أقصر حرب: «رمل برمل» والحمد لله على السلامة بيبي – حسن

وعصر الأحد الأول من أيلول، هاجت الدنيا وماجت الناس وظنت الخلائق أن "الفاس وقعت في الراس"، وأن زلزالاً سيضرب لبنان، وربما المنطقة، بإطلاق حزب الله 3 قذائف "كورنيت" مضادة للدروع من الأراضي اللبنانية باتجاه منطقة أفيميم في شمال فلسطين.

فيما تسلمت الجهة الأصيلة في لبنان من الوكيل، وبعد انتظار دام أسبوعاً، الطائرتين الإسرائيليتين بلا طيار اللتين سقطتا في “الضاحية لاند” بعد إفراغهما من جميع المعلومات الحساسة.

 وفيما كان الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله يلهب حماسة جمهوره العقائدي في إحياء أولى ليالي عاشوراء بتأكيده أن الرد على الاعتداء الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية “محسوم، وهو لتثبيت قواعد اشتباك تحمي البلد من التمادي الاسرائيلي الذي يفتح الباب امام اغتيالات”، وأنه سيكون “في لبنان وليس كالعادة في مزارع شبعا، أي مفتوحاً”.

وأكد نصرالله أن “المرحلة الجديدة هي لإسقاط المسيَّرات الاسرائيلية، ليس كلها بالضرورة، بل ممكن كل يوم، كل اسبوع، أو حتى كل ساعة، كي يشعر الاسرائيلي أن الجو ليس مفتوحا أمامه”، ونفيه ما تثيره إسرائيل بقوة حول مصانع صواريخ دقيقة لدى حزب الله، معتبراً ذلك فخراً لو كان موجوداً و”حقاً لنا كمقاومة (لبنانية ؟؟!!!)”، وأن القضية ليست سوى ذريعة في يد نتنياهو كي يكسر قواعد الاشتباك مع لبنان، واعترافه بأن لديه ما يكفي من هذه الصواريخ، وإعلانه عوداً على بدء الحقيقةَ الفجّة المؤسفة حول تفرده بقرار الحرب والسلم في لبنان بالقول “المقاومة مستعدة لكل الاحتمالات وتدرس الأمور بحكمة، والقادة يقررون”.

وبعد إعلان الجيش الإسرائيلي قيامه بتعزيز جاهزية قواته في الجبهة الشمالية برّاً وجوّاً وبحراً وفي المجال الاستخباري، وإلغائه إجازات جنوده واستعداده للسيناريوات كلها، في وقتٍ كانت مهمة قوات اليونيفيل في الجنوب معرضة للخطر والإنهاء، بإعلان وزارة الخارجية والمغتربين أن “اعتماد مجلس الامن بالإجماع قرارًا بالتجديد لليونيفيل سنة” جاء “بعد محادثات مطولة ومفاوضات شاقة امتدت على مدى الأسابيع الماضية وبجهود استثنائية لبعثة لبنان الدائمة في نيويورك”، وتحذير مجلس الأمن الدولي من “اندلاع نزاع جديد بين لبنان واسرائيل”.

وبعد كشْف المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي افيخاي ادرعي في حسابه على “تويتر” تفاصيل عن “مشروع الصواريخ الدقيقة في لبنان بمساعدة إيرانية” تضمنت أسماء وصور لشخصيات إيرانية ولبنانية تقف خلفه، شارحاً بالقول إنه “بين 2013 و2015 في الحرب الأهلية السورية بدأت إيران محاولات نقل صواريخ دقيقة جاهزة إلى حزب الله في لبنان عبر الأراضي السورية، لكن معظمها أُحبط بضربات أُسندت الى إسرائيل ولم يتمكّن الحزب من الحصول على الصواريخ، إلى أن قررت ايران في 2016، بسرية تامة ومن دون علم الحكومة اللبنانية، الانتقال الى تحويل صواريخ عادية الى دقيقة على الأراضي اللبنانية، عبر نقل مواد التدقيق من ايران والصواريخ من سوريا”، ونشْره قائمة بأسماء أربعة مسؤولين عن المشروع هم ثلاثة إيرانيين ولبناني هو فؤاد شكر، الذي وصفه بأنه “من كبار قادة حزب الله وقائد مشروع الصواريخ الدقيقة فيه”.

 وإثر تداول وسائل إعلام إسرائيلية عدة خبراً على درجة عالية من الأهمية، نظراً إلى تصديق الوقائع الميدانية إياه (سوى جزئه الأخير) بعد ذلك بأيام، ومفاده أن حزب الله أرسل عبر قنوات مختلفة (روسية كما رجّح المراقبون) اقتراحاً إلى حكومة نتنياهو بالاتفاق على رد محدود على عمليتَي قتل إسرائيل عنصريه في عقربا بضاحية دمشق واختراق طائرتيها المسيّرتين شارع معوض بضاحية بيروت وتفجير إحداهما هدفاً لا يزال مجهولاً مقابل عدم الرد مستقبلاً، وطلبه من الوسيط (الروسي) نقل عدم رغبته في الانجرار لحرب واسعة  مع إسرائيل، وأن إسرائيل رفضت الطلب بشكل قاطع (وهو جزء الخبر الصحافي الذي لم تصدِّقه الوقائع)…..

