها للمذاهب، وإن استخدمت المذاهب في تلك الحقبة غطاءً لتلك الأهداف، وكان رفع الدفاع عن المذاهب شعاراً لشدّ العصب الطائفي، وحشد المزيد من الأنصار في المعركة”.

السابق
بمناسبة عيد العمال.. وقفة احتجاجية في ساحة الشهداء على الاوضاع المعيشية
التالي
بالفيديو.. مسيرة احتجاجية من امام وزارة العمل في الضاحية وصولا الى مصرف لبنان!