العلامة السيد علي الأمين عن الدولة وولاية الفقيه (1): الشيعة يرفضون أي مشروع سياسي خارج حدود الوطن

ولاية الفقيه
نشر موقع “العالم الجديد” العراقي، الحوار الذي أجراه الباحث مشتاق الحلو مع العلامة السید علي الأمين، عضو مجلس حكماء المسلمين (وهي منظمة دولية يرأسها شيخ الأزهر)، حول جملة من القضايا المهمة، أبرزها إشكالية الدولة والمواطنة، والموقف من “ولاية الفقيه”، والإسلام السياسي، وشكل المرجعية الدينية، والعلاقة بين المذاهب والأديان.

عن مفهوم الوطن من المنظور الديني يعود السيد الامين الى وثيقة المدينة المنورة التي عقدها الرسول مع باقي المكونات من يهود وأهل كتاب وأميين ويقول “يمكننا استكشاف أن الوطن هو الذي يجمع مختلف المكوّنات البشرية التي تعيش على أرضه، وقد كان يعيش في المدينة المنورة يهود ومسلمون وغيرهم من ديانات وثقافات وأعراق مختلفة، وقد عبرت تلك الوثيقة عن عقد اجتماعي قام بين تلك المجموعات المتعددة ونشأ عنه نظام يدير شؤون البلاد والعباد على أسس من العدالة والمساواة، وهو ما يمكن أن يعبر عنه في زماننا بدولة المواطنة التي يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات”.

اقرأ أيضاً: السيد علي الأمين يتصدّى في مؤتمر صحافي لتخوين الثنائي الشيعي: أرفض المشروع الإيراني

ويضيف السيد الأمين ان ” الشيعة كغيرهم من المواطنين يجب أن يكون ولاؤهم لوطنهم وللدولة القائمة فيه، ونحن نرى أن الدولة هي مؤسسة مدنية، لا كافرة، ولا مؤمنة، لا شيعية ولا سنّية، هي مؤسسة وجدت لإدارة شؤون المواطنين ونظم أمورهم على اختلاف انتماءاتهم، وبدونها يختل النظام العام الذي يجب الحفاظ عليه عقلاً وشرعا. والشيعة هم جزء لا يتجزأ من شعوبهم ولديهم نفس التطلعات ولكن هناك بعض التجمعات الحزبية التي نشأت أخيراً تحاول ربط الشيعة بالمشاريع السياسية خارج اوطانهم وهو خطأ كبير لا يتحمل وزره وتبعاته كل الشيعة، فلا يمكن لأي حزب أن يختزل مذهباً وطائفة عريقة وعريضة ويكون الممثل الوحيد لها، فالحزب الطائفي مهما يكن حجمه يبقى أقلية داخل طائفته”.

الشيعة مرتبطون بأوطانهم

برأي السيد الامين ان الشيعة بشكل عام “مرتبطون بأوطانهم ودولهم وشعوبهم وهذا ما يجب ان يكون عليه الامر لذلك نرفض ان يكون هناك ارتباط خارج حدود الوطن بأي مشروع سياسي. ونرى ان روابط المذاهب والاديان موجودة بين الشعوب ولكن يجب الا تكون تلك الروابط على حساب الاوطان، فأوطاننا يجب ان نرتبط بها ونحافظ عليها. والانظمة السياسية التي آمنا مع شركائنا في الوطن بها يجب ان يكون ولاؤنا وطاعتنا لها وليس لانظمة اخرى. ويجب ان ينتبه الشيعة الى هذه الأحزاب وتلك الجماعات وأن لا ينخرطوا بها لان لها مشاريع سياسية خارج حدود الوطن تؤدي بهم إلى الصراعات الداخلية والنزاعات مع شركائهم في الوطن وتلك من أكبر الأخطار التي تصيب الشعوب في أوطانها”.

الشيعة بشكل عام “مرتبطون بأوطانهم ودولهم وشعوبهم وهذا ما يجب ان يكون عليه الامر لذلك نرفض ان يكون هناك ارتباط خارج حدود الوطن بأي مشروع سياسي

 ولاية الفقيه في الفقه الشيعي

 وعن ولاية الفقيه وتأثيرها على الوجدان الشيعي، يقول السيد الامين “ذكرتُ في كتاب (ولاية الدولة ودولة الفقيه) أن الولاية في الحكم يجب ان تكون للدولة كمؤسسة ناظمة لأمور المجتمع، وهي تنبثق عن اختيار الناس وإراداتهم، وليست مفروضة عليهم بالنصوص الدينية، وأن الفقيه كغيره في مسألة قيادة الحكم، فإذا اختاره الناس كان حاكماً عليهم بوصفه مختاراً منهم، ولم تثبت له ولاية الحكم عليهم بوصفه فقيهاً، وفي صورة اختياره حاكماً في بلد تكون ولايته على الشعب الذي اختاره، وليست ولايته عابرة للحدود والأوطان، ولذا فإن الواجب على الشيعي وغيره الولاء لدولته الوطنية والعمل بنظام مؤسساتها وقوانينها”.

وبالنسبة لتوظيف الشعارات الدينية في مشاريع السلطة والسياسة، يؤكد السيد الامين ان “هذا من شأنه ان يسيء إلى الدين نفسه، ويلوث مبادئ الدين السامية بأوحال السياسيين واختلافاتهم وانقساماتهم وصراعاتهم على الدنيا ومكاسبها، ومن الأهداف السامية للدين العمل لتوحيد الصفوف وأن يكون الدعاة إليه قدوة للناس في تطبيق العدل على أنفسهم قبل غيرهم، كما جاء في قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا).

