هل يتحمّل حسان دياب الكلفة السياسة لتكليفه؟

حسان دياب

إثر قطع الأكثرية النيابية في لبنان الطريقَ إلى رئاسة الحكومة على القاضي في محكمة العدل الدولية ومندوب لبنان السابق في الأمم المتحدة نواف سلام، في محاولة لإظهار نفسها مالكة القرار والفريق الأقوى، ولاعتبار محرِّكها الفعلي “حزب الله”، الرجلَ مرشح واشنطن، رمى موفد الولايات المتحدة دايفيد هيل في وجهها بعد أقل من 24 ساعة وخلال جولة أجراها على المسؤولين اللبنانيين شملت كلًّا من رؤساء الجمهورية ميشال عون ومجلس النواب نبيه بري وتصريف الأعمال سعد الحريري، وبلغة دبلوماسية هادئة، خماسيةً تضمنت: تشكيل حكومة جديدة – وأن تتكون من اختصاصيين وليست من لون واحد – وأن تنال ثقة المتظاهرين والمجتمع الدولي – وأن تقر إصلاحات حقيقية ولا تبقيها حبرًا على ورق – ومنْع أي مساعدات للبنان قبل تطبيق الإصلاحات، فمن بعبدا أعلن هيل أن زيارته هي “للبحث في الأوضاع الحالية، وهي تعكس قوة الشراكة بين بلدينا”، وأن بلاده “لا قول لها في من ينبغي أن يتولى رئاسة الحكومة وتشكيلها”، ناصحًا بـ”ترك المصالح الحزبية جانباً والعمل في هذه الأوقات الحساسة من أجل المصلحة الوطنية وتشكيل حكومة تلتزم إجراء إصلاحات هادفة ومستدامة”، ودعا “القوى الأمنية إلى مواصلة ضمان سلامة المتظاهرين السلميين، والجميع إلى ضبط النفس، إذ لا عنف في الخطاب المدني”.

إقرأ أيضاً: «حليف» حزب الله وايران في تلة الخياط.. من هو محمد نون؟

وكان هيل خصَّ قناة تلفزيونية شهيرة بحديث حصري رد فيه على الاتهامات بدعم بلاده الثوار اللبنانيين بالقول: “لم تلعب الولايات المتحدة أي دور في تحريك الشارع، ولم يحصل أي تدخل خارجي في هذا الشأن، وقول عكس ذلك بعيد عن الواقع”. وأعلن هيل ثقته “بقادة هذا البلد، ونحن لن نتخلى عنهم، والمجتمع الدولي مستعد لمساعدة لبنان شرط إبداء المسؤولين جدية في العمل”. وقال الموفد الأميركي ردًّا على سؤال: “لم أتطرق لموضوع ترسيم الحدود مع الرئيس بري، فهو ليس أولوية على جدول أعمال زيارتي، لكني تطرقت معه إلى بعض الحوادث في الجنوب” (أفصح عنها بيان عن مكتب برّي بأنها حول خروقات القرار 1701 والمسيَّرات الإسرائيلية التي تخترق سماء لبنان وتلك التي سقطت في ضاحية بيروت). واعتبر هيل أن “من دون سياسات اقتصادية شفافة لا يمكن إنقاذ الاقتصاد اللبناني على رغم المساعدات الأميركية المتعددة”، وأن “النهوض باقتصاد لبنان هو في أيدي المسؤولين اللبنانيين وحدهم”.

ونحت فرنسا موقفًا شبيهًا بالموقف الأميركي، إذ علق بيان عن السفارة الفرنسية في لبنان على تكليف دياب بنقل رد المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية على سؤال عما اذا كان التكليف يسهل الإصلاحات المطلوبة للحصول على المساعدات الدولية، وفيه: “إن التعليق على تأليف الحكومة ليس من شأننا، والقيام بالإصلاحات عائد إلى المسؤولين، فالمعيار الوحيد للحكومة هو الكفاءة والإصلاحات”.

وكانت المدة التي فصلت بين تكليف حسان دياب الخميس وموعد الاستشارات النيابية غير الملزمة لاستمزاج آراء الكتل النيابية في شكل الحكومة السبت، شهدت رغم قِصَرها (يومان فقط، ما يُعتبر ترجمة صادقة بوعد الرئيس المكلف في تغريدة عبر “تويتر” بتكثيف الاتصالات) اشتعالًا للأرض ووسائل التواصل ومنابر المساجد على السواء، فقام خطباء الأخيرة في معظمها بشيطنة الرئيس المكلف لعدم تمثيله الطائفة السنية ميثاقيًّا وإلباسه ثوب حزب الله والأكثرية (وهو ما كان رفضه دياب في حديث لقناة خليجية قائلًا: “أنا رئيس حكومة كل اللبنانيين”) بغية إحراقه في الشوارع التي التهبت في معظم مناطق لبنان السنية على رغم مناشدة الرئيس الحريري على “تويتر” الشباب المنتفضين بالقول “يللي فعلا بحبني يطلع من الطرقات فورًا”، كما شهدت مواجهات مع الجيش اللبناني وقوات منع الشعب كان أعنفها وأشدها قوة على الإطلاق في كورنيش المزرعة ببيروت، ولفتت انتباه المراقبين بتنظيمها وشدتها وقدرتها على إدامة زخم المواجهة بالحجارة والمفرقعات النارية أربع ساعات متوالية لم تشهد أي فترات هدوء وأوقعت 9 جرحى من الجيش، كما تخللها تهديد للمحطات الإعلامية بوجوب المغادرة، فامتثلت واحدة وتم الاعتداء على أخرى فيما رفضت اثنتان أخريان وانحازتا إلى خلف القوى الأمنية وبقيتا تغطيان حتى وقت هدوء المواجهات في ساعة متأخرة من الليل.

