أين هو بيت القصيد في «مشروع ليلى»؟

مشروع ليلى
يتبارى ناشطو المجتمع المدني وعديد من الإعلاميين في إطلاق نعوت على رافضي دعوة "مشروع ليلى" إلى المشاركة في مهرجانات بيبلوس في جبيل، فيقولون إنّ الرافضين حوّلوا جبيل من مدينة للحرف والحضارة إلى مدينة "قندهار" (هل يحق لهم نمذجة المدينة الأفغانية!)، وإنّهم دواعش الفكر، وإنّ...وإنّ...بما أسعف الحظّ واللغة النّاشطين الأشاوس.

حرية الناشطين والإعلاميين في إهانة المناوئ

لم يبذل الناشطون المعروفون بالاسم والعنوان كبير جهدٍ في تدبّر عاقبة النعوت، وفق القاعدة الحكيمة: “إن هممت بأمرٍ فتدبّر عاقبته”، فأرخَوا للكلام على عواهنه، وتلبّسوا في لحظاتٍ ما سبقَ لهم أن أطلقوه على غيرهم من نعوت، إذ ظهروا رافضين للآخر، ورافضين لما طلبوه لأنفسهم من حريّة واحترام، حين لم يجعلوا أنفسهم ميزاناً ما بينهم وبين النّاس. وفي الوقت الذي يدافعون فيه ـ بنظرهم ـ عن حريّة التعبير، باتوا يرفضون الحرية لمجرّد أنّهم من أنصار فرقة “فنيّة” محدّدة، إلى أنّ قال مثقف من المثقفين إنّ المطالبين بحرية التعبير ليسوا سوى مطالبين بحريّة الشتم. وقد يذهب قائل إلى أنّ الناشطين ولفيفهم غير مهتمّين بالفرقة الفنيّة وإنتاجها، ولا بحريّة الرأي وحدودها، بقدر احتياجهم إلى موضوع للنقاش، يُلبّي حاجة آلاتهم الكلاميّة وجهودهم المهنية، وهم الذين ينظّمون جداول أعمال محدّدة من المموّلين والداعمين ومرجعيّات فوق وطنية.

اقرأ أيضاً: فرقة «مشروع ليلى» تثير جدل «المثليين» أينما حلّت!

مشروع ليلى في فضاء العالم الافتراضي

ويُبرز النقاش في العالم الافتراضي ازدواجية هائلة في المعايير واضطراباً في اتّساق القيم المرجعيّة للآراء الشعبية والنخبويّة؛ فمن كان يوماً من الداعمين لـ”شارلي إيبدو” والساعين في حملة “جو سوي شارلي” بات اليوم في صفوف الرافضين لـ”مشروع ليلى“، ومن كان في صفوف الرافضين لرسوم المجلة السّاخرة بات في صفوف الداعمين للمشروع “المشابه”، ولكلٍ حججٌ لا تنتهي سلسلتها، ولا ينضب معينها، إلا أنّه متناقض القول والفعل.

وجرياً على عادتها في “تسخيف” النقاش وانحرافه، ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في “تضييع الشنكاش”، فلم يعد النقاش متمحوراً حول مشاركة الفرقة في المناسبة الفنيّة ولا حدود الحريّة والمسؤوليّة التي تستدعيها تلك المشاركة، بل بات النقاش يدور حول اعتقادات أفراد الفرقة والموسيقى التي يقدّمونها والكلمات التي يؤلفونها وميولهم الجنسيّة…..ما أوقع الكثيرين في التناقض، رافضين وداعمين، ومنهم كثيرون معجبون ومتيّمون بمشاهير عالميين من ذوي الخصوصيّات والميول والسلوكيّات المستهجنة.

طائفية النقاش في “مشروع ليلى”

واللافت في أزمة “مشروع ليلى” اتّخاذها طابعاً طائفيّاً في بعض الأحيان، في محاكاة لنجوم السياسة اللبنانيين حين أُثيرت “خصوصيّة الجبل” و”خصوصيّة طرابلس”… فكأنّ المفهوم من الأزمة والمسكوت عنه هو “خصوصيّة” منطقة ذات غلبة مسيحية. وقد تُشير تغريدة الدكتور ناجي حايك من أبناء جبيل إلى تلك الخصوصيّة إذ كتب: “هذا ليس تحذيراً من حفلة 9 آب في جبيل، هذا تهديد مباشر لهذه الجماعة ولكل من يساهم في التسويق لحفلاتها في جبيل، سوف يتم منع العرض بالقوة مش بالتمني أنا أول واحد. من يُهين الصليب والمصلوب لا مكان له في جبيل وقد أُعذر من أنذر #مشروع_ليلى” “.

