ليس دفاعاً عن سعد الحريري

سعد الحريري
..."ما ضل حدا بالبلد ما بل إيدو برفيق الحريري"، هذه الجملة التي قالها الرئيس الشهيد رفيق الحريري في إحدى إطلالاته التلفزيونية، لا زالت تصلح للأسف عند الحديث اليوم عن إبنه ووريثه السياسي الرئيس سعد الحريري.

فالرئيس سعد الحريري الذي قست عليه الأقدار بالشخصي أولا عندما حرمته من والده بطريقة مأساوية مفاجئة، وبالعام ثانيا عندما وضعته فجأة في أتون معركة من أشرس المعارك السياسية في بلد يختلط فيه حابل الداخل بنابل الخارج، وفي موقع كموقع رفيق الحريري بما يمثله من ثقل داخلي وبعد إقليمي وإمتداد دولي، تعرض منذ توليه المسؤولية لمصاعب تنوء بحملها الجبال في مواجهة خصوم الداخل مدعومين بحلفاء خارجيين من أشرس الخصوم وأخطرهم بحيث لم تكن المعركة سياسية فقط بل كانت أشبه بحرب إلغاء جسدية شنت على قادة ومسؤولي المكون السياسي الذي قاده الحريري والمتمثل بقوى الرابع عشر من آذار.

اقرأ أيضاً: سعد الحريري أيوب لبنان

خاض الحريري المواجهة مدعوما ومحاطا بحلفاء أكثر منه خبرة وأقوى شكيمة وتمرسا بمواجهة النظام الأمني اللبناني – السوري وكان على رأس هؤلاء الحلفاء رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، ورفيق درب والده الرئيس فؤاد السنيورة بالإضافة إلى شخصيات مسيحية سياسية بارزة إجتمعت في لقاء قرنة شهوان، مدعومين جميعهم بطيف واسع من المثقفين اللبنانيين والصحفيين والشخصيات الذين خاضوا المعركة كل من موقعه في قيادة حركة الشارع كان على رأسهم الشهداء سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني.
نجحت المواجهة مدعومة بمناخ دولي ضاغط في فرض إنسحاب القوات السورية من لبنان أولاً، وفي إسقاط رموز النظام الأمني اللبناني، وفي تشكيل لجنة تحقيق دولية، وسمحت بإعادة العماد ميشال عون من المنفى وإخراج الدكتور سمير جعجع من السجن، وصولا إلى تشكيل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لمحاكمة قتلة الشهيد رفيق الحريري ورفاقه وغيرهم من شهداء ثورة الأرز والتي أتت بعد معارك سياسية وضغوطات في الشارع من قبل قوى الثامن من آذار التي كانت قد نجحت في شق صفوف قوى الرابع عشر من آذار عبر ورقة التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر بقيادة ميشال عون، والتي أغلقت البرلمان وإنسحب ممثلوها من حكومة فؤاد السنيورة في محاولة لمنع قيام المحكمة الدولية.

في هذه الأثناء كان الرئيس سعد الحريري يتعرض لشتى أنواع الإتهامات وخاصة من قبل التيار الوطني الحر الذي بات رأس حربة قوى الثامن من آذار في الهجوم عليه والتي لم يسلم منها الحريري الأب الشهيد وكان الحديث عن الإبراء المستحيل، وكل هذا بحجة الإصلاح والتغيير والدفاع عن حقوق المسيحيين المهدورة بنظره والمطلوب إستعادتها من السنة إلى أن كانت أحداث 7 أيار 2008 في بيروت والجبل والتي أدت إلى إتفاق الدوحة وكان أن أعاد وليد جنبلاط بعد الإنتخابات النيابية تموضعه السياسي فإنسحب من قوى الرابع عشر من آذار وإتخذ لنفسه موقع الوسط في الوقت الذي تسلم فيه سعد الحريري رئاسة الحكومة لأول مرة وإستمر الصراع السياسي ودخل طورا جديداً وبات كل طرف يبحث عن مكاسب له ومقاعد وزارية تخوله إيجاد موطئ قدم له في السلطة خاصة الطرف المسيحي مع دخول التيار الوطني الحر جنة السلطة وبدأت المزايدات ما جعل قوى الرابع عشر من آذار تبدو وكأنها بدأت بالتفتت مع ضعف موقع سعد الحريري ومعه طبعا الطائفة السنية بعد إتفاق الدوحة رغم كسبه للإنتخابات وما تبعها من محاولة إحياء معادلة السين_سين وزيارة سعد الحريري لسوريا ، ومع خروج وليد جنبلاط من هذه القوى مقابل تكاتف قوى الثامن من آذار وإلتحامها بقيادة حزب الله ما سهل عليها إفشال المبادرة السعودية وما تلاها من فرط لحكومة الحريري وهو في البيت الأبيض وكان ما كان من خروج الحريري من لبنان.

عاد الحريري بعد غياب دام حوالي الثلاث سنوات تحت عنوان ربط النزاع مع حزب الله وكانت الأزمة السورية في أوجها وشكلت حكومة جديدة برئاسة تمام سلام أمنت سد الفراغ في رئاسة الجمهورية بعد إنتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان والفشل في تأمين إنتخاب البديل بسبب إصرار حزب الله على إنتخاب العماد ميشال عون رئيساً، وتعقدت الأمور وخاصة مع التدخل الروسي في سوريا والتدخل السعودي في اليمن ما غير المشهد الإقليمي بالكامل، ما حدا بالحريري مرة أخرى للعودة إلى لبنان حاملاً معه هذه المرة ورقة التفاهم على سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية وهو الأمر الذي أزم علاقته بحليفه المسيحي القوات اللبنانية التي قامت بدورها بإبرام إتفاق معراب مع التيار الوطني الحر مزيلة بذلك أكبر العقبات من أمام إنتخاب ميشال عون للرئاسة فكان أن إتجه الحريري لعقد تسوية أيضا مع التيار الوطني الحر أنتخب بموجبها ميشال عون رئيسا على أن يكون سعد الحريري رئيسا للحكومة طيلة سنوات العهد.

