اجتماع القدس الثلاثي: تحديد الدور الإيراني بضمانة روسية

علي الأمين
وظيفة اجتماع القدس هي تحديد الدور الإيراني وضبطه، والحاجة الأميركية إلى روسيا لا تهدف إلى دفع موسكو إلى إنهاء الوجود الإيراني في سوريا بل مساعداها لكي تكون وصيّا وضامنا بالكامل للدور الإيراني في سوريا.

في القدس لقاء تاريخي غير مسبوق جمع مطلع هذا الأسبوع، مستشاري الأمن القومي الأميركي جون بولتون والروسي نيكولاي باتروشيف والإسرائيلي مئير بن شبات بهدف مناقشة قضايا مختلف نقاط الأمن الاستراتيجية في الإقليم.

الحديث في هذا اللقاء، حول خطة أميركية بشأن الحل في سوريا، تتناول تنفيذ القرار الدولي 2254، والتعاون في ملف محاربة الإرهاب وتنظيم الدولة الإسلامية، وتحجيم النفوذ الإيراني، والتخلص من أسلحة الدمار الشامل في سوريا، وتوفير المساعدات الإنسانية، ودعم الدول المجاورة، وتوفير شروط عودة اللاجئين السوريين، وإقرار مبدأ المحاسبة عن الجرائم المرتكبة في سوريا، حسب تسريبات صحافية، أشارت إلى أن الخطة سبق وأن قدمها وزير الخارجية الأميركي للجانب الروسي.

اقرأ أيضاً: ترامب يستنجد بخامنئي!

رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، وصف الاجتماع الثلاثي بـ”التاريخي وغير المسبوق”، مشيرا إلى أن هدفه “ضمان الاستقرار في الشرق الأوسط في ظل أوقات مضطربة”. وتابع “ما هو مهمّ في هذا الاجتماع، أن القوتين العظميين تجتمعان في إسرائيل ما يظهر بشكل كبير المكانة الدولية لدولتنا بين الأمم”.

من المبكّر القول إن روسيا ستستجيب للضغوط الأميركية – الإسرائيلية للإطاحة بالوجود الإيراني في سوريا، لكن مجرد مشاركتها في اللقاء الثلاثي وفي القدس تحديدا ملفتة جدّا، علما وأن روسيا منذ تدخلها عسكريا في الأزمة السورية، تعززت بينها وبين إسرائيل العلاقات الثنائية وباتت زيارات بنيامين نتانياهو إلى موسكو متتالية، في ظل استباحة إسرائيل للأجواء السورية لضرب الوجود الإيراني أو النظام السوري.

روسيا لن تستجيب فورا ومن دون ثمن، لكن حضورها اجتماعا كهذا يدلّ أن لها مصالح يمكن أن تتعارض مع الوجود الإيراني في سوريا. فاجتماع القدس الثلاثي لن ينفع العلاقات مع إيران لأنه يناقض سياستها، وبالتالي فإن العلاقات بينهما (طهران – موسكو) ستتأثر حتما، ولأن روسيا القوة الأقوى في المنطقة، ولو ساءت العلاقات، لا مصلحة لإيران بمعاداتها، لاسيما أن إيران التي تئنّ من الحصار الأميركي تعاني أيضا من شبه عزلة إقليمية ودولية، لذا لن تغامر بالتفريط في علاقتها مع روسيا مهما اقتربت الأخيرة من واشنطن وتل أبيب في مقاربتها للأزمة السورية.

وكان الأمين العام لمجلس الأمن القومي الأعلى في إيران، علي شمخاني، قد أكد أنه لا أحد يمكنه أن يجبر إيران على الانسحاب من سوريا، معتبرا المسألة هذا البلد ليست محور بحث ومن الخطوط “الحمر” التي لا يسمح لأحد بالتكلم عنها. وقال في مقابلة مع قناة “آر تي” الروسية إن “موسكو أطلعتنا على أن من طرح عقد اللقاء هو الاحتلال الإسرائيلي، وأنا أرى أنه سيكون لقاء خادعا”.

ليس خافيا أن الموقف الإيراني في سوريا، يستند إلى قوى ميليشياوية تشكل القوة الفعلية التي تضمن نفوذه على الأرض، وعلاقات وثيقة مع النظام السوري تحديدا في بيت الأسد، ذلك أن القيادة الإيرانية وضعت كل أوراقها السياسية في سوريا في سلة بشار الأسد، وشقيقه ماهر، وهي في المقابل شكّلت القوة العسكرية البرية الفاعلة، والتي تكاملت مع القوة الجوية الروسية، في عملية ضرب القوى المعارضة للنظام خلال السنوات الماضية، ولعل إيران أرادت أن توجه رسالة إلى روسيا في الميدان وذات مغزى، عندما نأت بنفسها عن المعارك الجارية في إدلب، وحاولت إظهار أن القوات النظامية السورية والطائرات الروسية، عاجزة أن تحقق انتصارا في إدلب وفي ريف حماة الشمالي من دون انخراط جدي للقوات الإيرانية وميليشياتها، وهذا ما أدى إلى أن بعض قوى المعارضة حققت تقدما ميدانيا في بعض جبهات القتال مع الجيش السوري، فضلا عن تراجع ملحوظ في قرار الدخول إلى إدلب، من أسبابه الرئيسية انكفاء إيران عن الزج بقواتها بشكل فاعل في هذه المعركة.

