التقريري الأوروبي الاقتصادي يحذّر لبنان: يجب معالجة الفساد وإلّا…

مجلس الواب
أصدرت أمس المفوضية الأوروبية، المديرية العامة للشؤون الإقتصادية والمالية، تقريراً بعنوان "هل يتحدى لبنان الجاذبية إلى الأبد؟". جاء فيه تعليقات ونصائح إقتصادية للخروج من الأزمة المزمنة، حيث اعتبر أن إقرار موازنة 2019 وتقديم إستراتيجية موثوقة للتكيف المالي على المدى المتوسط هو أول خطوة نحو الاستدامة المالية. كما أن تبديد المخاوف في شأن وصول "حزب الله" إلى الأموال الحكومية، سيساعد في ضمان استقرار النظام المصرفي.

رأت المفوضيّة الأوروبيّة أن أن تحسين جودة الأصول واتخاذ خطوات ملموسة في الإصلاحات الهيكلية، لا سيما من خلال استكمال وتنفيذ أجندة إصلاح الكهرباء ومكافحة الفساد، سيكون له دور أساس في استعادة ثقة المستثمرين وتوجيه التدفقات المالية إلى أغراض أكثر إنتاجية لتعزيز إمكانات النمو الطويلة الأجل في لبنان. ورغم إقرارها بسير الخطة في الاتجاه الصحيح، لفتت إلى أن التطبيق سيؤدي إلى الإصلاح أو يكسره، نظراً إلى محاولات سابقة ذات التزامات مماثلة لم تصمد أمام الضغط السياسي والمصالح الخاصة.

ونشر موقع Arab economic news خلاصة التقرير الأوروبي، حيث اعتبر أنه رغم الضغوط الكبيرة التي تواجهها الحكومة اللبنانية إلا أنها استطاعت الحفاظ على مستوى مذهل من المرونة. ووسط تقلبات اقتصادية عالية وبيئة جيوسياسية مضطربة، كان الضغط يتصاعد لمعالجة العجز الكبير المزدوج، والمستوى العالي للدين العام، والافتقار إلى القدرة التنافسية. إلا أن وجود خطة موثوقة للإصلاحات الهيكلية المعززة للنمو، سيؤدي دوراً مهما في إعادة بناء ثقة المستثمرين وتمهيد الطريق لتحقيق انتعاش اقتصادي قائم على أساس متين.

اقرأ أيضاً: عن مكافحة الفساد: برسم كل من الوزير والنائب والسيد (3)

وشدد التقرير على ضرورة إعادة تنشيط أجندة الإصلاح للحصول على “رؤية لتحقيق الاستقرار والنمو والتوظيف” التي تهدف اليها الحكومة، وهو برنامج إصلاح مقدم في مؤتمر “سيدر” وأيده إلى حد كبير الاتحاد الأوروبي. يتضمن المفهوم خطة شاملة لاستثمار رأس المال، وتم تقييمها من البنك الدولي.

وتأمل الحكومة الآن في إطلاق الـ11 مليار دولار الذي تعهدت به الجهات المانحة الدولية. في الجانب المالي، تتعهد الرؤية بخفض الدين العام عبر خفض عجز الموازنة بنسبة 1% من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا على مدار خمس سنوات، بدءا من هذا العام. ورغم صعوبة الوصول إلى هذا الهدف على المستوى السياسي، لكنه قد لا يكون كافيًا بعد عام إضافي من الانزلاقات.

ويعتبر التقرير أنه تاريخيا، كان لبنان قادرًا على تحمل ضغوط الديون العامة المرتفعة والعجز المزدوج المستمر، وذلك بفضل تدفقات الودائع الكبيرة التي تجذبها أسعار الفائدة التنافسية والبيئة المصرفية المنظمة بشكل صارم. ظلت البطالة والتضخم دون المتوسطات الإقليمية. وبحسب نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فريد بلحاج، “لقد كان لبنان يتحدى الجاذبية”. مع ذلك، فإن الاتجاهات الأخيرة المتمثلة بتباطؤ تدفقات الودائع، إلى المشاحنات السياسية المستمرة في مواجهة المزيد من الضغوط المالية والهيكلية، هي مشاكل توحي بأن نموذج الأعمال اللبناني السابق قد لا يكون قابلاً للتطبيق.

الطريق نحو الإستدامة المالية

في ظل ترقب التزام الحكومة بتخفيض العجز في الموازنة الجديدة، يشير التقرير الى أن معالجة العجز المالي الكبير أمر لا مفر منه. ورغم تأثيره السلبي على النمو الاقتصادي، فإن خفض العجز سيكون إشارة مهمة للبنان لطمأنة المستثمرين والعودة إلى الجدوى المالية. وكان التزام الحكومة بخفض العجز 1% لـ5 سنوات وفق “سيدر”، كافياً فقط لاستقرار الدين العام عند مستواه في ذلك الوقت. لكن، بعد مرور عام ومع استمرار نمو الدين العام، سيكون من الضروري إجراء تعديل أكثر طموحًا. تشمل الخيارات المطروحة رفع ضريبة القيمة المضافة، واستعادة ضريبة الوقود، والتخلص التدريجي من دعم الكهرباء، واحتواء فاتورة رواتب القطاع العام. وبينما أعلنت الحكومة عن خفض المساعدات وتجميد التوظيف في بيان أولي، استبعدت أي زيادة ضريبية. ومن غير المرجح أن يكون هذا كافيا للقيام بهذه المهمة.