موقف نواب جبيل

في خضم المعارك الكلاميّة، بلع سياسيو المنطقة ألسنتهم، وامتنعوا عن إثارة الموضوع حنكةً لا حكمةً، وتركوا المواجهات تأخذ مجراها باتجاه الأوج حتّى إذا رست سفينة الحوار على شاطئ الهدنة والإلغاء أصدر نواب جبيل الثلاثة: سيمون أبي رميا، ومصطفى الحسيني، وزياد حواط بياناً مشتركاً في 30 تموز جاء فيه: “انطلاقاً من مقتضيات المصلحة العامة والتزاماً بأحكام الدستور والقوانين اللبنانية، وحفاظاً على صورة جبيل ودورها القائم على احترام المقدّسات والقيم والمبادئ، ونتيجة سلسلة اجتماعات عقدت بعيداً عن الأضواء مع لجنة مهرجانات بيبلوس الدولية والمرجعيات الروحية والقضائية والأمنية في شأن الحفلة المزمع إقامتها لفرقة “مشروع ليلى” ضمن مهرجانات بيبلوس مساء 9 آب المقبل، وما رافقها من مضاعفات، تمنّى نواب جبيل على اللجنة المنظمة إلغاء الحفل.

لقد تابعنا كنواب القضيّة وما رافقها منذ اليوم الأول، وقمنا بالاتصالات اللازمة للمعالجة بعيداً عن الشعبويّة والتشهير، انطلاقاً من تمسّكنا بالمقدّسات الدينية وصيانتها ضمن إطار احترام الحريّات.

ونؤكد في المناسبة الارتباط التاريخي القائم بين جبيل والثقافة والفن وإيماننا بضرورة استمرار هذا الرابط والحفاظ عليه وتطويره”.

ربّما لم يُرضِ النواب الجمهور كلّه، على اختلاف الانتماء السياسي بين الثلاثة، لكنّهم أمسكوا العصا من الوسط وتجاوزوا الهيجان الشعبي برويّة مصطنعة.

مسؤولية لجنة المهرجانات والسلطة المحلية

نزولاً من التنظر إلى أرض الواقع، نلحظ عدم إثارة الناشطين على اختلافهم مسؤوليّة السلطة المحليّة في جبيل ولجنة مهرجانات جبيل وحقوق المواطنين الجبيليين دافعي الضرائب المختلفة إلا لماماً، ما يشير إلى ضعف الوعي المواطنيّ.

فلجنة المهرجانات ليست الحاكمة بأمر أحدٍ إلا المصلحة الفنيّة والوطنيّة فيما أبناء المنطقة هم البيئة الحاضنة للنشاط الفنيّ والعاملون على إنجاحه، ويفترض بلجنة الإدارة مراعاة الذوق العام في المنطقة لا إجبار المواطنين على الاستماع إلى ما لا ترضاه ذائقتهم السمعيّة والفنيّة.

اقرأ أيضاً: هل كان حفل «مشروع ليلى» ليدمي صيف لبنان السياحي؟!

أمّا البلدية فهي سلطة المجتمع المحليّ، ودورها يفرض عليها أنّ تتقدّم مواطنيها في تأمين المصلحة ودفع المفسدة، ولو كانت المفسدة تتجلّى في خلل الأوضاع الأمنية أو الاجتماعية…. ولا يمكنها أن تُحيّد نفسها عن النقاش وكأنّ التجاذبات تحصل في بقعة أخرى. وينمّ التصرف الواهن للبلديّة عن قلّة دراية وضعف في الإحاطة بالجوانب الثقافية والاجتماعيّة بعيداً عن أعمال الإنشاءات والزفت… كأغلب بلديّات لبنان، وهنو أمر يؤسف له ويُحزن.

ويبقى أن مواطني جبيل على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم هم أهل الدار ودافعوا الضرائب، الذين ستكون منازلهم بيوت ضيافة لكلّ الوافدين إلى المهرجانات، ولا يمكن – تالياً – تجاهل مشاعرهم ولا حقوقهم، من ضمن مراعاة المصلحة الوطنية والمسؤولية الكبرى.

السابق
الطاهر بن جلون يكتب لابنته عن «العنصرية».. و«سروري» يروي عن الوحي في اليمن
التالي
إيران تؤكد استعدادها للحوار مع السعودية