فحص الحدود الشمالية

هونين

في إسرائيل، حيث تتغير عناوين الصحف الأولى بوتيرة هستيرية، وتصبح قصة الأمس خبراً ثانوياً في اليوم التالي، نسوا منذ وقت أنفاق «حزب الله» في الشمال. الموضوع الذي شكل قبل نصف عام عنواناً رئيسياً أول دراماتيكياً أصبح ثانوياً وموضوعاً هامشياً لا يحظى تقريباً بالاهتمام العام.
لكن في الأجهزة المهنية، في إسرائيل ولبنان، وأيضاً في دوائر واسعة في المنطقة والعالم، تظهر أصداء القضية. هذا الأسبوع نشرت «إسرائيل اليوم» قرار منح جائزة الأمن في إسرائيل هذه السنة إلى طواقم الاستخبارات والهندسة التي كشفت الأنفاق وعملت على تحييدها، هذا فقط الجانب الرمزي الاحتفالي للموضوع الذي منح إسرائيل إنجازاً دراماتيكياً مزدوجاً: حرمان العدو قدرة مهمة، وفرصة لتغيير عميق وجذري في جزء من قواعد اللعبة على الأرض.
وهكذا، وافقت الحكومة اللبنانية على الدخول في محادثات مباشرة مع إسرائيل بوساطة أميركية في محاولة لحل مشكلة الحدود البحرية بين الدولتين. والمطروح للنقاش هو الطموح اللبناني المعلن للبدء بتطوير حقول النفط في أراضيها؛ في دولة تعاني أزمة اقتصادية قاسية وعجزاً مالياً كبيراً، فإن المقصود منه هو ربح محتمل، لا يمكن لرجل أعمال مثل سعد الحريري أن يضيعه.