بعد هذه التسوية بات الحريري في مرمى سهام كل الأطراف السياسية تقريبا ، بصفته رئيسا للسلطة التنفيذية فبات كلما إختلف طرفان سياسيان صوبا على سعد الحريري، فإذا إختلفت القوات مع التيار كان الهجوم من نصيب الحريري، وإذا إختلف جنبلاط مع العهد كان الهجوم الجنبلاطي من نصيب الحريري، وإذا صرح جبران باسيل تصريحا مستفزا عن السنية السياسية، كان الهجوم السني ينطلق بإتجاه الحريري ومن قلب بيئته وحتى بيته السياسي، نفتح هنا قوسين لنقول أن الطرف الوحيد الذي يحق له العتب على سعد الحريري هو المكون الشيعي السيادي الحر الذي كان في الصفوف الأولى في المواجهة مع الطرف الآخر مع ما حمله ذلك من مواجهة مع بيئته المذهبية ومع ذلك ُتُرك ضحية للتفاهم الرباعي وغيره من التفاهمات التي اتت لاحقا مع الطرف الشيعي الآخر الذي كان يقود المعركة ضد الحريري مع أن حزب الله لم يفعل الشيء نفسه مع المكون السني في فريقه السياسي، نغلق القوسين لنتابع ونقول يحدث كل هذا في الوقت الذي يعترف الجميع بأن لا بديل عن سعد الحريري كرئيس للحكومة، فبات هو الخصم والحكم في نظر الجميع وكأني بهذه الاطراف السياسية تريد من سعد الحريري أن يخوض معاركها السياسية في وجه خصومها السياسيين وإلا يكون فاسدا ومستغلا التسوية السياسية لمحاصصة مع تيار العهد، أو كأنه “كاريتاس” سياسي يوزع مساعداته على غيره، ومن المفارقات أن الطرف الوحيد الذي لا يصوب مباشرة على الحريري مع أنه هو مايسترو الحياة السياسية اليوم في لبنان، هو حزب الله مع أن إعلامه والدائرين في فلكه لا يوفرون مناسبة إلا ويصوبون عليه حتى بات يصح فيه القول وصرت إذا أصابتني سهام تكسرت النصال على النصال، ولعل السهم الأكبر الذي أصابه مؤخرا ما نشرته نيويورك تايمز عن علاقته بعارضة أزياء جنوب أفريقية وهو ما أوحى بأن الضرب بات تحت الحزام. والمثير أيضا أن المعارضين للحريري من داخل بيئته السياسية في الوقت الذي يتنمرون ويزايدون عليه بالنسبة لحقوق الطائفة وصلاحيات رئاسة الحكومة، فإنهم لا يقومون بأي جهد سياسي مثلا للتكتل ومحاولة الحلول مكانه لإصلاح ما يمكن إصلاحه وهو ما يمكن أن يفسر أنهم عاجزون عن فعل هذا في الوقت الحاضر، أما أن المطلوب فقط هو إضعافه وليس تغييره ليصبح أكثر طواعية وبذلك يكونوا منخرطين في لعبة قذرة بإسم الدفاع عن حقوق الطائفة.

اقرأ أيضاً: مشكلة لبنان سعد الحريري

لا نقول هذا دفاعا عن سعد الحريري وسياسته، مع أن الدفاع عنه ليس بنقيصة، ولنا أكثر من مأخذ ربما على التسوية الرئاسية وطريقة إدارتها ولكننا في المقابل ليست لدينا المعطيات كلها التي يتصرف على أساسها سعد الحريري، لذلك نحاول أن نكون موضوعيين وأن نوفي الرجل حقه في غياب أي بديل معقول ينتشل البلد مما هو فيه، والدليل أن الجميع في البلد يقر بأن لا بديل له في الوقت الحاضر وأنه رغم كل المثالب التي قد تكون في السياسات المتبعة إلا أنه يبقى صمام أمان للبلد في منطقة تغلي بالمتغيرات على سطح صفيح ساخن، والرجل يجوب البلاد بحثا عن دعم مطلوب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في الوقت الذي يقوم غيره بعرقلة كل خطوة أو فرصة ممكن أن يستفيد منها لبنان من خلال تهجمه الغير مبرر ولا المسؤول على دول كان لها دوما أيادٍ بيضاء على البلد، ومع ذلك يهاجمونه في إعلامهم  ويصفون ما يقوم به من محاولات لجلب الإستثمارات بـ”التسول” وهذا ما يعيدنا لقول الشهيد بأنه ما ضل حدا بالبلد اليوم ما بل إيدو بسعد الحريري… الذي يريدونه أن يكون الخصم الضعيف والحَكَم  القوي في الوقت نفسه فيما بينهم وهي مهمة ليست سهلة أبدا في بلد معقد ومركب كلبنان.

السابق
ازمة خبز تلوح في الأفق.. انخفاض خطير باحتياط القمح!
التالي
اعتقال شبيهة «أنجلينا جولي» في إيران.. وهذه هي التهمة!!