رسالة مفتوحة الى المستشار الثقافي الايراني: اهلا وسهلا.. ولكن

كتاب مفتوح موجه الى حضرة المستشار الثقافي للجمهورية الاسلامية الايرانية محمد مهدي شريعتمدار المحترم

تحية طيبة بعد،

تزور غدا بيتا من بيوتنا، وصرحا من صروح الثقافة في مدينة “العروبة” طرابلس، تستضيفك قامة أخلاقية، وقيمة أدبية، السيدة الفاضلة فضيلة فتال، المرأة المثقفة المبادرة، التي ولفرط اهتمامها بالثقافة والفكر والحوار أنشأت داخل منزلها صالونا أدبيا عساها بذلك تفتح نوافذ الجهل على الضوء، وتنفض غبار الركود العقلي فتتطاير ذرات الغشاوة عن قلوب الناس لترى العين بصفاء القلب حقيقة الأمر ومآلاته بعيدا عن الشعبوية والهوبرة والفذلكات.

ولأنها طرابلس المدينة العربية المتماهية مع تاريخها، لا يمكن ان ترفض استقبال أي زائر، حتى وان كان في هذا التوقيت الخاطئ نظرا لاحتدام الخطابات السياسية، والمعارك في ساحات الوغى، في الاقليم كله بين العرب وايران، وان كان الزائر هو أنت سعادة المستشار بما تمثل.

ستجد عند وصولك الى منزل السيدة فضيلة ثلة من شباب المدينة الغيور والمتحمس، ينتظرونك ليسمعوك كلاما لا تحب سماعه، وعلى الرغم من هاجس اعتقالهم من قبل السلطة لأنه سيعترضون على زيارتك، فانهم تحركوا عفوا لأنهم شعروا أن مجرد زيارتك الى مدينتهم، فيه اهانة لهم ولما يمثلون من قيم .

هؤلاء يا سعادة المستشار ليسوا مأجورين، ولا فلول أحزاب بائدة وأجهزة واعية، ولا سنة سفارات، هؤلاء “جو” المدينة العام، الذي كان منذ زمن آبائهم معكم مؤيداً للثورة رافعا لصور الامام الخميني في شوارع المدينة ومقاهيها، لكنه مزقها بعد ايام عدة، بعد ان وجد ان هذه الثورة الاسلامية انقضت على اخوانهم الضباط السنة والمشايخ السنة في ايران، وانها بدأت تنفذ مشروعا دينيا خاصا بها، وتتغلغل داخل الدول العربية والاسلامية ليس بهدف الدعوة او بهدف كسب الود والتعاطف، وانما من باب الفتن وخلق القلاقل، فدخلت كل الساحات العربية والاسلامية وعاثت فيها قتلا وفسادا وتدميرا، وبعد ذلك اعلنت صراحة انها تسيطر على اربع عواصم عربية.

وكذلك فعلت طرابلس مع ممثلكم الشرعي في لبنان حزب الله، فساحة النور التي ستدخل منها سعادتكم آمنا مطمئنا الى قلب مدينة العروبة، شهدت عام 2000 عرسا وطنيا بكل ما للكلمة من معنى واجزم انكم اطلعتم على صور ذاك النهار الذي خرج به اهل طرابلس رافعين صور السيد نصرالله واعلام حزب الله مهنئين انفسهم قبل الغير بالانتصار على العدو الاسرئيلي الذي كان سلاح الحزب موجهدا ضده فقط، ولم تكن بيروت تل أبيب، والشوف وعاليه مستعمرتي اسرائيليتين…ثم بعد ذلك أنتم أدرى بماحدث لانكم تتحملون مسؤولية كبرى في تحويل صورتكم في عقول الطرابلسيين وكل العرب من ثورة اسلامية ترفع شعار: نصرة المستضعفين والوحدة الإسلامية وتحرير فلسطين، الى سرطان يضرب بقوة القفص الصدري للأمة ويسعى لغرز سيفه اكثر وصولا الى العمود الفقري لها، وما مساهمتكم بقتل اخواننا في العراق وابادة اهلنا في سوريا، ودعمكم العلني والمباشر للحوثيين الذين يقصفون الكعبة الشريفة بالصواريخ، والعمل على تفتيت الليبيين الا دليلا واضحا على ذلك.

ثم بعد ذلك،
اهلا وسهلا بك في #طرابلس. هذه المدينة الصامدة الصابرة، التي لا ترفض ضيفا ولا تسكت على ضيم، لا تؤيد قاتلا ولا تناصر ظالما، مدينة ذات “دور قيمي”، “وحضور اخلاقي” رغم كل ما شاب صورتها في السنوات الاخيرة، ولانها كذلك هي لا ترفض حضورك وبالوقت عينه لا يمكن ان تسكت عن ظلم وعدوان دولتك.

طرابلس التي ناصرت الثورات المحقة جميعها، ثورات الحق على الباطل، لا يمكنها اطلاقا ان تسمح لك بالحضور لتبرير الافعال والمجازر، ولا يمكن لك في الاصل تبرير ذلك.. انما لتسمع منك ما يرضاه الله ورسوله، وانك لتَعلم ان أفضل الجهاد كلمة الحق.

فان كان حضورك وكلامك وطرحك يرضي الله ورسوله فاهلا وسهلا بك، وان كان لا يرضيهما، فالثقافة والفكر اللذان يستخدمان لغير الحق والعلم ورفع الظلم ونصرة المستضعفين وحماية الاطفال والنساء، لا مكان لهما في قيم وآداب وثقافة وفكر أهل طرابلس، الذين ناصروكم فناصبتوهم العداء.

سعادة المستشار شريعتمدار في نهاية كلامي هذا، أستعين بهذه الكلمات الطيبات المؤثرات لملهم الثورة الاسلامية في ايران المفكر الكبير علي شريعتي رحمه الله الذي قال ذات يوم: “إذا أردت أن تخرّب اي ثورة فقط أعطها بعداً طائفياً أو دينياً، وستنتهي إلى هباء”، وهو بهذا أعلن تعثر ثورتكم التي نظّر لها وألهم ناسها على الخروج، وهي الثورة التي نقلت الشعب من الظلم الى الظلام، فكفانا حديثا عن الثورة والفكر والثقافة، وشعبكم يعاني من ظلمكم كما تعاني شعوبنا العربية مجتمعة.

ونحن بعد كل ذلك نعلم، لاننا قررنا الوقوف ضد الظلم، أننا سنشتم، ونتهم بالدعشنة، لكننا على وصية شريعتي: لن نسكت عن الظلم من أجل ان يقال عنا رجال سلام.

السابق
مضيق هرمز..حقائق عن أهم شريان نفطي بالعالم
التالي
بو صعب اتفق مع المنسق الخاص للامم المتحدة لمساعدة لبنان في ضبط حدوده ومنع التهريب