محاولات الدولة لمنع الانهيارِ الاقتصادي ستؤدي إلى انهيار اجتماعي

الانهيار الاجمتاعي
يكثر المحللون الاقتصاديون والمعارضون للطبقة الحاكمة في لبنان الحديث عن الانهيار الاقتصادي المتوقع وذلك استناداً منهم إلى جملة من المعطيات والحسابات يقدمها هؤلاء للرأي العام حول عجز الميزان التجاري وحول حركة رؤوس الأموال بين الداخل والخارج ووضع المؤسسات العامة والخاصة.

مشكلات عديدة يعانيها الوضع الاقتصادي العام في لبنان تؤدي الى تسرّب القوة العملة الوطنية، وكذلك  تراجع أداء المصارف  والمصرف المركزي لما يوجهها من ىمخاطر وتحديات بسبب المديونية العامة التي هي في تزايد مستمر منذ ثلاثين سنة وحول تقييم مقررات موازنة الدولة والسياسات المالية الترقيعية الخاطئة واعتماد الدولة على الجباية فقط وإهمال القطاعات الانتاجية الفعلية سيما قطاع النفط والغاز، وحول تمَنُّع البنوك التجارية من شراء سندات خزينة من وزارة المال وقيام المصرف المركزي برفع معدلات الفائدة لصالح ديونه للدولة وما شاكل، في حين تصرُّ الطبقة الحاكمة على الحديث حول إيجابيات للعهد، وتزداد الوعود حماوة يوماً بعد يوم متلبِّسة بأثواب جديدة كان آخرها ما عُرِف بالورقة الاقتصادية التي اتُّفق عليها على هامش مصالحة بعبدا الأخيرة التي سبقت الأعياد.

اقرأ أيضاً: التصنيف الائتماني للجمهورية اللبنانية لماذا الهلع؟

هذه الورقة الاقتصادية التي لم يعرف اللبنانيون مضمونها الحقيقي ما خلا بعض التسريبات التي عُلِم منها قضايا ترتبط بالزراعة والصناعة، وعُلِمَ منها رغبة الطبقة الحاكمة بفرض المزيد من الضرائب على مختلف القطاعات منعاً من انهيار الدولة اقتصادياً ولتحسين تصنيفها المالي عالمياً ولتأمين حاجات موظفيها وسياسييها!

 ويتكلمون عن نظام ضريبي عصري للبلد منذ الانتخابات النيابية الأخيرة، والذي يهدف لتطبيق بعض الأنظمة الضريبية العالمية على لبنان ، هذه الأنظمة المطبقة في دول تقدم في المقابل لشعوبها الكثير من الخدمات، في حين سيخدم النظام الضريبي العصري – الذي يتكلمون عنه – الطبقة الحاكمة وأزلامها فقط دون أن يعود على الشعب بخدمات تُذكر كتلك التي تقدمها الدول المطبقة لهذا النظام الضريبي العصري، ويظهر أن وزارة المال متجهة نحو فرض نظام فرض الضريبة المطلقة وأنها لن تكتفي بالضريبة على القيمة المضافة، ويظهر أن مشاريع خصخصة قطاعات الدولة قائمة لا محالة في المدى القريب المنظور.

ويظهر أنه تم تأخير تنفيذ الورقة الاقتصادية لمدة شهر واحد تلبية لرغبة دولة الرئيس نبيه بري لتمر ذكرى تغييب الإمام السيد موسى الصدر دون بلبلة في الشارع الشيعي، لأن أي ضرائب جديدة ستفرض من قبل فريق الرئيس بري السياسي فإنها قد تؤدي إلى حراك في الشارع الشيعي، مما قد يفسد زخم الذكرى ويؤثر على حجم المشاركة الجماهيرية فيها في مدينة النبطية في الواحد والثلاثين من شهر آب الجاري، ويظهر أن أركان مصالحة بعبدا الأخيرة لهم حصة من عائدات النظام الضريبي العصري الذي ستفرضه وزارة المال بعد شهر لتحسين الجباية ورفع عائدات الدولة المالية من خلال امتصاص المزيد من أموال الداخل اللبناني مما يدعو للقلق وقد يؤدي إلى تحرك معارض في الشارع على مختلف الصعد.

   ومهما كانت الوعود الاقتصادية والحلول الترقيعية لمنع الانهيار الاقتصادي ، فإن كل تلك الوعود والحلول ساعدت وتساعد على المزيد من الانهيار الاجتماعي، فالطاقات الشبابية في هجرة مستمرة، خصوصاً المتخرجون الجامعيون الذي يتوقع البلد أن يكونوا صنَّاع المستقبل الواعد، ها هم يساهمون في تطوير بلاد الغرب والشرق ويُحرم وطنهم من عطاءاتهم الإبداعية وقدراتهم الإنتاجية!

والأزمات الاجتماعية تتزايد في الداخل من أزمة الماء والكهرباء إلى أزمة الدواء والاستشفاء إلى أزمة الرواتب والتعويضات إلى أزمة الزواج والطلاق إلى أزمة الغلاء والبطالة إلى أزمة المخدرات والممنوعات إلى أزمة التهرب الضريبي والتهريبات إلى أزمة العملات الأجنبية والعقوبات إلى أزمة النفايات وتلوث البيئة إلى أزمة اللاجئين والنازحين إلى غير ذلك من أزمات تُنذر بمجموعها بانهيار اجتماعي على مختلف الصعد ، حيث لا توجد مبادرات إنقاذية من قبل الطبقة الحاكمة بحجم التحديات ، وما تعد به الطبقة الحاكمة هو مزيد من الديون الجديدة وهيكلة الديون القديمة ، ومزيد من الضغط على البنوك التجارية وعلى مصرف لبنان وبالتالي إحكام الخناق أكثر فأكثر على صغار المودعين في البنوك وهم الأكثرية من المودعين من أبناء الشعب اللبناني، ومن المتوقع أن تضيف ديون مؤتمر سيدر ديوناً خارجية على الدين الحالي بنسب خيالية في السنوات القليلة المقبلة قد تزيد عن معدل مئة وخمسين في المئة بحلول سنة 2023!

وبهذه السياسات المالية والاقتصادية التي لا تبشر بخير في الوقت الذي تهمل الطبقة الحاكمة كل الحلول الإنقاذية ومنها مشروع شركة Simens  الألمانية لإنهاء أزمة الكهرباء في لبنان في غضون سنة واحدة بدون بواخر عبر بناء معامل الطاقة على غرار ما صنعت الشركة في جمهورية مصر العربية مع تقسيط الكلفة في لبنان تقسيطاً مريحاً لعشر سنوات، ومنها إهمال الطبقة الحاكمة للعرض الإيطالي لحل أزمة النفايات ببناء إحدى الشركات الإيطالية لمعمل متطور في محيط ساحل منطقة الدامور على أن يكون بعد استثماره لسنوات ملكاً للدولة اللبنانية كما ورد في صيغة العرض الأولية، فبعد كل هذا الإهمال يظهر أن الانهيار الاجتماعي سيسبق الانهيارَ الاقتصادي في لبنان، فالحلول المستعجلة التي تقوم بها الدولة على الصعيدين المالي والاقتصادي تؤدي إلى مزيد من الأزمات الاجتماعية، فالدولة وخططها في وادٍ والمجتمع اللبناني في وادٍ آخر.

 ولكن على من تقرع مزاميرك يا داود.

السابق
قوى الأمن: توقيف سارق منزل في حارة حريك
التالي
في ذكرى إحراق المسجد الأقصى: ما هي حقيقة الإسراء والعروج النبوي؟