بيروت تشهد أعنف المواجهات… وحزب الله ينفذ خطة «شارع مقابل شارع»

لبنان ينتفض
اللبنانيون يعودون إلى قطع الطرق ردا على المماطلة بتشكيل حكومة اختصاصيين.

في اليوم الأربعين للانتفاضة، دخل لبنان فجر الاثنين في مرحلة حساسة جداً. ففي حين توالت دعوات إلى الإضراب العام، يبدو أن مناصري حزب الله وحركة أمل (الثنائي الشيعي)، انتقلوا إلى خطة “شارع مقابل شارع”، وكالمعتاد هاجموا المتظاهرين السلميين، واستعملوا الحجارة وكيل الشتائم، فسقط 10 جرحى، وفق حصيلة أولية أعلن عنها الدفاع المدني اللبناني.

فقبيل منتصف الليل وصلت مجموعة من الشبان الموالين لحزب الله وحركة أمل إلى جسر الرينغ في وسط العاصمة بيروت، حيث وقعت مواجهات بالأيدي بينهم وبين بعض المتظاهرين، وسارعت قوات الأمن إلى الفصل بينهم. 

ومع تفاقم الوضع بسبب رمي المجموعة المهاجِمة الحجارة، وصلت قوة من الجيش للفصل بين الطرفين. وعند الثالثة فجراً بتوقيت بيروت بدأت القوى الأمنية بإطلاق قنابل مسيلة للدموع، في محاولة لتفريق “الشارعين” المتقابلين. واستغل مناصرو حزب الله وحركة أمل عمليات “الكر والفر” للتسلل مرة جديدة إلى ساحة رياض الصلح المجاورة، وحطموا خيم المتظاهرين السلميين التي ينظمون فيها ندوات فكرية وحوارات سياسية.

إضراب عام

ومنذ مساء امس الاحد، عاد المحتجون اللبنانيون إلى الشارع تزامناً مع دعوات الى إضراب عام صباح اليوم الإثنين، وقطعوا الطرقات في وسط بيروت، والطريق السريع في منطقة جل الديب – أنطلياس والزوق (شمال بيروت)، إضافة إلى طريق عام المرج وتعلبايا ومستديرة كسارة في زحلة وجب جنين وسعدنايل وجديتا وقب الياس في منطقة البقاع، وفق غرفة التحكم المروري التابعة لقوى الأمن الداخلي اللبناني، وذلك بسبب مماطلة رئيس الجمهورية ميشال عون في الدعوة إلى الاستشارات النيابية الملزمة التي يُفترض أن تؤدي إلى تكليف شخصية (من الطائفة السنية وفق العرف في لبنان) لتشكيل الحكومة في بلد يقف على شفير انهيار اقتصادي تام بعد ارتفاع سعر صرف الليرة بشكل كبير مقابل الدولار ووضع المصارف اللبنانية ضوابط مشددة وسقوف منخفضة على المبالغ المسموح سحبها من حسابات المواطنين الشخصية سواء بالعملة المحلية أو الصعبة.
وكانت مجموعات من المتظاهرين دعت على مواقع التواصل الاجتماعي إلى العصيان المدني يوم الإثنين بهدف تكثيف الضغط على الحكم.

اقرأ أيضاً: «شعب السفارات».. طوبى لكم!

“أحد التكليف”

وكان اللبنانيون شاركوا خلال نهار الأحد تحت عناوين مختلفة كـ”أحد الحرية” و”أحد التكليف”، لليوم الـ39 للانتفاضة في تجمعّات احتجاجية في مختلف المناطق، متمسّكين بمطلبهم تشكيل حكومة اختصاصيين تخلو من السياسيين الذين يتّهمونهم بالفساد، ويحمّلونهم مسؤولية تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية والنقدية في لبنان، بينما ينكفئ رئيس الجمهورية ميشال عون، بعد أكثر من ثلاثة أسابيع على استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، عن الدعوة إلى استشارات نيابية لتكليف رئيس حكومة جديد.