ويشير العجز التراكمي في الحساب الجاري والتقدير الحقيقي الثابت إلى خسائر في القدرة التنافسية. ظلّ العجز في الحساب الجاري يحوم عند 20% من الناتج المحلي الإجمالي في السنوات الأخيرة، ويتوقع أن يصل إلى نحو 27% في 2018. وقد أثر العجز الكبير في تجارة السلع على الحساب الجاري، مدفوعًا بضعف الصادرات والواردات القوية. لقد ولدت السياحة وغيرها من الخدمات فوائض صغيرة ومقلصة نسبياً في الخدمات. في حين أن الدخل الأولي كان ضئيلاً، إلا أن رصيد الدخل الثانوي كان إيجابيًا على خلفية التحويلات، رغم أنها أظهرت أيضًا بعض الانخفاضات في السنوات الأخيرة. عانت القدرة التنافسية للصادرات من الزيادات القوية في سعر الصرف الفعلي الحقيقي منذ عام 2007، مما أدى إلى ربط سعر باهظ بربط العملة.

تخفيض قيمة العملة؟

أشار التقرير الى أنه يمكن أن يؤدي خفض قيمة العملة إلى زيادة القدرة التنافسية للصادرات، لكنه قد يؤدي أيضا إلى تضخيم فاتورة الاستيراد وخصوم العملات الأجنبية بالعملة المحلية. ومع ذلك، قبل أن يبدأ هذا التأثير الإيجابي، فإن الكمية الكبيرة من السلع المستوردة للاستهلاك والاستثمار ستشهد زيادة حادة في الأسعار، مما يزيد التضخم ويستدعي سياسة نقدية انكماشية قوية، ويدفع تاليا معدلات الإقراض إلى منطقة محظورة ويرفع حدة الركود الاقتصادي. إن الحصة الكبيرة من القروض المقومة بالعملات الأجنبية ستؤدي إلى تفاقم أعباء الديون العامة والخارجية في حال خفض قيمة العملة، وستؤثر على قدرة لبنان على السداد، مما سيجعل القطاع المصرفي مهددًا بشدة.

مخاطر على القطاع المصرفي

يعتبر التقرير أن المصارف معرضة لعدم تطابق الاستحقاقات، اذ ازدادت استثماراتها في أدوات مصرف لبنان طويلة الأجل، بينما تميل ودائعها إلى فترات استحقاق قصيرة، وأن نسبة دورلرة الودائع، مع ارتفاع حصة الودائع الأجنبية من إجمالي الودائع الى أكثر من 70% ارتفعت وذلك للمرة الأولى منذ 10 سنوات.

– وارتفعت نسبة تعرض المصارف للقطاع العام ومصرف لبنان إلى أكثر من ثلثي الأصول، إضافة إلى زيادة مخاطر تلك الأصول. وأدى ذلك الى تدهور جودة أصول القطاع الخاص. ويشير وضع الاقتصاد الكلي وسط تباطؤ القطاع العقاري، إلى تدهور في جودة الأصول.

ماذا يعيق النمو؟

في هذا الشأن، أفاد التقرير أن ما يعوق النمو المحتمل هو اعتماد الاقتصاد الكبير على الخدمات غير المنتجة. تشكل الخدمات 87% من إجمالي القيمة المضافة. تتعلق الركائز الثلاث الرئيسة لقطاع الخدمات في القطاع الخاص بالإنشاءات والخدمات المالية والسياحة، بحصة مجتمعة تبلغ نحو 36%.

وفيما غذّت هذه القطاعات معدلات نمو أعلى في لبنان خلال الفترة التي سبقت الأزمة السورية، فإنها لم تفعل سوى القليل لتعزيز القدرة الإنتاجية للاقتصاد ووضع الأسس للنمو المحتمل. لا يزال البناء يواجه صعوبات عقب إلغاء دعم مصرف لبنان لإقراض القطاع العقاري، مما ينعكس في انخفاض عدد عمليات تسليم الأسمنت وتصاريح البناء. سجلت السياحة انتعاشًا جزئيًا من انهيار 2011. ومع ذلك، فإن معدلات النمو الأخيرة لم تبقَ دون معدلات ما قبل الأزمة فحسب، بل تباطأت بشكل كبير. يعاني التصنيع من نقص الاستثمارات وضعف امدادات الكهرباء وضعف نمو الإنتاجية. وفيما اكتسب القطاع الزراعي سمعة جيدة ويتمتع بإنتاجية أعلى، لكنه لا يمثل سوى 3% من إجمالي القيمة المضافة، ويعاني من ضعف شبكات النقل والطاقة.

