جون كيري.. الشاهد على «دبلوماسية» الاضطراب في الشرق الأوسط

جون كيري
حملت الطّبعة العربية للكتاب الصّادر مؤخراً لوزير الخارجية الأميركية، والسيناتور السابق جون كيري، عنوان: "كل يوم هو إضافة"، (من منشورات "شركة المطبوعات للتوزيع والنشر" في بيروت – الجناح، شارع زاهية سلمان/ مبنى مجموعة تحسين الخياط، وفي (طبعة أولى 2019)).

وهذا الكتاب الذي يتألف من مجلد ضخم يبلغ عدد صفحاته الـ658 صفحة من القطع الكبير، هو شهادة مفصّلة حول السياسة الأميركية وسنوات الاضطراب في الشرق الأوسط، بقلم جون كيري، السياسي الأميركي الذي قضى ثلاثين عاماً سيناتوراً في مجلس الشيوخ الأميركي، وأربعة أعوام وزيراً للخارجية في عهد أوباما، وترشح قبلها عن الحزب الديمقراطي للرئاسة في وجه بوش الابن.
كتاب ثري بالمعلومات والآراء، مزج فيه كيري بين حياته الشخصية الحافلة متناولاً طفولته وتاريخ أسرته وزيجاته وأولاده وإصابته بالسرطان، وبين حياته العامة بدءاً بحرب فيتنام وانتهاء بالحرب السورية.

اقرأ أيضاً: مارغريت دوراس الدَّاعية إلى تدمير كل ما «يُدمِّر».. المعرفة

تميز بنقل الوقائع بالتفصيل الدقيق، جرّاء استناده إلى مذكراته اليومية على مدى طويل، وإلى فريق عمل تمكن من تزويده بوثائق سرية عن مختلف القضايا الساخنة.
استعرض المفاوضات الأميركية – الإيرانية بشأن نزع الأسلحة النووية، بوساطة عُمانية، وتكلفتها الباهظة، من سهر وحوارات مضنية وإحباطات، حتى توقيع الاتفاقية، مشيراً إلى دوره البارز في إنجاحها.
تحدث عن علاقاته المتناقضة برئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو: من تودد ملموس له إلى غضب شديد عليه، لتسريبه مقترح الهدنة الإنسانية، ولوضع العقبات في مسار الحوار الفلسطيني – الإسرائيلي، والتراجع غير المبرر عن قرارات اتخذها، إلى درجة وصفه بالمهزوز. عرَّج على دوره في مفاوضات إزالة الأسلحة الكيميائية من سورية بوساطة روسية، وموقفه من سياسة النظام في سورية، ولقاءاته بالرئيس بشار الأسد، ومحادثات السلام مع إسرائيل لاستعادة مرتفعات الجولان السورية.
أشار إلى أنه هو مهندس اتفاقية باريس العالمية للمناخ، وإلى ديبلوماسيته التي روّضت الدول الرافضة بإصرار. أبدى آراء صريحة في كثيرين من زعماء العالم وشخصياته الفاعلة في تاريخه ولا سيما ترامب، وتحدث عن حرب فييتنام وموقفه منها وتأثير ذلك على فشله في الانتخابات الرئاسية.
قال جون كيري كل شيء، معبّراً في النهاية عن ندمه على ثلاث: تصويته عام 2002 من أجل خوض أميركا حرب العراق؛ اختياره جون إدوارد نائباً له في انتخابات العام 2004؛ عدم دفعه أوباما لاتخاذ مواقف أكثر حسماً في الحرب السورية.