اقرأ أيضاً: ليس لهذا الزمن

إن مَن كبح حتى الآن محاولات التسوية هو «حزب الله» الذي سعى للإبقاء على الخلاف كجزء من شرعية استمرار نضاله ضد إسرائيل. كشْف الأنفاق الذي كشف كذب الحزب، وورّط الحكومة اللبنانية وجعلها تبدو كأنها لا تسيطر على ما يجري على أراضيها، أجبره على التراجع إلى الوراء: في المرحلة الحالية على الأقل لا يستطيع «حزب الله» الاستمرار في منع الدولة اللبنانية من الدفع قدماً بمصالحها.
المفاوضات المتوقعة بشأن مسألة الحدود البحرية ستكون سابقة: لأول مرة يجتمع ممثلو الدولتين بصورة مباشرة وليس في إطار النقاشات العسكرية الجارية برعاية قوات «اليونيفيل» في الناقورة. الموفد الأميركي ومساعد وزير الدفاع ديفيد ساترفيلد تنقّل بين بيروت والقدس بمسعى أخير قبل تعيينه سفيراً للولايات المتحدة في تركيا. إذا نجح في مسعاه فإنه سيترك مزارع شبعا كمسألة وحيدة موضع خلاف بين إسرائيل ولبنان (أو لمزيد من الدقة: «حزب الله»).
في إسرائيل اكتشفوا فوراً ضعف «حزب الله»، واستغلوا ذلك على الأرض، ليس فقط لتحييد الأنفاق، بل أيضاً لتسريع أعمال بناء العائق الجديد على حدود لبنان – بما في ذلك في النقاط موضع الخلاف مع لبنان بشأن الخط الذي تمر فيه الحدود. الأعمال (التي تشمل إقامة عوائق وجدران من شأنها أن تجعل من الصعب قيام «حزب الله» بهجوم مستقبلي) تأخرت في النقاط الخلافية كي لا يكون لدى «حزب الله» ذريعة للتصعيد. الآن تشعر إسرائيل بالثقة لاستكمال هذه الأعمال من دون الخوف من رد.
دليل آخر على ضائقة «حزب الله» برزت، الأسبوع الماضي، في خطاب حسن نصر الله. منذ سنوات لم نرَه مضغوطاً بهذه الطريقة: يتصبّب عرقاً، خائف، ويهدد. لقد ربط زعيم «حزب الله» في كلامه بين الضغط الأميركي على إيران وبين حرب محتملة لحزبه ضد إسرائيل. ودل ذلك أكثر من أي شيء آخر على ضائقة (حكومية، اقتصادية، سياسية وربما شخصية أيضاً): إذا كان نصر الله أراد تخويف إسرائيل ودفعها إلى إقناع الأميركيين برفع الضغط عن إيران فإنه فقط ورط نفسه أكثر مع واشنطن.
في كلامه حذّر نصر الله من أن الصواريخ الدقيقة لديه قادرة على ضرب أي نقطة في إسرائيل. مَن ردّ عليه كان رئيس الاستخبارات العسكرية، اللواء تامير هايمن، الذي قال في أواسط الأسبوع في محاضرة في تل أبيب، إن إسرائيل ليست بحاجة إلى نصر الله كي تعرف ماذا لديه أو ليس لديه في مخازنه. لقد أراد هايمن أن يقول إن نصر الله يكذب ويتباهى بقدرة ليست لديه (وأراد أن يُظهر له مرة أُخرى أن حزبه مخترق استخباراتياً)، لكن كلامه بدا كغطرسة لا لزوم لها.
كان من الأفضل لو تحدث رئيس الاستخبارات العسكرية بصورة مختلفة، وليس فقط فيما يتعلق بـ «حزب الله». أيضاً كلامه عن الروس – «الذين يخلقون احتكاكات يبادرون إلى خلقها كي يكونوا قادرين على حلها» – كان لا لزوم له (حتى لو كان صحيحاً). روسيا مهمة جداً لإسرائيل أكثر من أن ندخل معها في مشكلة على أمور لا أهمية لها؛ هناك وسائل أُخرى كي يحاول هايمن ترميم مكانته كرئيس للاستخبارات العسكرية التي تضررت بصورة شخصية بعد فشل العملية في تشرين الثاني الماضي في خان يونس.
التطورات لا تتوقف في الجبهة الشمالية. أيضاً على الجبهة السورية، من المتوقع قريباً حدوث تطورات مهمة. اللقاء الثلاثي الذي من المنتظر أن يجري خلال هذا الشهر في القدس بين مستشاري الأمن القومي في الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل هو حدث غير مسبوق: بعد مرور 53 عاماً على حرب «الأيام الستة» سيلتقي ممثلون عن الدولتين العظميين للبحث في حل المسألة السورية.
إسرائيل بدعم أميركي (أو لمزيد من الدقة: الولايات المتحدة بضغط إسرائيلي) ستحاول الضغط على الروس للمساعدة على إبعاد الإيرانيين عن سورية. ويبدو أن للروس مصلحة في حدوث ذلك، لكنهم سيأتون مع قائمة مطالب وعلى رأسها الطلب (الذي لم يلبَّ) بأن تمول الولايات المتحدة إعادة إعمار سورية.
هذا الحوار الأميركي – الروسي ستكون له أهمية تتجاوز المصالح الإسرائيلية وما يجري في المنطقة. العلاقات بين الدولتين ليست ممتازة، والغرض من اللقاء بين مستشاري الأمن القومي – الإنجاز الوحيد لقمة ترامب – بوتين في هلسنكي العام الماضي – هو تحسين هذه العلاقات. وحقيقة أن هذا الاجتماع يجري في القدس برعاية ومشاركة إسرائيلية أمر مدهش.
في هذه الأثناء تجري الأعمال على الأرض كالمعتاد. في إثر إطلاق صواريخ على جبل الشيخ، هاجم الجيش الإسرائيلي مواقع وعتاداً عسكرياً تابعاً للجيش السوري، وبحسب التقارير، هاجم أيضاً أهدافاً إيرانية في مطار T-4. لا توجد علاقة بين الحادثتين: الأولى كانت رداً، والثانية، هكذا قيل، هي استمرار للعمليات الإسرائيلية الدائمة ضد محاولات تمركز إيران في سورية.
حتى الآن تحافظ هذه العمليات على التفوق الإسرائيلي في الساحة الشمالية، لكن تحديداً إطلاق الصواريخ على جبل الشيخ يجب أن يقلق إسرائيل. ليس فقط لأنه لم يجر بعد الكشف عن الجهة المسؤولة عن هذا الإطلاق الذي حدث في منتصف الليل من دون سبب أو علاقة مباشرة، بل لأنه من الضروري منع تحوله إلى أمر عادي.
في الحدود التي تتشكل من جديد بعد أكثر من 7 سنوات من الحرب الأهلية يجب على إسرائيل المحافظة ليس فقط على دفاع قوي بل أيضاً على ردع مهم. من دون ذلك ستتسرّب إليها جميع مشكلات المنطقة – من ضائقة «حزب الله» في لبنان، مروراً بوجع رأس إيران، وصولاً إلى أي «مخرب»، وخلال لحظة يمكن أن يتحول الجولان إلى منطقة قتال فعلي، وإلى سبب لاحتكاك دائم وخطر بين إسرائيل والمحور الراديكالي في الشمال.

السابق
تحذير دولي وإقليمي من «مسترئس منفرد» يأخذ لبنان إلى المجهول!
التالي
العثور على شاب جثة هامدة مضرجاً بدمائه في صيدا