 لذلك فان الاحزاب الدينية برأي السيد الامين “ومن خلال التجارب التي قامت بها معظم الأحزاب الدينية، فقد رأينا خروجها عن منهج الدعوة والرسالة والجنوح نحو إدخال الدين في النزاع على السلطة والسياسة وهذا يؤدي الى الاضرار بالدين ويؤدي إلى تقسيم المجتمع على أساس ديني من خلال جعل الدين مع المؤيدين للحزب الديني في سياسته، واعتبار المخالفين له في سياسته مخالفين للدين، وتصل الأمور بالأحزاب الدينية إلى إشاعة الانقسامات المذهبية في المجتمع مما يساهم في زرع الفرقة بين أتباع المذاهب والأديان ويؤدي إلى عزل المواطنين بعضهم عن بعض على أسس دينية ومذهبية، ولذلك كان رأينا اعادة النظر في نشوء الأحزاب السياسية في مجتمعاتنا على أساس ديني أو مذهبي، لأن دور الأحزاب السياسية يجب أن يقوم على أساس البرامج الاصلاحية التي يحتاجها المجتمع من خلال تطوير الدولة والمؤسسات مع المحافظة على وحدته الوطنية وعيشه المشترك”.

تأثير إيران على الواقع الشيعي

ان الشيعة كما يقول السيد الامين “كسائر الطوائف الأخرى في أوطانهم تتعدد انتماءاتهم السياسية، وإن كانت ولادة بعض الأحزاب الدينية والطائفية في بعض مجتمعاتهم ارتبطت عموماً بالرؤية الإيرانية وأدى ذلك إلى طغيان الصورة الواحدة وإلى إخفاء صورة تنوع الثقافة والسياسة الوطنية الموجودة أصلاً داخل الشيعة في أوطانهم، والشيعة العرب وغير العرب توجد لديهم نماذج عديدة تحمل خطاب الاعتدال الديني والوطني وتختلف فكرياً في الرؤية الثقافية والسياسية عن الرؤية الإيرانية وعن الأحزاب والمرجعيات الدينية التابعة لها، ولكن أصحاب هذه الرؤية تحاربهم تلك الأحزاب المهيمنة والمدعومة من إيران”.

ويؤكد السيد الامين انه “ليس مع تدخل رجال الدين والمؤسسات الدينية في العمل السياسي المباشر، والتجارب المعاصرة لتدخلهم لم تنعكس إيجاباً داخل الأمة ومجتمعاتها وأوطانها. وإن الواجب أن يكون اهتمام رجال الدين والمرجعيات الدينية في قضايا عامة كقضايا الدعوة ووحدة الأمة وفي المطالبة بتحقيق الإصلاحات والعدالة في شعوبهم وأوطانهم”.

الشيعة “كسائر الطوائف الأخرى في أوطانهم تتعدد انتماءاتهم السياسية، وإن كانت ولادة بعض الأحزاب الدينية والطائفية في بعض مجتمعاتهم ارتبطت عموماً بالرؤية الإيرانية وأدى ذلك إلى طغيان الصورة الواحدة وإلى إخفاء صورة تنوع الثقافة والسياسة الوطنية الموجودة أصلاً داخل الشيعة في أوطانهم

ويلفت السيد الامين ان “المرجعية الدينية ارتبطت أخيراً بأوضاع السلطة السياسية والحزبيّة في أماكن تواجدها، ولذلك لا تجد في المرجعية الدينية إلا التأييد للسلطة العليا في إيران أو عدم المعارضة لها، ولا تسمع بوجود أصوات معارضة داخل الحوزتين في قم والنجف. وقد كان التنافس العلمي على المرجعية الدينية للشيعة في العالم قائما بين الحوزتين في السابق، وإن شابته أحياناً انحيازات الانتماء القومي، وكان المعيار العلمي من أهم العوامل في بروز المرجع واشتهاره، ولكن بعد إقامة السلطة في إيران على مبدأ ولاية الفقيه أصبحت المرجعية الدينية واقعة تحت تأثيرها، ولا تسمح بقيام مرجعية دينية داخل إيران ولا خارجها تخالفها الرأي”.

اقرأ أيضاً: العلامة السيد علي الأمين.. المرابط على ثغور الوطن والإنسانية

وعن الصيغة التي يقترحها السيد الامين لتنظيم المؤسسة الدينية الشيعية  يقول “يحتاج تنظيم المؤسسة الدينية عند الشيعة إلى الإصلاح الذي يبتدئ من المرجعية الدينية بالدعوة الى إخراجها من مرجعية الفرد الى مرجعية المؤسسة التي تعتمد على أسسٍ تنظيمية وقانونية مستفادة من الشرع ومن تجارب الأمم والشعوب وعلوم الإدارة والتنظيم في كيفية وصول المرجع الى سدة المرجعية واختياره لها من خلال تنظيم السلك الديني انتساباً وتخريجاً وتحديث برامج التعليم الديني في الحوزات العلمية، وتشكيل مجلس يضم الحائزين على شهادة الاجتهاد يختارون المرجع الأعلى، وتشكيل لجنة دينية عليا لتوحيد بيت المال وضبط الأوضاع المالية وترشيد الإنفاق على المشاريع النافعة بالتخطيط لها والخروج من عشوائية الإنفاق والإنشاء ومنطق التمييز في العطاء بين القريب والبعيد والموالي والمعارض والعمل على ضمان إنتقال المال العام الموجود بين يدي المرجع في حياته إلى المرجع الجديد حتى لا يبتدئ من درجة الصفر”.

السابق
بعد كلام سلامة.. الدولار يهوي الى ما دون الـ4000!
التالي
عون يُبشّر اللبنانيين: اليوم يوم تاريخي للبنان!؟