«حزب الله» المحرج في زمن الكورونا الإيراني: الآتي أعظم؟

كورونا في ايران

لم يكن ينقص “حزب الله” سوى فيروس  كورونا يأتي الى لبنان من إيران. هل من إحراج أكثر من هذا الإحراج، أن يكون البلد الاكثر “طهارة” في عرف هذا الحزب، هو مصدر هذا المرض الذي يشغل العالم اليوم. ما حصل قد حصل، لكن الحزب، ومعه الحكومة التابعة له، تصرّفا وفق نظرية “المؤامرة” كملاذ للخروج من الاحراج. فبادرا الى التصويب على ردات الفعل الداخلية على الميوعة في الموقف الرسمي  التي رافقت المرحلة الاولى من وصول الاصابة الاولى من مدينة قم الايرانية الى بيروت، بدلاً من إتخاذ التدابير الحازمة فوراً. فهل هناك مزيد من الفشل في الاداء الرسمي برعاية الحزب يتهدد هذا البلد؟

اقرأ أيضاً: بين «كورونا» قم و«تشيرنوبل» موسكو

في معلومات من مصادر شيعية معارضة للحزب لـ”النهار” ان التوتر الذي ساد  مراجع الحزب في التعامل مع هذه القضية سببها المباشر حالة الهلع التي عمت مناطق الزوار الشيعة الذين عادوا في نهاية الاسبوع الماضي الى لبنان وبخاصة الضاحية الجنوبية لبيروت وعدد من مدن وقرى الجنوب والبقاع الشمالي.ففي هذه المناطق، عم القلق من الانباء التي تواترت عن مصابين بين هؤلاء العائدين الذين جرى السماح لهم بدخول الاراضي اللبنانية عبر مطار العاصمة في صورة إتسمت بالخفة التي لم يعرفها أي بلد في العالم يواجه حاليا حالات الفيروس. وهذه الخفة، تضيف هذه المصادر، عززت مخاوف سكان هذه المناطق التي باتت في مرمى العدوى من إنتشار محتمل للفيروس، ولا تفيدهم على الاطلاق تبريرات وزير الصحة التابع للحزب، أو إستنفار وزيرة الاعلام المثيرة للغرابة. ومن نماذج الهلع الذي إجتاح مناطق، ما جرى لسيدة مسنّة كانت في عداد الزوار وعادت الى مسكنها في مدينة بنت جبيل الحدودية فلاقت إعتراضا من عدد من السكان المجاورين لها تخوفا من أن تكون مصابة ، وهي لم تكن كذلك.

“حزب الله” على المستوى الاعلامي بدا مربكا في التعامل مع قضية تتفاعل في بيئته مباشرة. ففي المقدمة الاخبارية للنشرة المسائية الرئيسية لقناة “المنار” السبت الماضي جاء: “ليس اصعبَ من خبرِ وصولِ كورونا الى لبنانَ سوى وُصولِ بعضِ التعاطي الاِعلامي والسياسي والاجتماعي الى مستوىً معيبٍ لا يَمُتُّ الى المسؤوليةِ الوطنيةِ بِصِلَة…. وليس اصعبَ من كورونا سوى داءِ الجشعِ المتحكمِ بعقولِ وقلوبِ وسلوكِ الكثيرينَ ممن يستغلونَ كُلَ شيء… والآتي أعظم”.

وفي اليوم التالي ، أي الاحد، قالت القناة نفسها:”بدأت وزارةُ الصحةِ اِخبارَ المواطنينَ بكلِّ جديدٍ بنشرةٍ يومية ، نَظماً لسيلِ المعلومات ، ودحضاً لاخبارِ التضليلِ والتشويهِ التي امتطت سمعةَ موقعِ قناةِ المنار ومصداقيتَه المعروفةَ في محاولةٍ فاشلةٍ لزرعِ اخبارٍ مشوهةٍ واِحداثِ بلبلةٍ في عددٍ من البلدات.”

