صعود وهبوط مستوى المسلمين.. السيد محمد حسن الأمين: لإعادة الإعتبار للنزعة العقلية في الفكر الإسلامي

السيد محمد حسن الامين
عايشتم مراحل متنوّعة لواقع المسلمين، كيف تصفون واقعهم اليوم، بين التطور والانحطاط؟

يجيب سماحة المفكر العلامة محمد حسن الأمين: أوافق على القول أنّ الفكر الإسلامي والاجتماع الإسلامي خلال القرن الأخير شهد كثيراً من العناصر الإيجابية في تكوينه الاجتماعي والديني، ولكن ليس بالدرجة نفسها التي حدثت في القرن التاسع عشر وفي القرن العشرين إلى الأمم المتقدّمة المسمّاة بالعالم الأول، وبهذا المعيار فإنّي كمسلم أرى أنّنا ما زلنا في درجة من التراجع، وضرورة مضاعفة الجهود لإنجاز العمليّة الجوهرية الأساسيّة التي تكلّمت عنها كثيراً، وهي عملية التجدد الحضاري للعالم الإسلامي، وعندما أتحدث عن التجدد الحضاري فأنا أعني ضرورة مكافحة الفراغ الزمني الطويل بين واقع الأمّة الإسلاميّة وتحديداً قبل الغزو المغولي لبلاد المسلمين ومقدّمات هذا الغزو، حيث شهدت الحضارة الإسلاميّة ازدهاراً متفوّقاً على مستوى العالم كلّه، وبين واقع المسلمين اليوم، الذي لا يمكن قياسه بالإنجازات الحضاريّة والمدنيّة التي حقّقتها شعوب أخرى، لم تكن تملك مثل حضارة المسلمين، بل هي أخذت عن حضارة المسلمين علومهم وإبداعاتهم، ما مكّنهم من أن تستولد ما نسميه بعصر الأنوار، وما رافقه من تطوّرات مذهلة في العلوم والصناعات وحتى في العلوم السياسيّة، وتطبيقاتها الهامّة.

اقرأ أيضاً: مشروع التجدد الحضاري

إذن، فإنّ واقع المسلمين الراهن مدعو إلى أمرَين:

أحدهما: التواصل مع التراث الحيّ الأصيل للمسلمين في الفلسفة والفقه والعلوم الإنسانية، والطموح إلى التواصل مع الإنجازات الصناعية في عصر الحضارة الإسلاميّة من جهة، ومدعوّون إلى الاستفادة من تجربة الغرب في مجال التقدّم. وهنا لا بدّ لي من القول أنّ هذه المهمة تستوجب أن يرافقها تهيؤ حازم للتعامل مع التراث الإسلامي بمنهجية نقديّة صارمة وحازمة، انطلاقاً من أنّ التراث الإسلامي ليس هو الإسلام نفسه، وإنما هو الدائرة المعرفية التي ساهمت في إنتاجها العقول البشريّة من خلال فهمها للإسلام من جهة، ونظرتها إلى العالم والكون والإنسان، في ضوء مفاهيم تقليديّة وربما أسطوريّة في كثير منهما.

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: كفى «شعوذة» لشعائر عاشوراء

إنّ نظريتي في هذا الأمر تستند إلى أنّ علينا أنّ نأخذ الشعلة من نار التراث وأن نعاف الرماد، فهناك شعلة حية ما زالت قادرةعلى مدّ الطموح الإسلامي، وهناك بقايا من الرّماد، الذي انطفأ في التاريخ ولم يعد يملك هذه الشعلة المضيئة، وأبرز ما اقترحته في هذا المجال هو إعادة الاعتبار للنزعة العقليّة في الفكر الإسلامي التي تجلّت بعض مذاهبها في عصرنا الحديث خصوصاً في عصر النهضة الأخيرة، في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، والتي مثّلتها رموز متعددة، ولكنها بكل أسف تراجعت. ومنذ أكثر من عقدَين ـ أو ثلاثة ـ بدأت محاولات جديدة لقراءة الفكر الإسلامي، قراءةً إبداعية مختلفة، ولكنها ما زالت في بداية الطريق، وإنّنا نعوّل على تطور هذه النزعة الجديدة، لأنّنا نؤمن بأنّ عملية التجدد الحضاري التي ننادي بها، هي عملية فكريّة بالدرجة الأولى، وليس تخلف المسلمين الراهن كما نرى يأتي بسبب فقدان عناصر الثروة البشرية والمادية، بقدر ما هو تخلف ناجم عن تهميش دور العقل بحجة الوفاء للوحي وللإيمان بالغيب.

الإسلام في نظرنا هو للكائن الإنساني في أن ينجز وجوده الفاعل والمؤثر على هذه الأرض، لكي يستحقّ الخلافة الإلهية التي هو منذور لها.

(من كتاب “أمالي الأمين” للشيخ محمد علي الحاج)

السابق
العميل فاخوري «صنيعة» إنزلاق ضابط وإستعلاء سياسي
التالي
تزامناً مع حلول الذكرى الـ37 لمجزرة صبرا وشاتيلا.. مهنا يعلن عن إنشاء مركز تضامني – توثيقي لمجزرة صبرا وشاتيلا بالتعاون مع عائلات الضحايا