ويشير التقرير أن البنية التحتية غير كافية وتتطلب استثمارات كبيرة، إضافة الى وجوب إصلاح قطاع الكهرباء على نطاق واسع بغية تعزيز بيئة الأعمال، وتحقيق استهلاك أكثر كفاءة للطاقة والحد من استنزاف الميزانية. ويمكن أن تطلق التحسينات على البنية التحتية الإمكانات الأكبر للسياحة، وهي الصناعة التي تعافت جزئياً من الركود الذي حققته في 2011 وما زال لديها إمكانات كبيرة للاقتصاد اللبناني.

وتشير دراسة قطاعية حديثة بتكليف من الحكومة، إلى عدم وضوح العلامة التجارية والجهود غير المركزة في استهداف أسواق المصادر باعتبارها أوجه القصور الرئيسة الحالية (وزارة الاقتصاد، 2018). وتوصي بتطوير استراتيجية تركز على الترفيه، والسباحة والثقافة، تكملها السياحة الإقليمية التجارية والسياحة الطبية، التي تركز على الأسواق الأساس في أوروبا والعالم العربي والمغتربين. تشمل العوامل التمكينية الرئيسة تحسينات البنية التحتية، وتعزيز جهود التسويق والعلامات التجارية، فضلاً عن التسهيلات التنظيمية والإدارية. حددت الأدبيات التجريبية ربط النقل الجوي كمحرك رئيس للسياحة، وخصوصا بالنسبة للبلدان الصغيرة التي يتعذر الوصول إليها بطريقة أخرى.

توجيه استثمارات المغتربين الى القطاعات الإنتاجية

يعتبر التقرير إن توجيه استثمارات المغتربين إلى القطاعات الإنتاجية من شأنه أن يزيد من إمكانات النمو في لبنان. فحتى الآن، يستثمر المغتربون بشكل أساس في ودائع مجزية في المصارف اللبنانية وفي المشاريع العقارية. إن المشاركة بشكل أكثر كما تشجعه أولويات الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ولبنان، يمكن أن تساعد في حشد الاستثمار المباشر في المشاريع الإنتاجية التي تعزز إمكانات نمو لبنان بشكل أكثر استدامة مما تفعل التدفقات الحالية. إن سياسة الوصول المفتوح مع التحسينات المرئية في بيئة الأعمال التجارية من شأنها أن تدعم التزام لبنان وتعزز الثقة للمغتربين بالعودة إلى جذورهم.

اقرأ أيضاً: تركيبة الفساد في لبنان ما بعد الحرب

معالجة الفساد وإلا

يؤكد التقرير أن معالجة الفساد ستعالج عقبة رئيسة في مجال الاستثمار. ويعد عدم الاستقرار الحكومي والفساد من أكثر العوامل إثارة للمشاكل بالنسبة للشركات التي تمارس أعمالًا تجارية في لبنان، وبالتالي من دون إصلاحات ملموسة، يخاطر لبنان بالتوجه نحو أزمة عملة وأزمة سيادية ومصرفية. بعد 9 أشهر من الانتخابات، عاد لبنان إلى المربع الأول. تم وضع خطة الإصلاح والاستثمار الخاصة بمؤتمر “سيدر”، وينتظر المانحون الدوليون أن يطبق لبنان الشروط المسبقة المتفق عليها. تعتبر الاجراءات الجريئة ضرورية في مجالات عدة لإظهار التزام الحكومة الجديدة بخطط الإصلاح وتنشيط زخم الإصلاح

التطورات الإقليمية تحمل المخاطر والفرص. لقد أثر الصراع في سوريا على النسيج الاقتصادي والاجتماعي في لبنان. لقد وُجهت للسياحة ضربة قوية، كما تعرضت البنية التحتية لمزيد من الضغوط بسبب التحدي المتمثل في استضافة أعداد كبيرة من اللاجئين. في حين أن استمرار الأعمال القتالية أو تفاقمها في المنطقة قد يزيد من تفاقم المشاكل الاقتصادية في لبنان، إلا أن تحقيق الاستقرار والانتعاش الناشئ في سوريا يمكن أن يكونا في أيدي لبنان إلى الحد الذي يضع فيه الآن الأسس لتثبيت موقعه كمركز إقليمي لإعادة الإعمار. وفي هذا المنظور أيضًا، ستكون القدرة السياسية على التصرف واستعادة الحيز المالي ونظامًا مصرفيًا يعمل بسلاسة وتحديث البنية التحتية للنقل والطاقة، أمرًا لا غنى عنه”.

السابق
مولدات كهرباء دير الزهراني عائلية… ومطالبات بتسليمها للبلدية
التالي
مهرجان كرامة بيروت: حين تروي العدسة حقوق الإنسان