لا جدال في أن ما يواجهه لبنان من أخطار تتعلق بفيروس كورونا ، يتخطى “حزب الله”. فالاستنفار الذي أبدته منظمة الصحة العالمية عبر ممثليها في هذا البلد، جاء من باب الاحتياط من إنزلاق لبنان الى وضع يصعب معه إحتواء الاضرار .في المقابل، حذرت اوساط سياسية مما وصفته بـ”التباطؤ المريب” الذي يعتري الحكومة في إتخاذ موقف صارم في التعامل مع مصدر الاصابات، أي إيران. ودعت هذه الاوساط الحكومة الى ان تحذو حذو العراق الذي بادر  إلى إغلاق حدوده البرية مع إيران، كما أعلنت الخطوط الجوية العراقية وقف رحلاتها من وإلى إيران، خوفا من انتشار الفيروس. ومثل العراق، قامت الدول المحيطة بإيران وتحديدا تركيا وباكستان وأفغانستان بإجراءات مماثلة.وتبيّن ان الاصابات التي وصلت بالامس الى الكويت والبحرين وافدة عبر زوار الجمهورية الاسلامية.فهل تتجرأ الحكومة بإتخاذ الاجراءات الواجبة فورا وبلا إبطاء بعيدا عن “حساسية”  وزراء “حزب الله” على هذا الصعيد؟

بعيدا عن نظرية المؤامرة،لا بد من التوقف عند الخسائر المعنوية التي أوقعها الفيروس في الحزب في صورة مفاجئة. ولتقدير حجم هذه الخسائر ، يجب مقاربة الموضوع من زاوية نقيضة لما يحصل اليوم: ماذا كان فعل “حزب الله” لو ان مصدر الاصابات بالفيروس وفدت الى لبنان من الديار المقدسة في المملكة العربية السعودية التي تشهد على مدار السنة تدفق ملايين الحجاج من مختلف أنحاء العالم؟ الجواب سيكون ضجة لا مثيل لها يحدثها الحزب ورعانه في طهران، الذين سيربطون  القضية الصحية فورا بالصراع الاديولوجي بين طهران والرياض.لكن ما حدث كان غير ذلك على الاطلاق.ولم يتردد المرشد علي خامنئي ربط الاخفاق الاول من نوعه منذ تأسيس الجمهورية الاسلامية عام 1979 في إقبال الايرانيين على الاقتراع في إنتخابات مجلس الشورى الجمعة الماضي بنسبة بلغت نحو 42 في المئة، بما   ذكره عبر حسابه الرسمي على “تويتر”: “مارست الوسائل الإعلامية الأجنبية ضخها الإعلامي السلبي منذ عدة أشهر وكثفته مع اقتراب موعد الانتخابات ولم يتوانوا خلال اليومين الأخيرين عن استغلال أدنى فرصة وتحججوا بمرض وفيروس من أجل ثني الناس عن المشاركة في الانتخابات!

عنوان هذا المقال، إستوحى عنوان  “الحب في زمن الكوليرا” لرواية الكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز الحائز على جائزة نوبل. ويقول أحد أبطال الرواية: “كان الدكتور خوفينال أوربينو وعائلته حتى ذلك الحين يتصورون الموت محنة تصيب الآخرين… لكنها لن تقرب ذويهم” أما في واقع “حزب الله” الذي يقرأ لبنان روايته يومياً، عليه الاعتراف، كما قال أحد أبطال ماركيز “أن محنة الموت تصيب ذويه” الذين هم في حالة الحزب مشروعه الوافد من إيران منذ عقود.

تقول أحد وسائل أعلام الحزب “أن الاتي أعظم”. فهل الامر يقتصر على فيروس كورونا، أم يتعداه الى سائر البلايا التي أصابت لبنان منذ أشهر قليلة؟ على الحزب توضيح ما ذهب اليه، وفي الوقت نفسه ،عليه  التخلي عن نظرية المؤامرة التي لن تعينه، كما لن تعين حكومته التي تبدو حتى الان تتصرف وكأنها خيال الظل له!

السابق
«الطبقتان» السياسيّة والمصرفية
التالي
هجوم عنيف من أسود على بري.. وبزي يردّ: لا يستخرج منك الا النواقص!