التشدد الديني المسيحي بعد الإسلامي في لبنان في مراحله المتقدمة

المسيحيين
التشدد المسيحي يتمدد في لبنان، كما تمدد قبله التشدد الإسلامي سابقا. فمن يردع الطرفين؟ وأين تقف السلطات الرسمية اللبنانية من هذا الوضع المخيف؟

دخل لبنان دون أن يدري أجواء التشدد الديني. ففي حادث غريب حدث مؤخرا في جبيل تبيّنت الاجواء التي تمتد وتنتشر خاصة على صعيد الإعلام ووسائله الجديدة والسجالات الحادة غير العقلانية.

فقد رفعت إحدى الشركات اعلانا لها حول برنامج مدينة جبيل السياحي مثل كل عام، فقامت الدنيا ولم تقعد، وبالعودة إلى الوراء قليلا، أي منذ سنوات قليلة عمدت بعض الفاعليات في مدينة صورالجنوبية الى تحويل مهرجان رقص وفرح، أقيم في عدد من المدن اللبنانية، إلى مهرجان لعروضات بهلوانية، بعد رفض المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى دخول هذه الفرق الى مدينة صور، علما أنها كانت المرة الاولى التي تدّخل المجلس بهذه الأمور.. والسلسلة هنا تطول.

اقرأ أيضاً: أين هو بيت القصيد في «مشروع ليلى»؟

ولبنان يشهد هذه الحالات وباستمرار منذ ثلاثة عقود تقريبا أي منذ دخول حزب الله الى لبنان وانتشاره، حيث بات بعد الثمانينيات الشباب الشيعي يدهن اللوحات الاعلانية بلون أسود، في حال كان يتضّمن صورة إمرأة بلباس غيرمحتشم، وانتقل الأمر الى مدينة طرابلس في الشمال لاحقا.

واليوم حط التشدد رحاله في جبيل التي تشبه صور بانفتاحها وتعددية أهلها في محاربة فرقة فنيّة لبنانية تدعى(مشروع ليلى) من قبل المركز الكاثوليكي للإعلام، بعد بيروت وطرابلس وصيدا وصور، مما يُدلل على أن الإرهاب الفكري والثقافي والإعلامي الجديد الذي يجب وقفه بالقول، ورفع الصوت أمام المعنيين: “أوقفوا الثقافة الإرهابية في لبنان” كما قالها كثر قبلنا منذ سنوات وقد نظل نرددها طالما أن السلطات المعنية مغيبة.

والممنوعات أكبر من أن تُعد وتُحصى. فهي صارت خبزنا اليومي. فقد مُنع سابقا فيلم “مولانا” بشكوى من دار الفتوى. وتبقى لدار الفتوى والبطريركية المارونية اليد الطولى في المنع والفسح. في ظل غياب تام للمثقفين والمسؤولين المعنيين بالشأن الثقافي والتربوي والإعلامي كالمجلس الوطني للإعلام.

واللافت ان المسموح في مكان ممنوع في مكان آخر. وأن المعايير والمقاييس ليست بواحدة. لذا نشهد اليوم في أحياء المسيحيين في لبنان انتشارا كثيفا للإعلانات الحرّة على العكس من أحياء المسلمين الذين يشددون على منع إعلانات الخمر ولباس البحر و”اللانجري”.

هذه الإزدواجية في بلد واحد، وعلى أرض واحدة وتاريخ واحد، تضرب المواطنية في الصميم، وتؤكد على الإنقسام، والسعيّ إلى اختيار الأماكن التي تناسب عقيدة كل منّا.  وتؤكد أكثر على ان السلطة الطائفية أقوى من السلطة الوطنية.

ففي بعض القرى الجنوبية مثلا، ومع انتشار المتدينيين الأوائل في لبنان في الثمانينيات، كانت مثلا النساء غيرالمحجبات ممنوعات من الدخول إليها، كأن الارض أرضهم.

فهل سنشهد حظرا مقابلا في القرى والأحياء المسيحية، مع انتشار الأفكارالمتطرفة من جديد؟ خاصة ان التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي قد أظهرت أن المسيحيين يعتبرون ان الهوية الدينية مرتبطة بالهوية الوطنية والذاتية، حيث بدا أن غناء فرقة شبابية هي بمثابة تهديد لعقيدة طائفة حيث كان لافتا ما قاله الدكتور عماد شمعون في بوست على الفايسبوك:

“لا لاستقبال فرقة مشروع ليلى في مهرجانات جبيل.

• مشروع ليلى، فرقة لبنانية قدَّمت فنًّا أكثر من ناجح لا بل رائع، وصل إلى العالميّة بجدارة غير مسبوقة.

• مشروع ليلة كانت الفرقة المحبَّبة إلينا لحنًا جميلًا وفريدًا إلى ان سقطت في حفرة الاستهتار والابتذال، تقليدًا منها لكثير من الفرق الفنيّة في الغرب التي يحلو لها رسم الصليب مقلوبًا وغيرها من الأمور المسيئة مسيحيًّا.

مشروع ليلى ذات الطابع المسلم السنيّ، إنها وبتعدّيها على الرموز المسيحيّة، تكون قد أساءت إلى مجتمعها المسلم أولًا لتوريطها إيّاه بنعرة طائفيّة هو بالغِنى عنها. 

اقرأ أيضاً: مسيحيّو لبنان بين العسكر والعسكرة

لقد أخطأتم أيضًا حين بدأتم بتسييس فنّكم، وإذا بكم:

• تغنّون للقضيّة الفلسطينيّة التي دمَّرت وطننا لبنان وأدمته، والتي لم تزل تعتدي وتشاكس انطلاقا من مخيّماتها بتصرفات المحتل وليس اللاجئ.

• تغنّون للعروبة وقد ظننّاكم فرقة لبنانيّة، بالرغم من أن ليس فيكم من العروبة شيء، سوى تعصّبكم الدينيّ الحاقد الذي أبديتموه.

وبكلمة أخيرة، فإننا نتوجَّه إلى فرقة مشروع ليلى، قائلين:

لقد أسأتم بحق مَن أحبَّكم فنيًّا واحتضنكم، بحق الشباب المسيحي الذي احتقرتم معتقداته الدينيّة، والذي تتوقّعون منه بالمقابل أن يستضيفكم في جبيل مصفقًا لكم…

مشروع ليلى، إنكم ومن بعد أن كنتم تحفة فنيّة فريدة، تحوّلتم إلى مشروع فتنة مذهبيّة سخيفة وغبيّة.

السابق
إيران تؤكد استعدادها للحوار مع السعودية
التالي
«رسومٌ جديدة» على المسافرين