أجندة المرأة في العراق بين الإرهاب والثورة

العراقيات

يواصل العراقيون والعراقيات التظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات السلمية في بغداد وبعض المدن جنوب ووسط العراق، ما يميز هذه الثورة هو الظهور البارز للمرأة العراقية التي سجلت مواقف مشرفة سواء بالتواجد في ساحات التظاهر أو بتقديم الدعم اللوجستي والطبي للمتظاهرين. أمهات نساء فتيات ومن من مختلف المحافظات حتى تلك التقليدية والمحافظة أشعلت النساء فيها الثورة من بيوتهن ثم انطلقن جنباً إلى جنب مع الرجال وقدمن المساعدة بكل ما أمكنهن حتى بات من السهل سماع عبارة “في العراق الثورة أنثى”.

اقرأ أيضاً: أمهات قتلى حزب الله «يرقصن مذبوحات من الألم».. ماذا يقول الطب النفسي؟

فالمرأة العراقية  في الاوقات السلمية رقصت “البالية” التعبيري وحولت ساحات الثورة إلى مساحات جمالية رسمت فيها على الجدر بريشتها آلآم الشعب العراقي ومعاناته فكانت بألوانها تصور وجعه وتعرض لحقوقه ومطالبه. فوجود النساء مثل ثورة فكرية، جعلت من يتابع مشاركتها يشعر وكأن هناك عبوراً نحو زمنٍ جديدٍ تخطت خلاله المرأة العراقية كل القيود التي تكبلها من القوانين الذكورية إلى العادات الاجتماعية والاعراف العشائرية الخانقة لها والموروثات الثقافية البالية والتيارات الدينية المتشددة.

دخول تنظيم داعش قلب الموازين

تقول احدى الناشطات العراقيات: “تحركت المنظمات عندما قام تنظيم “داعش” بالاعتداء على النساء الايزيديات حيث اقتحم  ثلاث محافظات وعلى الأثر حدث نزوح غير مسبوق بنسبة 65%  أكثرها من النساء والفتيات والأطفال، والحكومة لم تكن مهيئة لهكذا حدث ولا لهكذا نزوح فحصلت انتهاكات عدة. وقد تحركت منظمات المجتمع المدني رفضاً لما يحصل، فصدرت خطة سميناها الخطة الطارئة للقرار 1325 وكان هذا الموضوع الاول في الشرق الأوسط. في الخطة الوطنية كان العراق الأول والسباق وفي خطة الطوارئ للقرار 1325 كان العراق سباق.إلاّ أن تنفيذ الخطة لم يكن بالأمر اليسير، سيما وأن الأمر يحتاج إلى ميزانية فيما أكثر الموارد كانت تهدر من أجل الجيش والحشد الشعبي من اجل ايقاف زحف داعش ومعالجة الأمور التي تسبب بها لهذا ان كل ما تحقق من هذه الخطة على أرض الواقع هو بحدود 15%”.

ما يميّز العراق هو: “بناء السلطة  للمصداقية مع المجتمع المدني  وكيف أن المجتمع المدني كان جزء من هيكلية فريق وطني وأسهم في تطوير الخطة وتنفيذها

أضافت: “عندما دخل تنظيم داعش العراق سيطر على محافظات الموصل، تكريت، تلعفر والفلوجة وهذه  تأثرت بشكل مباشر ولكن المحافظات الاخرى التي لم يدخلها تأثرت أيضاً جراء النزوح غير المسبوق إليها بأرقام كبيرة فيما لم تكن مهيأة لذلك. أما التأثير على المحافظات فقد اختلف بين واحدة وأخرى. في إحداها برزت فيها ظاهرة الانتحار بشكل ملفت، وفي أخرى ظهر الاختفاء القسري للفتيات. وفي هذه الظروف لم يكن بالامكان أن نطبق عليها نفس الخطة وإنما يجب مراعاة الوضع الراهن للنساء في هذه المحافظات. من هنا بدأنا بالعمل واستطعنا القيام بخمس خطط لخمس محافظات وقبل الاستمرار بها الموضوع فإن مدة الأربع سنوات التي حددتها الحكومة لتطبيق الخطة الوطنية كانت قد انتهت، وبدأنا بتحديد الاحتياجات الجديدة وعليه فإنه إضافةً إلى الحماية والمشاركة والوقاية جاء موضوع الانعاش والاعمار”. 

