تحذير دولي وإقليمي من «مسترئس منفرد» يأخذ لبنان إلى المجهول!

احمد عياش

يؤكد مقربون داخل الحلقة الضيّقة لرئيس مجلس الوزراء سعد الحريري لـ”النهار” انهم يجهلون موقف الرئيس الحريري مما يجري، وتحديدا ما يتعلّق بـ”التسوية الرئاسية” التي أنهت الفراغ الرئاسي عام 2016. وبناء على هذا التأكيد، يشير هؤلاء الى ان كل الجدل الذي تصاعد في الايام القليلة الماضية على خلفية مواقف لرئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل، لا تعني ان مصير التسوية بات على المحك.
متابعون للاتصالات الجارية لإيجاد مخارج من هذا الجدل شرحوا ل”النهار” عشية عودة رئيس الحكومة الى بيروت بعد إجازة عيد الفطر،ان الملفات الجديّة المطروحة على بساط البحث في هذه المرحلة ،هي الموازنة والتعيينات والكهرباء. وهذه الملفات التي تحرّك اولها، أي الموازنة، في إتجاه مجلس النواب، فيما بقيّ ملفا التعيينات والكهرباء على طاولة الحكومة، تتطلب تضامنا حكوميا يبدو انه مفقود حاليا.ولا يختلف إثنان حول سبب غياب هذا التضامن الذي يعود الى حسابات فريق “التيار الوطني الحر” بزعامة الوزير باسيل ،وهي حسابات تصطدم بكل المقاربات التي تسعى الى توفير إجماع. ويكفي هنا الاشارة الى ما يتردد حول عزم “التيار” الحصول على التعيينات المسيحية منفردا ووضع شروط على التعيينات المسيحية.

اقرأ أيضاً: اجترار الفشل

عند توجيه السؤال الى هؤلاء المتابعين حول الوسيلة التي يمكن إعتمادها لردم الهوة بين هذا الفريق الوزاري وبين سائر مكوّنات الحكومة يجيبون بلا تردد بإن الحل متوافر عند رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يتمتع بصلاحيات دستورية داخل السلطة التنفيذية ، كما يتمتع بصلاحيات سياسية داخل التيار العوني. فهل هناك من أفق كي يمارس الرئيس عون هذه الصلاحيات الدستورية والسياسية؟
في معلومات مستقاة من الاتصالات التي جرت على أعلى المستويات، ان الرئيس عون مقتنع تماما بكل الاداء الذي يمارسه الوزير باسيل. وخرج احد هؤلاء المشاركين في هذه الاتصالات بإنطباع، ان رئيس الجمهورية منح زعيم تياره السياسي ورئيس فريقه الوزاري (الوزير باسيل)، تفويضا مطلقا، ما دفع الوسطاء الى الانكفاء بعدما أقفل أمامهم قصر بعبدا باب المناقشة.وصار لزاما على سعاة الوسطية ان يتجهوا نحو وزير جيّر له رئيس الجمهورية كل صلاحياته. وهنا جوهر الازمة التي يمرّ بها الان العمل الحكومي. إذ كيف يمكن لرئيس مجلس الوزراء ان يسيّر عمل السلطة التنفيذية بموجب صلاحياته الدستورية مع وزير في حكومته بدلا من ان يسيّرها مع رئيس الجمهورية الشريك الاساسي في هذه السلطة؟
حتى يعود العمل الحكومي الى “رشده” الدستوري، وفق تعبير مصدر وزاري قريب من رئيس الحكومة، بدأت هذه الازمة الداخلية تتفاعل خارجيا.فقد علمت “النهار” أن الجهات الخارجية المعنية بمؤتمر “سيدر” بدأت توجيه رسائل الى المسؤولين حول ما إعتبرته “إلتفافا” على إلتزامات لبنان لمعالجة ملف الكهرباء، الذي يمثل فعليا “الخطيئة الاصلية” التي تسبب بمديونية هذا البلد التي وضعته في المراتب الاولى للدول الاكثر ميدونية في العالم.وأخذت هذه الجهات على المسؤولين انهم أخرجوا بند تمويل عجز الكهرباء من الموازنة على رغم انه يبلغ وحده ملياريّ دولار أميركي.
من تفاعلات الازمة الداخلية خارجيا أيضا، ما يتصل بما طرأ من تعامل مع ملف ملف النازحين السوريين في لبنان.وفي معلومات ل”النهار” ان الاتحاد الاوروبي يستعد لإصدار بيان شديد اللهجة ضد ما يعتبره ممارسات مجحفة بحق هؤلاء النازحين مورست أخيرا في دير الاحمر وعرسال.وفي موازاة ذلك، علمت “النهار” من مصدر وزاري ان وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب ، عضو الكتلة الوزارية ل”التيار الوطني الحر”، أعد خطة تجيز “العودة القسرية” للنازحين الى سوريا، بما يتنافى مع المبادئ والاعراف الدولية.ومن المفارقات، بحسب هذا المصدر، ان سلوك بعض المسؤولين يأتي في زمن تفاقم الازمة في سوريا على المستويين الامني والسياسي.ويكفي هنا إيراد ما نشرته صحيفة “الأوبزرفر” البريطانية قبل يومين تحت عنوان “الأسد يدمر منازل اللاجئين ليفرض سيطرته على معقل المعارضة”. وأستند المقال الى المعهد الأوروبي للسلام الذي نشر تقريرا أكد فيه أنه بين أيلول وكانون الأول عام 2018 أعلن النظام السوري عن “تفجير 344 مبنى بشكل علني بحجة عمليات التنظيف والتطهير في أعقاب الحرب.” فالى أين سيعود النازحون، إذا فرض لبنان فرض عودتهم ،وعددهم يقارب المليون ونصف مليون نازح،ويعمل نظام الاسد على تسوية ممتلكاتهم بالارض؟
التصريحات التي أدلى بها أخيرا الوزير باسيل، حرّكت الكثير من الانتقادات.ولم تقتصر هذه الانتقادات على الداخل فقط، بل وصلت الى المنطقة، وتحديدا الى المملكة العربية السعودية. فباسيل قال في تغريدة له: “من الطبيعي ان ندافع عن اليد العاملة اللبنانية بوجه اي يد عاملة اخرى اكانت سورية فلسطينية فرنسية سعودية ايرانية او اميركية فاللبناني قبل الكل…”فردّ الأمير السعودي، عبدالرحمن بن مساعد، على تغريدة الوزير باسيل بتغريدة مماثلة قال فيها: “مشكلة العمالة السعودية السائبة في لبنان كبيرة ولا يلام معالي الوزير العبقري على تصريحه ولا أرى فيه أي عنصرية بل هو تصريح حكيم وفي محله فالسعوديون زاحموا اللبنانيين على اعمالهم واللبنانيين أولى ببلادهم سيما أن عدد العمالة السعودية في لبنان يقارب ال200 ألف!”
هل من نهاية لهذه الازمة؟لا يبدو في رأي المراقبين ان هناك نهاية قريبة لهذا التخبط الداخلي.وإذا كان من نهاية فعلية، فستبدأ من تجاوز الحسابات الشخصية لحسم رئاسة الجمهورية المقبلة منذ اليوم، ما جعل الطامح البارز الى هذا الحسم، أشبه بـ”مسترئس منفرد” لا نصير له في الظروف الداخلية والخارجية لتحقيق هذا الطموح. والانظار حاليا حول من سيأخذ على عاتقه وضع حد لهذا “المسترئس المنفرد؟”

السابق
عالم فلك سعودي يُحذّر: خطر يهدد الأرض في أيلول المقبل
التالي
فحص الحدود الشمالية