ولقد صدَّر كيري كتابه هذا بالمذكّرة التالية، التي يقول فيها: “كل يوم هو إضافة”، هذه العبارة ليست مجرّد تبيان للواقع؛ إنها سلوك ووجهة نظر حيال الحياة. هي تعبير يوجز الشعور الذي اعترى مجموعة من الرجال الذين خدمتُ إلى جانبهم في فييتنام، بعد أن عادوا منها إلى ديارهم أحياء. إنها الاعتراف بتلقّي هدية ومواجهة لغز في آن. فلسفة عاشها أشخاص كان محتملاً أن يموتوا يوماً ما، لكنهم نجوا، بينما قضى كثير من الرجال الطيبين. إنها التعبير عن الامتنان للبقاء على قيد الحياة، في حين لم يتمكن آخرون من ذلك. وهي العهد بقبول مسؤولية عيش حياة مكرّسة في سبيل هدف. وهي اعتراف بأننا، نحن الناجين، وخلافاً لكثيرين قضوا، قد عشنا أيامنا الإضافية على نحو أفضل، من خلال الاستمرار في الإخلاص لذكرى الإخوة الذي بُترت أيامهم بشكل مأساوي. أخيراً، تعني عبارة “كل يوم هو إضافة” العيش مع حقيقة محررة، هل إدراكنا أن ثمة أشياء أسوأ كثيراً من خسارة في خصومة أو في انتخابات. قد يكون أسوأ الأشياء، إضاعة هدية يوم إضافي، في التنحّي، وعدم الاكتراث لمشكلة ما. هذا الكتاب، هو قصة رحلتي المستمرة مع العرفان لهدية أيامي الإضافية.
ومما يقوله المؤلِّف في خاتمة الكتاب: أنا متفائل لأن أميركا تملك سجلاً طويلاً يمتد إلى 242 سنة، من تحويل المراحل الصعبة إلى تقدُّم تاريخي، وأنا متفائل بفضل الأشخاص الذين التقيتهم، وبفضل ما علّمتني إياه الحياة.
كيف لا أكون، وقد بدأت خدمتي للبلد في حرب، حرب مريرة، أتلفت نسيج أميركا وكادت تمزّقه؟! لقد أنهيت آخر دور في خدمتي للبلد بمهمة سلام. في الشهر الأخير من خدمتي كوزير للخارجية، عدت إلى فييتنام مرة أخرى، إلى دلتا الميكونغ، حيث الأنهار التي كنت أقوم فيها بدوريات قتالية، والتي غدت اليوم أنهاراً تحميها الولايات المتحدة من التدهور البيئي.
على نهر باي هاب، حيث رأيت الموت وجهاً لوجه قبل ثماني وأربعين سنة، وحدّقت إلى فوّهة قاذف صاروخي فييتنامي من طراز كونغ 40-B، التقيتُ مجدداً رجلاً كانت مهمته قتلي وقتل طاقمي ذلك اليوم من سنة 1969، كنا في العمر نفسه. كان قصيراً وعروقه ظاهرة، وكان جسمه خالياً من أي شحم. كانت السنون والمحن قد رسمت على وجهه خطوطها، لكنها كانت ترتسم ابتسامة مرحّبة لا تشوبها مسحة كراهية أو ضغينة. نظرت إليه وقلت: “يا لهذا الجنون”! قبل سنين طويلة، عندما كنا شابين، كان كلانا يستجيب لنداء قادته، محاولاً قتل الآخر، لكننا الآن، نقف بسلام، سلام كان لي دور صغير في جعله حقيقياً من خلال إحلال السلام في بلدي أولاً… إذا كان ذلك لا يجعل منك شخصاً متفائلاً، فما من شيء يستطيع أن يفعل.
ذلك هو السبب الذي دفعني إلى تأليف هذا الكتاب.

اقرأ أيضاً: «مرايا الشمس»: شعر للناشر محمد حسين بزّي

لمَ هذا الكتاب؟ ولمَ الآن؟ ليس لأنني لم أعد وزيراً للخارجية أو سيناتوراً، بل لأن القضايا التي حددت شكل حياتي حتى اليوم، لم تكن قط محفوفة بالمخاطر كما هي اليوم. فديمقراطيتنا موضع شك وجدل. لكنني لا أزال أثق بقدرتنا على استعادتها، فديمقراطيتنا حية، بقدر ما ينبض بالحياة كل شخص يعيش فيها. إنها متغيرة باستمرار، تتطور وتُعيد اختراع نفسها. لكن عافيتها تتوقف على إرادة المواطنين في إبقائها حية. إن قوة الولايات المتحدة ليست مشتقة من حزب، ولا من قائد، ولكن من مورد طبيعي متجدد حقاً، بل من تصميم مواطنينا والتزامهم أن يجعلوا من المثال الأميركي حقيقة لا لبس فيها.
حتى بعد رحلة استثنائية لا أزال أتعلَّم، ولا أزال أقاتل. وإذا كان هناك من شيء يمكن أن تأخذوه من الرحلة الأميركية التي وصفتها في صفحات هذا الكتاب، فإنني آمل أن يكون هذا.

السابق
السيد محمد حسن الأمين يدعو إلى التجدد الحضاري الإسلامي لإعادة الاعتبار للعقل والحريّة
التالي
هذا ما طلبه شهيب من الجامعات الخاصة