بعد فك العزل… ما هي أولويات ترامب في الشرق الأوسط؟

الولايات المتحدة
ملفات عدة يمكن التحرك عبرها شرط توافر فريق عالِم بشؤون المنطقة ويساعد الرئيس على الفوز بولاية ثانية.

بعدما تمكن مجلس الشيوخ الأميركي من فك آلية العزل التي أتت بها الأكثرية الديمقراطية في مجلس النواب لمحاولة إطاحة الرئيس دونالد ترمب، يُطرح السؤال داخل الولايات المتحدة حول أولويات الإدارة الأميركية تجاه الشرق الأوسط في الأشهر المقبلة قبل انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. 

السؤال الأول هو، هل يمكن لإدارة ترمب وعلى الرغم من تغلبها على سلاح العزل أن تتخذ قراراً استراتيجياً كبيراً أو عدة قرارات في ظل الوقت القصير الفاصل عن موعد الانتخابات الرئاسية؟ إذ إن قدرة الإدارة على تصميم الخطط وتغيير السياسات وتطبيق المشاريع خلال حملة الانتخابات الرئاسية أمر غير محسوم، ويرجح مراقبون متشائمون عدم اتخاذ واشنطن أي قرارات كبرى قبل الاستحقاق الرئاسي.

أما السؤال الثاني المطروح في أروقة البيت الأبيض يتعلق باحتمال قيام الرئيس ترمب باتخاذ خطوات سريعة غير متوقعة في عدد من الملفات المفتوحة في الشرق الأوسط ليفاجئ الجميع وتحديداً خصومه السياسيين، بقدرته على تحقيق نتائج تسمح له بتعزيز أجندته في الانتخابات الرئاسية على أن يعمل على تنفيذ كامل لتلك الأجندة في حال فوزه بولاية ثانية.

اقرأ أيضاً: على هامش «صفقة القرن»

انقسام داخلي

الانقسام داخل فريق عمل ترمب ما بين الفريق الحكومي والفريق الانتخابي، في ما يتعلق باحتمال اتخاذ قرارات كبرى في السياسة الخارجية عامة والشرق أوسطية خاصة لم يُحسم بعد، فالذين يعملون في حملته الانتخابية لا يريدون للرئيس اتخاذ قرار قد يهدد مسار الحملة بحال فشله أو عرقلته، أما الفريق الآخر فيشجعه على المضي قدماً في المنطقة واتخاذ خطوات محسومة ومضمونة من شأنها تسجيل نقاط لمصلحته في الخطاب الانتخابي. فما هي الملفات التي بإمكان الرئيس الأميركي التقدم بها من دون حسمها، ولكن مع اتخاذ خطوات ناجحة في العالم العربي والشرق الأوسط.

اعتقد البعض أن طرح مشروع الحل الإسرائيلي – الفلسطيني قد يشكل بحد ذاته نقطة تعزز صورته في الانتخابات الأميركية، وربما في الشرق الأوسط، إلا أن قسماً آخر عالماً بالتعقيدات الداخلية في العالم العربي، لا سيما المعسكر المتحالف مع ترمب، يستبعد أن يتخذ حلفاء واشنطن العرب خطوات بسبب رفض القيادة الفلسطينية لخطة السلام الأميركية ومعها دول عربية عدة. فعلى الرغم من تشجيع عواصم عربية عدة على بدء مفاوضات مباشرة فلسطينية – إسرائيلية بغطاء عربي، لكن عامل الوقت غير كافٍ لقيام ديناميكية عربية – أميركية – فلسطينية – إسرائيلية قادرة على تخطي الحواجز القائمة بفعل الثقافة السياسية والتاريخية في المنطقة العربية على الرغم من الانقسام بين مؤيدي محور إيران ومناصري محور التحالف العربي. كما أن الوقت ضيق لتعبئة المعسكر المؤيد لترمب في أصعب ملف وهو الملف الفلسطيني، وعلى العكس فإن التقدم على محاور أخرى كالملف الإيراني أو مواجهة التطرف قد يشكل عاملاً مساعداً للحل الفلسطيني.

الملف الإيراني

ويعتقد البعض أن إدارة ترمب قادرة على المضي قدماً في الملف الإيراني باتجاه دعم المعارضة الإيرانية بأشكال مختلفة، مما لا يعرّض الإدارة في واشنطن لأي تحد أكبر بمواجهة الإيرانيين، لأن الوقوف إلى جانب المعارضة “لا يكلّف شيئاً”، على حد تعبير متخصصين في هذا الملف. ويبدو أن الإدارة قادرة في الأشهر المقبلة على العمل بشكل أفضل في ما يتعلق بإيران مع الأخذ في الاعتبار أن هناك مطباً وهو أن تتحرك الانتفاضة داخل إيران في اتجاه غير محسوب، ما يدفع النظام الإيراني إلى الدخول في مشروع إلهاء خارج إيران، أو عملية قمع كبرى في الداخل، وسيشكل ذلك في كلا الحالتين مشكلةً إضافيةً لا تملك الإدارة قدرةً على حسمها قبل الانتخابات، بالتالي يذهب الرئيس المرشح إلى خوض الاستحقاق الرئاسي مع ثغرة مفتوحة على الجبهة الإيرانية يستخدمها خصومه السياسيون ضده.