تجمّع أمام السفارة الأميركية

في منطقة عوكر، تجمّع عددٌ من المحتجين أمام السفارة الأميركية رفضاً للتدخلات الخارجية بشؤون البلاد و”الدور الأميركي الفاعل في تعميق الأزمة الاقتصادية اللبنانية”، خصوصاً بعد الإفادة التي قدّمها السفير الأميركي الأسبق في بيروت جيفري فيلتمان أمام الكونغرس عن التطورات اللبنانية.

وانتشر الجيش بكثافة عند المداخل المحيطة بمنطقة عوكر، وقطع الطريق أمام السيارات على مسافة بعيدة نسبياً من ساحة الاعتصام، وحاول بعض المتظاهرين من شبان الأحزاب اليسارية قطع الأسلاك الشائكة من أمام السفارة.

أحد التجمّع على النقاط البحرية

وعلى كورنيش عين المريسة في بيروت، احتشد عشرات المتظاهرين في “أحد التجمّع على النقاط البحرية” لتأكيد حق اللبنانيين في الإفادة من الشاطئ ورفضاً للأملاك البحرية غير الشرعية.

ورفع المتظاهرون الأعلام اللبنانية وسط أجواء من الفرح وحلقات الدبكة والرقص وافتراش الرصيف من قِبل العائلات التي أتت مع أطفالها إلى الكورنيش، إذ تناولوا “الترويقة اللبنانية”، ونصبوا بعض الخيم.

مواصلة التحركات في مرج بسري

وبين أشجار الصنوبر والسنديان والحمضيات في منطقة مرج بسري جنوب شرق العاصمة، شقّ مئات المواطنين طريقهم وهم يهتفون بصوت واحد ضدّ مشروع إقامة سد على أراض زراعية غنية.

ومنذ التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني)، باشر ناشطون بيئيون وأهالي المنطقة سلسلة تحرّكات ضدّ المشروع الذي يعود عمره إلى سنوات، رافعين احتجاجات اقتصادية وبيئية عليه.

وفي وقت سابق هذا العام، أُغلقت مداخل المنطقة المزمع بناء السدّ فيها أمام المواطنين، وانطلقت عمليات قطع الأشجار تهييئاً للمشروع، لكن بعد سلسلة اعتصامات وتظاهرات فتحت القوى الأمنية المدخل إلى المنطقة، حيث نصب المعتصمون خيمتين.

كما شهدت العديد من المناطق تحرّكات احتجاجية، منها في البقاع وطرابلس وجونية والناعمة وصيدا وصور وكفرشوبا. 

غضب إثر توقيف قاصرين مزقوا لافتة

وعند الساعة السادسة مساء السبت، أوقفت القوى الأمنية خمسة شبان، بينهم ثلاثة قاصرين، في منطقة حمانا شرق بيروت لإزالتهم لافتة للتيار الوطني الحر الذي يتزعمه رئيس الجمهورية، قبل أن تعود وتفرج عنهم عند الساعة الثانية والنصف فجراً إثر موجة انتقادات غاضبة على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأوضح الجيش، في بيان، أنه تسلّم الموقوفين الخمسة، وبينهم اثنان في الـ15 من العمر، وآخر في الـ12 من العمر، من شرطة بلدية حمانا قبل أن يسلّمهم إلى قوى الأمن الداخلي.

دعوات لـ”أحد التمزيق”

وأثارت القضية غضب الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، وكتب أحدهم “يسقط نظام يعتقل الأطفال”، وعلّق آخر “حين يهز طفل في الـ12 من العمر عرش الدولة، اعرف أن الدولة فاسدة”.

وإثر الحادثة، تداول ناشطون دعوات للمشاركة في تظاهرة الأحد تحت عنوان “أحد التمزيق” لإزالة اللافتات في مختلف المناطق اللبنانية.