حاجات المرأة

وأردفت: “خلال العام 2019 بدأنا بعملية مسح للعراق بأكمله من أجل تحديد حاجات المرأة الضرورية حتى نتمكن من كتابة الخطة الوطنية الثانية”. وأشارت إلى أن”الخطة الوطنية الاولى عندما كتبت مسودتها كانت تحوي على ميزانية لكن للاسف عندما توجهت الى مجلس الوزراء تم إلغاء الميزانية بحجة أنه لا يوجد أولويات ولا حاجة لها وأن ميزانية العراق الآن لا تكفي. وبعد أربع أو خمسة آشهر دخل تنظيم “داعش” وبات هذا المبرر أكيد، حيث تحولت الميزانيات نحو الاتجاه الحربي ووزارة الدفاع والاسلحة ومعالجة النزوح الكبير”.

ولفتت إلى أن ما يميز الخطة الثانية أنها تتضمن”خطة إعلامية للترويج وخطة متابعة وتقييم من أجل وضع المؤشرات لأن ما كان ينقص الخطة السابقة أنه لم يكن هناك متابعة أو تقييم لأنه لا يوجد مؤشرات.ولم يكن هناك خطة اعلام وترويج وعليه فحتى الجهات المعنية فإن معرفتها بالقرار كانت سطحية وبسيطة. أما الآن فإن الحكومة جادة في هذا الأمر وبالتالي فإنها تتجه الى توعية قوية للجهات المعنية حتى تقوم بتنفيذ هذا الموضوع”.

مشاركة المرأة في الثورة

وفي حديث مع رئيسة منظمة “تمكين” المرأة سوزان عارف، حول مشاركة المرأة في الثورة ومعاني هذه المشاركة وانعكاساتها المجتمعية قالت: “بالإمكان القول أن مشاركة المرأة في هذه الثورة كاملة وفاعلة، فالمرأة تعرف أن هذا مكانها الحقيقي والمجتمع بات متقبلاً للأمر”. ولفتت إلى أن”هي ليست ظاهرة جديدة فالمرأة العراقية منذ الخمسينات والستينات وصولاً الى التسعينات كانت تتمتع بأعلى الحقوق  وكانت لها مشاركات على المستوى العالي ولكن دورها تراجع خلال هذه السنين بسبب الحروب والنزاعات ومسألة الطائفية ولكن حاليا نلحظ  بأن المرأة العراقية باتت تريد كسر كل هذه القيود والحواجز والتحديات”.

وبسؤالها إن كانت مشاركة المرأة في الثورة تختلف من محافظة لأخرى أجابت: “هناك اختلاف في المشاركة طبعاً، ففي بغداد دور المرأة أكبر سيما في المجتمع المدني والقطاع الخاص والعمل وحتى  في وجودها داخل الاحزاب والقطاعات الأمنية، لكن نرى بأن هذا الدور يصبح محدوداً في باقي المحافظات. وإذا قارنا هذا الدور مع اقليم كردستان نجد أن المرأة هناك تتبوأ مراكز صنع القرار وتتمتع بحرية أكثر حتى القوانين الموجودة هي لصالح حقوق المرأة ودورها. وعلى سبيل المقارنة فإن رئيسة البرلمان في اقليم كردستان هي امرأة وايضا سكرتيرة البرلمان امراة ولديهن ثلاث وزيرات فيما لا يوجد ولا وزيرة في الحكومة الاتحادية. عدد النائبات في البرلمان العراقي 25% اما في برلمان كردستان 30%”.وعزت الأمر الى”الارادة السياسية والرؤية السياسية”.

الخطة الوطنية

وعن تبدل واقع المرأة بين قبل وبعد إقرار العراق للخطة الوطنية الأولى التي وضعها للقرار 1325 أجابت: “بالتأكيد هناك فرق. إذ صارت هناك توعية كاملة خصوصا لصنّاع القرار والفرق الوزارية ومنظمات المجتمع المدني الخ.. بمضمون القرار 1325 بالخطة الوطنية. وتمّ وضعه على أجندة صناع القرار ولم يعد هناك  من يسأل ما هو القرار 1325؟ وما هي مشاركة المرأة؟ بل بات أمراً طبيعياً وبدأ العمل على بناء القدرات، وقد انعكست هذا الأمر في خطط الوزارات والمؤسسات الحكومية والمنظمات وصار هناك تمويل لها ضمن الميزانية الموجودة في الوزارات، وحتى صار عليه تمويل من قبل المجتمع الدولي ووكالات الأمم المتحدة  للمؤسسات الحكومية بموجب هذه الخطة  التي تركز على المشاركة والحماية والوقاية”.

