مدينة الناصرة مغروسة في مؤامرات التهويد والتهجير وتزوير التاريخ. التواصل العائلي والحضري والثقافي يمكن لمسه جيدا. وفي الناصرة العليا؟ الكثير من السكان هم من العرب الذين يديرون حياتهم في الناصرة السفلى.
افتتاح محتمل لمقال صحفي غير سياسي تماما ويشمل سؤال للاحزاب العربية وحزب اليسار العربي – اليهودي: كيف تبددون الطاقة على الكراسي في الوقت الذي فيه الجمهور اليهودي يستقبل بهدوء نفسي نداءات اليهود الصهاينة لطرد جمهور شعبكم؟.
بداية محتملة اخرى للمقال تذكر ايضا أن غير السياسي هو سياسي: سائق السيارة العمومية قال إنه لا يحتاج الى “ويز” في عدد من الشوارع من اجل العثور على البيت. “قولي لي فقط اسم العائلة”. ومثلما في كل قرية فلسطينية، فقط هذا شارع الفيلات في المدينة التي كانت الى ما قبل اسبوعين تسمى الناصرة العليا. حسب لافتات الاسماء التي تظهر بين الخضرة الغنية التي تغطي الجدران والبوابات، الكثير من السكان، وليس فقط مضيفي، هم فلسطينيون من مواليد الناصرة العربية.
اقرأ أيضاً: واشنطن: سنجعل «حزب الله» يُعاني
“البلدية قامت بتغيير الاسم، لكن بعد بضع سنوات نصف سكان مشهد الجليل سيكونون من العرب”، قال السائق وهو يضحك عندما لفظ الاسم الجديد. “اليهود يحصلون على اموال لا بأس بها مقابل البيوت التي يبيعونها وبعد ذلك ينتقلون الى العفولة أو الى المركز”. نبوءته غير مبالغ فيها. تقريبا نصف السكان المسجلين في المدينة المهودة للجليل هم فلسطينيون. وهناك من يقولون إن هناك الثلث حتى. وهناك من يفضلون ابقاء الناصرة عنوان سكنهم في سجل السكان من اجل المشاركة في الانتخابات البلدية فيها. جميعهم يدفعون الأرنونا للبلدية التي تهتم اساسا باليهود فيها، لكنهم يديرون حياتهم في الناصرة السفلى، في المدينة الاصلية المكتظة جدا، يتعلمون ويعملون ويديرون مصالحهم التجارية ويقيمون حياتهم الاجتماعية ويشترون ويُصلون.
مركز مدينة الناصرة يضج بالحياة، وهو يسمى ميدان النبع (المكان الذي فيه حسب التراث المسيحي الارثوذكسي ظهر الملاك جبريل وبشر مريم العذراء بأنها تحمل في رحمها إبن الله). حتى للشباب والأقل عمرا من بين سكان المدينة الذين يجلسون لساعات حول طاولات المطاعم المتلاصقة ويتبادلون الاحاديث، يعتبر بيتهم. في نهاية الاسبوع سمعت عن الازمة الاخيرة حول تشكيل القائمة المشتركة وأن قائمة “بلد” لن تنضم اليها.
استمعت لمن يدعون الى مقاطعة الانتخابات، سواء كطريقة لمعاقبة الاحزاب المتحجرة أو بسبب الاغتراب عن الدولة التي تتنكر للسكان الاصليين وتاريخهم في بلادهم. عندما اصوات اليمين المسيحاني – الاستيطاني تخترق أكثر فأكثر التيار العام الاسرائيلي وتدعو الى استكمال طردهم من البلاد، أليس الترف التخلي عن أحد مجالات النشاطات الحالية أو خسارة الاصوات بسبب شجار حول المكان في القائمة، سألت. إن غيابكم عن الكنيست سيسعد فقط السموتريتشيين، ايضا الغانتسيين لن يذرفوا الدموع عليكم. وبالعكس، سألت، هل عملية مقاطعتكم تساعد بطريقة ما على زيادة الوعي والنشاط (ليس فقط في الفيس بوك وفي الكوابيس) ضد مخططي الطرد وخطر التهجير.
وتوجد افتتاحية اخرى مرتبطة بعنوان المقال: الصدفة الجيدة التي جلبتنا الى الناصرة لعدة ايام هو عروض فرقة الاطفال “امواج” (من الخليل وبيت لحم) مع عازفين شباب من الفرقة الموسيقية “زرياب” من المدينة. الاطفال اكتشفوا أنه يمكن السفر 2 كم من مركز المدينة بدون الاصطدام مع حاجز من الاسلاك الشائكة أو جدار اسمنتي أو جندي يصوب بندقيته ويصدر أوامره بلغة غير مفهومة. لقد اكتشفت ازدهار معين في المدينة القديمة الجميلة والحزينة، بعد أن امتد ترميم العام 2000، بعد أن تعطلت وأوقفوها لسنوات وأخلوا سوقها وابعدوا الكثيرين من سكانها.
هناك هم على قناعة بأن ذلك كان متعمدا في محاولة لفرض عملية تحسين يهودية مثلما يحدث في عكا. السوق القديمة، في متاهة المباني العثمانية، لم تعد الى ما كانت عليه بعد. ولكن محلات بيع الكتب التي هي ايضا مقاهي، وبيوت الضيافة في المباني القديمة عالية الأسقف والأقواس، فتحت هنا وهي تجذب الزوار. من حسن الحظ أنه هنا تحدث الله واعطيت البشارة لمريم التي تحولت الى جسد المسيح والسياح يأتون الى هنا.
هذه هي المدينة العربية الوحيدة في حدود 1948 التي لم تنجح اسرائيل في تدميرها واخلاء سكانها الاصليين. حقيقة تاريخية معروفة، لكن هذه المرة اكتشفت أن الانفعال والاثارة هي التي تقوم بصياغتها، قوتها وأهميتها افضل من مجرد قولها. مثل الشوكة الفاخرة بقيت الناصرة عالقة في مؤامرة التهويد والطرد وتزوير التاريخ. التواصل العائلي، الحضري والثقافي يمكن لمسه جيدا.
الاعارات هي مقامرة أدبية، لذلك، انسوا الشوكة ولنعد الى السائق. لقد تهرب من ازدحامات المرور التي تحدث بعد صلاة يوم الجمعة، من خلال مناورته بين الازقة الضيقة التي لا توجد فيها أرصفة أو خضرة والبيوت فيها مكتظة وملتصقة ببعضها. لقد قام بانزال ثلاثة ركاب أولا الذين جلسوا في المقعد الخلفي. أحد الركاب الذي كان يحمل كيس اسود قال “فقط كي لا يرى الشيوخ أنني قد اشتريت البيرة”. السائق قال إن دونم الارض سعره مليون دولار. قبل 1948 كانت مساحة الناصرة 25 ألف دونم والآن مساحتها فقط 14 ألف دونم. أنتم لن تخمنوا الى أين ذهب الباقي. أنا سأكشف لكم: اسرائيل قامت بمصادرتها لصالح المدينة لليهود. الشقة السابقة في الناصرة العليا التي استأجرها احد اصدقائي بنيت على ارض جده.