وشهدت طرابلس أيضًا قطع طرق عدة وتدافعا مع الجيش عند محاولته فتح طريق البالما أوقع إصابات عدة، ما دفع نائب المدينة وابنتها وزيرة الداخلية ريّا الحسن إلى توجيه نداء للمتظاهرين الى ضبط النفس والتمتّع بأعلى درجات الحكمة والوعي والالتفاف حول الجيش واخلاء الطرق لدرء الأخطار والفتن، والاحتكام الى دعوة الرئيس الحريري. ولكن…..

هل سيتكرر السبت، في ظل دعوات قوى الحراك الى تأمين أكبر حشد بشري في محيط مجلس النواب وإقفال الطرقات المؤدية إليه، سيناريو تطيير الجلسة التشريعية قبل أسابيع، والتي رُمي الاتهام بعدها على قوى الأمن الداخلي بأنها لم تُحرك ساكنًا لمنعه؟ أم أن القوى الأمنية ستتصرف بطريقة مغايرة هذه المرة وتؤمن طرق مرور سيارات النواب إلى البرلمان ولو أدى ذلك إلى الاصطدام بالحشود ومنعها من إقفال الطرقات بأي ثمنٍ؟ وأي وضع أمني سيعيشه لبنان طوال ستة أسابيع أعطاها الرئيس المكلف لنفسه لتشكيل الحكومة؟

وعلى رغم أن مدة الأسابيع الستة تبدو طويلة في منظار تشكيل الحكومات في الخارج إلا أنها معقولة جدًّا في بلد كلبنان اعتاد استغراق تأليف حكوماته مددًا أطول بكثير بسبب نزاع القوى الرئيسة فيه على المحاصصة الطائفية والسياسية، ولكن هل إنقاذ الوضع الاقتصادي في لبنان يتحمل انتظار ستة أسابيع في وقت أعلنت وكالة “ستاندرد آند بورز” تعديل تصنيفها 3 مصارف لبنانية (عودة وبلوم والبحر المتوسط) من CCC إلى selective defaul، أي خانة التعثر، بعد طلب مصرف لبنان أخيرًا من البنوك دفع نصف قيمة الفوائد على ودائع الدولار بالليرة اللبنانية، ما اعتبرته الوكالة تخلفًا عن السداد، وكذلك الانهيار الاقتصادي والمالي الذي يسود البلاد ويُهدد اللبنانيين في وظائفهم ولقمة عيشهم مع أزمة سيولة حادة وشح في الدولار وقيود على حركة الأموال وارتفاع مستمر في أسعار المواد الأساسية نتيجة سنوات من الفساد والنمو المتباطئ والعجز عن إجراء إصلاحات بنيوية وتراجع الاستثمارات الخارجية؟ وهل تكتسب وعود دياب بـ”تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين وتحظى بدعم غربي كامل” كما أكد إثر تكليفه الخميس لقناة ألمانية ناطقة بالعربية، شيئًا من الواقعية في وقت يعرف القاصي والداني أن هذه المواصفات ربما كانت السبب الوحيد لإبعاد الرئيس الحريري عن التكليف؟ وما الذي اعتمد عليه دياب إثر التكليف في توقعه “الدعمَ الكامل من الأوروبيين والولايات المتحدة” واعتقاده أن الأميركيين سيدعمون حكومته “لأن هدفها إنقاذ الوضعين الاقتصادي والاجتماعي في لبنان” –كما قال- إذا كانت الأكثرية النيابية لن ترضي إلا بتمثيلها لتسهيل عملية التأليف، وهو ما لا يحوز رضى الشعب الثائر الذي اشترطه هيل لتدفق المساعدات؟ وهل سيستطيع دياب إعادة ثقة الطائفة السنية به؟ وهل بإمكانه تشكيل حكومة “تكنوقراط” مرضي عنها من الأحزاب وإقناع الحراك بها أو الحصول على ثقة الخارج بها؟ والأهم من كل هذا وذاك وذلك، هل سيقدر دياب “الطيب” طري العود في السياسة اللبنانية ورمالها المتحركة الوصول إلى رؤوس مغاور الفساد ونهب المال العام وتحدي مرجعياتهم السياسية في الطبقة الحاكمة، دهاقنة الأحزاب “الأشرار” الذين عاثوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، ولا يزالون؟ أم أن كل ما يجري هو مؤامرة حبكها “الأشرار” لكشف قادة الحراك تمهيدًا لإيقاع الخُلْف بينهم والقضاء على ثورتهم؟

أسئلة ملحة والإجابة عنها أكثر إلحاحًا، ولا يقدِّمها سوى مسار تحرك الرئيس المكلف في الأيام المقبلة؟ 

السابق
بالفيديو.. «مندسّون» في ساحة الشهداء!
التالي
من قلب ساحة التحرير.. تحيّة للثورة اللبنانية