العراق وسوريا

الملف الآخر هو العراق، حيث يملك ترمب حافزاً، فالتظاهرات مستمرة والقوات الأميركية موجودة بقوة وتقوم بتحركات محدودة ضد ميليشيات إيران، وقد تكون هناك ثغرة يمكن من خلالها للإدارة إنجاز تغيير أسرع على الأرض، يسمح بوضع ضغط أكبر على الميليشيات العراقية ويفتح الباب أمام تمدد الاحتجاجات مع احتمال عدم تمكن السلطة المدعومة من الميليشيات من إنهاء الانتفاضة الشعبية، وهذا أمر يمكن لواشنطن القيام به ولكن في الوقت ذاته هناك احتمال يدور حول عدم تمكن واشنطن من استكمال هذا العمل الهندسي الدقيق داخل الدولة العراقية قبل نوفمبر المقبل، فعامل الوقت مهم جداً.

في سوريا، التوازن قائم بين غرب البلد الواقع تحت سيطرة نظام الأسد والقوات الإيرانية والدعم الروسي، والشمال الحدودي الواقع تحت سيطرة تركيا، والشرق حيث تسيطر الولايات المتحدة وحلفاؤها الأكراد، وحالة الـ”ستاتيكو” ثابتة مع تغيّر وحيد قد يكون في إدلب، والسؤال هنا هو، هل بإمكان الإدارة القيام بأي تحرك في سوريا لتحسين الأوضاع؟ الاحتمال موجود أولاً عبر قدرتها على تحسين ميزان القوى لصالحها على الأرض وتخفيف الخطر الإيراني وتعزيز وضع حلفائها، وفي الوقت ذاته، في حال حصلت مواجهة مع الأطراف الأخرى (النظام والإيرانيين) فهناك خطورة من عدم التمكن من ضبط الأوضاع خلال فترة الانتخابات.

لبنان وليبيا

من جهة أخرى، طرح البعض الملف اللبناني كباب يمكن لترمب التقدم من خلاله، عبر تعزيز قدرات الجيش ودعم المحتجين لكسب بعض النقاط ضد حزب الله وحلفائه في الحكومة. وهذا أمر ممكن ولكن هناك مخاطر تكمن في عدم تمكن حلفاء واشنطن على الأرض من التحرك بالسرعة المطلوبة وفي الاتجاه الصحيح، فينقلب الدعم الأميركي إلى عملية تقدم لمصلحة حزب الله.

الملف الليبي يدخل أيضاً ضمن المعادلة التي يمكن لإدارة ترمب التحرك عبرها، من خلال دعم التحالف العربي للتقدم بوجه الميليشيات، لا سيما بعد تكاثر المسلحين المتطرفين الذين نُقلوا من شمال سوريا إلى غرب ليبيا والعاصمة طرابلس، ما قد يحفز واشنطن على مساعدة أوروبا على تقليص وجودهم بوسائل مختلفة، لكن التحدي هنا ليس في التنفيذ وإنما في اتخاذ القرار في واشنطن، إذ إن إدارة ترمب كشفت أنها لم تتخذ قراراً كبيراً حيال السياسة التركية في سوريا وليبيا، وإذا قرر البيت الأبيض قيادة المواجهة ضد المتطرفين على أساس ارتباطها بتنظيمات مدرجة على لوائح الإرهاب الأميركية فسيؤثر ذلك في العلاقة العامة بين الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والتركي رجب طيب أردوغان، وهذا أمر لم يُحسم بعد.

في الخلاصة، يشير التحليل إلى أن هناك ملفات عدة بالفعل بإمكان إدارة ترمب تحقيق تقدم فيها من دون حسمها نهائياً في الأشهر التسعة المقبلة، والموضوع سيُحسم على أساس وجود خطط متكاملة والأهم وجود فريق عمل يحيط بترمب عالِم بالتحديات في الشرق الأوسط وهذا أمر لا نملك إجابة عنه، إذ أن ترمب الخارج من أزمة العزل لا يزال في بداية عملية هيكلة الدوائر المحيطة به وهذا أمر يستهلك وقتاً، وهو يريد استخدام الوقت الأكبر في السياسة الداخلية والحملة الانتخابية. إذاً العامل الحاسم للسؤال الذي طرحناه هو وجود فريق داخل إدارة ترمب يوفر له تحقيق هذه الانتصارات المحدودة في السياسة الخارجية ويساعده على إعادة انتخابه مع نهاية 2020.

السابق
الثوّار يتحدّون الصقيع.. لمواجهة حكومة دياب!
التالي
الجمهورية الفاشلة