وخلال أسابيع من الحراك الشعبي، أوقفت القوى الأمنية عشرات المتظاهرين قبل أن تطلق سراحهم، وبدت آثار ضرب على عدد منهم، ووثّقت لجنة المحامين خلال الشهر الأول من التظاهرات توقيف 300 شخص، بينهم 12 قاصراً، قبل إطلاق سراحهم خلال 24 أو 48 ساعة من توقيفهم، لكن لا تزال مجموعة من 11 شخصاً، بينهم قاصران، موقوفين في قضية اقتحام فندق في مدينة صور خلال الأسبوع الأول من الاحتجاجات.

الراعي يهاجم السلطة ويدعم المحتجين

في المواقف السياسية، انتقد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، في خطبة قداس يوم الأحد، افتقاد “أصحاب القرار السياسي” في لبنان لـ”شجاعة القرار الحر السيد المستقل”، إذ إنهم “غير قادرين على اتخاذ القرار الشجاع لصالح لبنان وشعبه، لأنهم ما زالوا أسرى مصالحهم ومواقفهم المتحجرة، وارتباطاتهم الخارجية وحساباتهم”، حسب قوله.

وفي المقابل، امتدح الراعي شجاعة الشعب اللبناني وشبابه وصباياه في قرارهم بالمطالبة “بإجراء الاستشارات النيابية وفقاً للدستور، وتشكيل حكومة جديدة بأسرع ما يمكن، توحي بالثقة وتباشر الإصلاح ومكافحة الفساد وإدانة الفاسدين، واستعادة المال العام المسلوب إلى خزينة الدولة، وإيقاف الهدر والسرقات”.

وأشاد برفض اللبنانيين “أنصاف الحلول والوعود الكلامية”، التي أوصلت الدولة إلى “الإفلاس”، والشعب إلى “الفقر والجوع”، والشباب إلى “الهجرة”.

السنيورة: رئيس الجمهورية يخالف الدستور

وحتى الآن، لا يزال تأليف الحكومة الجديدة رهن التجاذبات السياسية بين فريقين، أوّل يضمّ التيار الوطني الحر وحزب الله وحركة أمل وحلفائهم ويصرّ على تأليف حكومة تكنو – سياسية تجمع وزراء يمثلون الأحزاب وآخرين يمثلون الحراك، وثان يضمّ تيار المستقبل والقوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي وحلفائهم إلى جانب الحراك الشعبي، ويطالب بإنشاء حكومة من اختصاصيين تنقذ البلد من أزمتهم الاقتصادية والمالية.

وتعليقاً على تأخّر عون في الدعوة للاستشارات النيابية، رأى عضو تيار المستقبل ورئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، في حوار مع قناة “الحدث”، أن “رئيس الجمهورية لم يقم بأي مبادرة لدعوة المجلس النيابي إلى الاستشارات الملزمة، بل على العكس، نراه يخالف الدستور بداية بإجراء مشاورات هي من واجبات الرئيس المكلف، وبالتالي هناك تعدّ على صلاحيات الرئيس المكلف وعلى صلاحيات المجلس النيابي بعدم إجراء الاستشارات، وهذه جميعها مخالفات دستورية”.

حزب الله يحمّل الأميركيين المسؤولية

وزير الشباب والرياضة في حكومة تصريف الأعمال محمد فنيش، المنتمي إلى حزب الله، حمّل بدوره الأميركيين “مسؤولية ما يحصل في لبنان بشكل كبير، وذلك من خلال العقوبات التي أصابت البلاد، ومن خلال الضغط علينا لنقبل بتسوية مع العدو الإسرائيلي في موضوع ترسيم الحدود، ومن خلال الضغط على المصارف وعلى تحويلات اللبنانيين، ومنع الإرادة السياسية اللبنانية، عبر بعض الفرقاء، من أن يكون هناك استفادة من جهات حاضرة لدعم لبنان”.

السابق
على متنها 14 ألف خروف.. إنقاذ 22 سوري بعد انقلاب سفينة شحن
التالي
المريض الإيراني والعراق