لبنان بين فكي الموازنة المتهالكة والسيادة المتداعية

الموازنة
بدا لبنان أمس أمام مشهدين: واحد سياسي أمني عسكري عبّر عنه خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في الضاحية الجنوبية الذي رسم معالم جديدة للمواجهة مع اسرائيل، وآخر اقتصادي مالي كان في الاجتماع الإقتصادي السياسي الذي جمع أمس أركان الدولة ورؤساء الأحزاب والكتل النيابية وحاكم مصرف لبنان اضافة الى رئيس جمعية المصارف، في بعبدا، للبحث في الورقة الاقتصادية التي طرحها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.

وبين المشهدين، ترتسم معالم سياسية تثير المزيد من التساؤلات حول المرحلة المقبلة وما تحمله من مخاطر اقتصادية ومالية وفي مقدمها سلة الضرائب والرسوم التي يمكن ان تحملها موازنة العام 2020 من جهة، في مقابل التسليم الطوعي (كما يبدو) من قبل الحكومة اللبنانية لإدارة أمين عام حزب الله للسياسة الدفاعية والخارجية اللبنانية، عبر مسار يترسخ بالمواقف التي أطلقها نصرالله بعد انكشاف العدوان الإسرائيلي “الغامض” على الضاحية الجنوبية، وصولا إلى خطاب ليل أمس (الاثنين) الذي أعلن فيه أن “الأحد الأول من أيلول بداية لمرحلة جديدة عند حدود لبنان مع فلسطين المحتلة فللدفاع عن لبنان ليس هناك خطوط حمراء”.

اقرأ أيضاً: طاولة بعبدا… شهود زور وفساد بلا فاسدين

ففي التطور الميداني “المدروس” الذي قامت به المقاومة الإسلامية عصر الأحد، عبر استهدافها ناقلة جند إسرائيلية على المقلب الأخر من الحدود الجنوبية مع اسرائيل، رسّخ حزب الله واقعاً سياسياً جديداً ليس في فرضه حسابات ميدانية جديدة مع الجيش الاسرائيلي حرص نصرالله على إثباتها في خطابه، بل في رسم معالم سياسية وسيادية جديدة وبالخط العريض في لبنان، تمثلت بجملة وقائع ومؤشرات ابرزها:
1- أكد حزب الله من خلال خطاب السيد نصرالله أنه هو المقرر في إدارة المواجهة مع اسرائيل وفي تحديد الموقف منها، ومستوى الرد على اي عدوان وتوقيته.

2- لم يغب عن بال السيد نصرالله الإشادة بالجيش اللبناني والرؤساء الثلاثة، من دون أن يفهم من خطابه أن كانت هذه الإشادة هي بسبب التخلي عن مسؤولياتهم السياسية والعسكرية حيال التحدي الاسرائيلي، أو أنها إشادة بالصمت الذي رافق عملية حزب الله الأخيرة من قبل أركان الدولة ومسؤوليها.
3- بدا أن لبنان يستعيد بالكامل النموذج الذي قام في زمن الوصاية السورية، “لكم المال والاقتصاد ولنا الأمن والسياسة الخارجية والدفاعية” وهو نموذج فرضته القيادة السورية على لبنان منذ ما بعد اتفاق الطائف، وتولي الرئيس رفيق الحريري رئاسة الحكومة.

ما تجب ملاحظته اليوم، والتوقف عنده ملياً، هو مدى امكانية الفصل بين الاقتصاد والسياسة، بل تجزئة السيادة بين حسابات حزب الله ونظام مصالحه اللبناني والاقليمي، وبين سيادة الدولة ونظام مصالحها الوطني والعربي والدولي؟
ما يؤشر إليه جوهر العدوان الاسرائيلي، ليس عنجهيته العسكرية والأمنية فحسب، بل في جر واستدراجه لبنان لمزيد من الغرق في ثنائية الدولة والدويلة، وفي تظهير هشاشة الدولة اللبنانية، وتعزيز صورة لبنان الساحة لا لبنان الدولة، لما يوفره ذلك من تخفف إسرائيل من الالتزامات الدولية، بذريعة سيطرة حزب على دولة، وللمفارقة أن هذا النموذج هو ما يحيط بها في سوريا وفلسطين فضلا عن لبنان، اي ضعف سلطة الدولة.
لبنان الذي يفتقد الحاضنة العربية اليوم، وتستقيل مؤسساته من مسؤولياتها الدستورية والسياسية، لن يجد المعنيين من المسؤولين لصرخاتهم المالية والاقتصادية صدى في العالم العربي والغربي، طالما أن قدرة لبنان مهتزة في أن يكون دولة. للمرة الأولى في تاريخ لبنان الحديث، تغيب المواقف العربية المتضامنة والمؤيدة له في مواجهة العدوان الاسرائيلي الأخير، الدول العربية من تكلم منها أدان غياب الدولة أو تغييبها في لبنان، ومن لم يدن صمت ولم يعلن اي تضامن.
كل ما تقدم يشير إلى أن التحديات الحرجة التي يواجهها لبنان على مختلف المستويات، تجعل لبنان أمام مزيد من التأزم والتلاشي في مواجهة عجز الموازنة المتهالكة، وعجز السيادة المتداعية.

السابق
أيّ لبنان بعد سقوط القرار 1701!
التالي
«ذكرى أسبوع» الدكتور عبدالله علي سليمان في حولا