واعتبرت أن ما يميّز العراق هو: “بناء السلطة  للمصداقية مع المجتمع المدني وكيف أن المجتمع المدني كان جزء من هيكلية فريق وطني وأسهم في تطوير الخطة وتنفيذها. ونحن نعرف أن أهم ما كان في الخطة الوطنية الأولى أنه تم إطلاق تقرير وطني لتنفيذ هذه الخطة والإنجازات التي حققتها والتحديات التي واجهتها والدروس المستفادة والتوصيات. ولا ننسى أن هذه الخطة جاءت في وقت معقد وصعب، دخول تنظيم “داعش” هز العراق من الجانب الأمني والعسكري والاقتصادي والإداري ترافق ذلك مع موجة النزوح، ومع ذلك حصل تنفيذ للخطة  رغم كل هذه التحديات والصعوبات”.

إن استهداف داعش الذي استخدم العنف الجنسي كأداة للتحرك طال كل النساء ولكنه كان أكثر عنفاً مع  الايزيديات والكرديات والقوقاز والشبك والنساء الشيعيات

أضافت:”وهذه الخطة لم تبقى لخمس سنوات وإنما ترجمت الى خطة طوارئ لمدة سنة وكيف يمكن لهذه الخطة أن تستجيب لاحتياجات النساء النازحات واللاجئات؟ وبعد ذلك ترجمت الخطة الوطنية الى خطط تنفيذية للوزارات والمؤسسات الحكومية للعامين 2016 و2017 اشتركت فيها نحو 23 مؤسسة وطنية من الحكومتين. كانت تجربة فريدة، جرى التعلم منها كيفية تحديد التحديات والسبل للاستفادة منها في  تطوير الخطة الثانية وتنفيذها”. وأشارت الى أنه”لا يوجد ميزانيات مرصودة للخطة الوطنية الثانية وإنما يجري العمل على ألّا تخرج دون ميزانية وهذا الامر يعد من الدروس المستفادة أيضاً، لأننا نحن نأخذ وقتاً في  اقناع المجتمع الدولي ومنظمات الأمم المتحدة بتمويل البرنامج الموجود ضمن الخطة الوطنية”. لا تنفي عارف بأن الخطوة الوطنية الثانية تأتي في ظل تبدل في أدوار المرأة العراقية ولكنها ترى أنها”لا تزال إلى حد الآن  بحاجة الى الحماية  وتغيير واقع المرأة لتتحول من ضحية الى عنصر يشارك وعنصر فاعل وهذا كله يحتاج الى برامج تستجيب للنساء ضحايا النزاعات وأيضاً الوقايا من أي نزاع لأن العراق أصبح بلد يخرج من نزاع ليدخل بنزاع آخر”.

اقرأ أيضاً: وقفة مع شعوب منكوبة في خمس «دول» عربية

العنف ضد النساء في العراق

وبسؤالها إن كان العنف ضد النساء في العراق موجه ضد الكرديات والأيزيديات وحسب أجابت:”إن استهداف داعش الذي استخدم العنف الجنسي كأداة للتحرك طال كل النساء ولكنه كان أكثر عنفاً مع  الايزيديات والكرديات والقوقاز والشبك والنساء الشيعيات. والى الحد الان تعاني السيدات الأيزيديات من هضم الحقوق لأن الناجيات يواجهن مشاكل أخرى  فهن خرجن  من عنف يواجهن عنف من نوع آخر يتمثل في ابسط الاشياء انه لايمكنهن التمتع بالحق بالامومة. فالنساء الايزيديات لا يمكنهن الاحتفاظ بالأطفال الذين ولدوا نتيجة الاغتصاب. ذلك أن القانون العراقي يعطيهم الهوية كطفل مسلم مما يمنع المجتمع الايزيدي من قبول هؤلاء الاطفال. والواقع أن المشرع العراقي لا يستطيع الى حد الآن أن ينظر إلى حجم الأضرار رغم الانتهاكات التي حصلت في حقوق هؤلاء النساء وكيف يمكن على الاقل التعويض عليهن وأن يضمن حقوقهن وأبسطها الاحتفاظ بأطفالهن. بل على العكس من ذلك فإنه لا يرى في ذلك حقاً لهن من هنا يجب أن يتم تغيير القانون العراقي”.

السابق
النفط في أدنى مستوياته منذ 4 سنوات.. والخسائر تخطت الـ 30٪؜ !
التالي
بعد تعميم سلامة.. فوضى في سوق الصرافين وهكذا تغيّر سعر صرف الدولار!