اجتماع القدس، كما أشرنا، لن يدفع روسيا للاستجابة إلى الضغوط الأميركية أو إلى إغراء التفاهم مع واشنطن في سوريا على قاعدة أبعاد إيران، لكن ذلك لا يعني في المقابل أن الوقائع الميدانية لا تشير إلى محاولات روسية حثيثة في سبيل تعزيز نفوذها في سوريا على الأرض، لأنها تدرك أن قرار الانتقال إلى مرحلة الحل السياسي في سوريا، تحتاج إلى انخراط أميركي لفتح الباب أمام إعادة إعمار سوريا، برفع سيف العقوبات عن سوريا، وتحفيز الدول والصناديق الداعمة من أجل الانخراط في عملية الإعمار، التي تنقل روسيا من مرحلة خطر الغرق في التحول السوري، إلى مرحلة استثمار ما كسبته في الحرب بتعزيز دورها كضامن لمعادلة سورية سياسية محلية وخارجية.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أكد على الطابع “التفاوضي” مع “شركائنا حول اتفاقات بشأن حل بعض المشاكل”، مشيرا إلى تركيا وإيران، وكذلك “مع الدول المعنية الأخرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، في التسوية السياسية (السورية) وتشكيل لجنة الدستور وإطلاق مهمتها وتحديد قواعد عملها”.

يبقى أن المجتمعين في القدس يدركون أن قوة إيران لا تقتصر على أنها طرف فاعل في الميدان السوري وفي حماية نظام الأسد، الذي لا يزال يشكّل وجوده حاجة متفاوتة بين أطراف اجتماع القدس، وهي حاجة تتصل بالدرجة الأولى بعدم اطمئنان إسرائيل للبدائل عن هذا النظام، الذي بقي ملتزما، ومن ورائه إيران، بعدم نقل الحرب والفوضى إلى حدود إسرائيل، وبالتالي فإن إيران رغم كل الخطب النارية التي تروّج لها ضد إسرائيل، تبقى بالنسبة للأخيرة عنصر استقرار لها، طالما أن أولوية طهران الفعلية هي مواجهة الأكثرية السنيّة ودول عربية، والتحصّن ضدها، وهذا ما يعزز النظرة الإسرائيلية الاستراتيجية، بضرورة حماية الشروخ التي أحدثتها إيران على الحدود الشمالية، فالضمانة لإسرائيل، حسب التجارب، عدو ظاهري في الشكل، متقاطع معها في المضمون الاستراتيجي، أي إضعاف الأكثرية العربية وحماية تشتتها.

لذا أمام هذا التقاطع العميق في نظام المصالح الاستراتيجية بين إيران وإسرائيل يُطرح التساؤل التالي: لماذا هذا الاجتماع الثلاثي في القدس والذي يضع خروج إيران من سوريا في أولوياته؟

الإجابة على هذا التساؤل، يمكن تلخيصها بكون إسرائيل لا تريد دورا إيرانيا متعاظما في المنطقة، بل تريده أن يبقى محدودا ضمن أولويات عربية، وهي ليس في وارد إنهاء الدور الإيراني بل ضبطه بالكامل ضمن الإيقاع الدولي، وأكثر ما يعني إسرائيل من هذا الدور، عدم وجود أسلحة يمكن أن تمسّ بأمنها، لذا فإن اهتمامها تركّز في السنوات الماضية، على الصواريخ الدقيقة وإن كانت انتقلت إلى لبنان أو لم تنتقل، أما في ما يتصل بالحروب الداخلية، فكانت إسرائيل غير مستاءة من الدور الإيراني، إن لم تكن مرحّبة.

لذا فإن وظيفة اجتماع القدس هي تحديد الدور الإيراني وضبطه، وجعل إيران في الحل السوري برتبة أدنى من رتبة موسكو وإسرائيل وواشنطن، والحاجة الأميركية إلى روسيا اليوم لا تهدف إلى دفع موسكو إلى إنهاء الوجود الإيراني في سوريا بل مساعدتها لكي تكون وصيّا وضامنا بالكامل للدور الإيراني في سوريا.

السابق
لبنان سيمشي بـ«صفقة القرن»
التالي
إصابة مواطن بكسور وجروح في حادث سير على طريق ديرميماس