بعد هذا كله، وعصر الأحد الأول من أيلول، هاجت الدنيا وماجت الناس وظنت الخلائق أن “الفاس وقعت في الراس”، وأن زلزالاً سيضرب لبنان، وربما المنطقة، بإطلاق حزب الله 3 قذائف “كورنيت” مضادة للدروع من الأراضي اللبنانية باتجاه منطقة أفيميم في شمال فلسطين (ادعى في بيان إثر “عملية الشهيدين حسن زبيب وياسر ضاهر” اللذين سقطا في عقربة، “تدمير آلية عسكرية وقتل وجرح من فيها”، وخاطب إسرائيل بالقول: “هذا رد على عملية استهداف شباب حزب الله في سوريا، وللضاحية حساب آخر”)، وأن قواعد الاشتباك على الحدود اللبنانية الفلسطينية سوف تتغير إثر مباشرة إسرائيل إطلاق قذائف فوسفورية على بلدة مارون الراس وأطراف بنت جبيل ويارون وعيترون (بلغت حوالى 100 قذيفة وفق البيان الإسرائيلي و40 وفق بيان الجيش اللبناني) وفتْح الجيش الاسرائيلي الملاجئ في المستوطنات، وتداول معلومات غير مؤكدة وسط الحمّى الإعلامية عن مقتل جنرال إسرائيلي يدعى افيف كوخافي أثناء جولة تفقدية للجبهة.

استمر مد الأخبار وجزرها حتى صدر بيان عن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بعد صمت ثلاث ساعات، أن حزب الله أطلق 3 صواريخ مضادة للدروع دون وقوع إصابات، ما يعني أن قذائف حزب الله الثلاث سقطت في مكان خال، في وقت نقلت قناة “المنار” التلفزيونية التابعة لحزب الله مشاهد حية لآثار القصف الإسرائيلي على مارون الراس أظهرت حرائق كثيرة في أرض بور لا يُرى فيها على مد النظر أثر لأي عمران، ما يدل بلا شك على أن إسرائيل تقصّدت الرميَ في هذا المكان دون غيره من المناطق الآهلة، كما كشفت “المركزية” نقلاً عن مصادر مقربة من الحزب أن الضربة محدودة ولا تصعيد اضافياً.

اقرأ أيضاً: علوش لـ«جنوبية»: الحريري لم يتماه مع «حزب الله».. ولا للإستراتيجية الدفاعية!

إذاً، علام يدل تبادل إسرائيل وحزب الله قصف مناطق غير آهلة، وفتح إسرائيل ملاجئها في البلدات المتاخمة للحدود اللبنانية على بعد 4 كيلومترات فقط وليس في كل مدن الشمال، وعدم توسيع إسرائيل ردها إلى قرى داخلية أبعد من مارون الراس، والهدوء السريع للأحداث، وعدم قطع رئيس وزراء إسرائيل محادثاته مع ضيفه رئيس هندوراس (رغم توقفها لوقت قصير في بداية القصف) ومتابعتها حتى المؤتمر الوداعي الذي لم يتطرق فيه إلى ما جرى سوى بعبارة موجزة هي: “سنحدد التحرك المقبل على الحدود وفقاً لتطور الأحداث”، وقد بدا مرتاحاً وضاحكاً؟ لا شك في أن ما جرى هو تطبيق للخطة المتفق عليها بين حزب الله وإسرائيل عبر الوسيط الروسي بكل حذافيرها وبدقة متناهية.

وبرغم مباشرة لبنان الرسمي متمثلاً برئيس مجلس الوزراء سعد الحريري اتصالاته مواجهة تطور الاوضاع على الحدود الجنوبية، حيث اتصل بكل من وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ومستشار الرئيس الفرنسي إيمانويل بون طالبا تدخلهما، إلا أن قصر وقت الأحداث لم يُتح لأي من هذه الأطراف التحرك.
إذا كانت الحرب الإنكليزية الزنجبارية أقصرَ حرب مسجلة في التاريخ، فإن أحداث عصر الأحد تستحق بجدارة تسميتها أقصر حرب عربية إسرائيلية، وإذا كان من عاداتنا في لبنان عند حدوث تصادم بين سيارتين دون إصابات القول: “بسيطة، حديد بحديد، الحمد لله على السلامة”، فما أقرب أن نقول، استيحاء من هذه العادة: “بسيطة حسن وبيبي، رمل برمل، والحمد لله على السلامة”.

السابق
نتنياهو: سنحدد التحرك المقبل على الحدود ورددنا بـ100 قذيفة
التالي
اليونيفيل: تمت استعادة الهدوء العام في الجنوب وما جرى ‘حادث خطير’