نحن (عربا ومسلمين) والغرب وفكرة الاندماج

مصطفى فحص

يشكل عدد البريطانيين من أصول باكستانية 1.7 مليون من أصل 66 مليونا هم عدد سكان المملكة المتحدة، إلا أن هذه النسبة لم تقف حاجزا أمام الجالية الباكستانية للعب دور في الحياة العامة البريطانية وخصوصا السياسية.

ورغم أن عدد أعضاء مجلس العموم البريطاني من أصول باكستانية يبلغ 12 من كل 16 عضوا مسلما، إلا أن النقلة النوعية في دور هذه الجالية في الحياة السياسية البريطانية جاءت على يد صادق خان الذي فاز بانتخابات عمدة العاصمة لندن سنة 2016 عن حزب العمال، والذي قد يترشح لزعامة حزبه كمقدمة لترشحه لرئاسة الحكومة البريطانية.

في التجربة العربية في الحكم لم تلغ من دساتير هذه الجمهوريات وجوب كون رئيس الدولة مسلما
بدوره، ذكر ساجد جاويد، وزير الداخلية الحالي في حكومة رئيسة الوزراء المستقيلة تيريزا ماي عن حزب المحافظين، ترشحه للمنافسة على زعامة حزبه كمقدمة للمنافسة على موقع رئاسة الوزراء في الانتخابات التشريعية المقبلة.

اقرأ أيضاً: صفقةٌ يمكن لترامب وخامنئي إبرامها

ترشّح جاويد وإمكانية ترشّح خان، يرجح احتمال وقوف بريطانيا شاهدا أمام وجود منافس مسلم على رئاسة حكومتها المقبلة، خصوصا من جانب صادق خان، الذي يملك حظوظا أكبر من ساجد جاويد في زعامة حزبه كونه عمدة لندن، وهو المنصب التنفيذي الثاني في بريطانيا بعد رئيس الوزراء، كما أن طبيعة حزب العمال الليبرالية، التي كانت عاملا حاسما في تبني ترشيحه لموقع حاكم العاصمة، وساهمت في وصوله، ستكون حاضرة في المنافسة داخل الحزب وفي الانتخابات التشريعية، وهذا ما لا يحظى به صادق جويد بسبب التيارات المسيحية المحافظة داخل حزب المحافظين، بالرغم من تأكيده على التزامه بطبيعة بريطانيا المسيحية عكس منافسه صادق خان، الذي يصر على إظهار ارتباطه بثقافته الإسلامية، ولكن بات من المتوقع منافسة مرشح من أصول باكستانية مسلمة في الانتخابات التشريعية البريطانية المقبلة على منصب رئيس الوزراء.

أما في بلادنا، التي تعيش مرحلة فوضى الربيع العربي والثورات المضادة، ما زلنا ندفع ثمن نموذج الجمهوريات الوراثية (العائلية والحزبية) التي جاءت بانقلابات عسكرية، رافعة شعارات الثورية والتقدمية، ومحاربة الرجعية والإقطاع والتمييز الطبقي. هذه الجمهوريات كانت ذريعة لإلغاء الموروثات الثقافية والسياسية للجماعات الوطنية بعدما نجحت في مصادرة المجتمع لصالح الدولة ومصادرة الدولة لصالح الجيش ومصادرة الجيش لصالح الحزب ومصادرة الحزب لصالح العائلة ومصادرة العائلة لصالح الفرد الذي نصب نفسه حاكما مطلقا للبلاد والعباد.

ففي التجربة العربية في الحكم، بكافة فروعها (القومية واليسارية والإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي)، لم تلغ من دساتير هذه الجمهوريات وجوب كون رئيس الدولة مسلما (في تغييب كامل لشريحة أساسية شاركت في تشكيل الهوية العربية الوطنية نهاية القرن التاسع عشر) فيما جاء شعار “حماية حقوق الأقليات” ليحل مكان “حقوق المواطن والمواطنة”.

هذا النموذج في سياسية الاحتكار والتفرقة العرقية والدينية لم يكن حكرا على العرب فقط، ففي الذاكرة السوفياتية، كان الرئيس الأذري السابق حيدر علييف سنة 1986 المرشح الأقوى لمنصب الأمين العام للحزب الشيوعي السوفياتي، والذي يؤهله تلقائيا ليصبح مرشحا لرئاسة الاتحاد السوفييتي، إلا أن قائد الـ “كي جي بي” الأذري المسلم الشيعي، وجه بأصوات من داخل المكتب السياسي للحزب لم تخفِ تحفظها علانية بشأن ترؤس سوفياتي من أصل مسلم زعامة الأمة السوفياتية، ليتحول الحزب الشيوعي السوفياتي بين ليلة وضحاها إلى الحزب الشيوعي الأرثوذكسي الروسي.

أما في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، شهد أحد أبرز قادة الثورة في مرحلتها الأولى والمقرب من زعيمها آية الله الخميني جلال الفارس، ضغطا للانسحاب من المنافسة الرئاسية في دورتها الأولى سنة 1980 لأسباب عرقية، حيث توجد رسالة في صحيفة السيد الخميني أرسلها إلى أساتذة الحوزة العلمية في قم ومؤرخة في 1358 هـ. ش/ صفر 1400 هـ. ق‏ تنص على التالي: “رغم أن السيد جلال الدين الفارسي شخصية كفؤة، لكن أصله ليس إيرانيا. ليعلن السادة الأساتذة في قم، أنه غير قادر على تولي رئاسة الجمهورية. وقد تقرر إعلان انسحابه بنفسه”.

في موازاة هذا المشهد المشرقي (العربي والمسلم) المتراجع في بنيانه الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، الذي نجحت فيه السلطة في تفتيت المجتمعات المدنية والطبقة المتوسطة في مصادرة المجتمع الأهلي وكبلته بعلاقة ريعية، فعطلت بالتالي إنتاج الجماعة لصاح الفرد المقيد بحركة إنتاج الدولة، في موازته نقف نحن (عربا ومسلمين) ومعنا العالم بأسره أمام انجازات مدنية وحضارية، وتجاوز جريء للفوارق الإثنية والعرقية والدينية، سجلها الناخب الأميركي باسم باراك أوباما وأهالي لندن باسم صادق خان، ويضاف إليهما لائحة بأبناء المهاجرين الذين أصبحوا وزراء ونوابا في عدة دول أوروبية، آخرهم كانت السيدة السويدية العراقية عبير السهلاني التي فازت بمقعد في البرلمان الأوروبي.

جاء شعار “حماية حقوق الأقليات” ليحل مكان “حقوق المواطن والمواطنة”
فمن صادق خان وساجد جويد إلى بارك أوباما وكولن باول وكوندوليزا رايس، مرورا بمادلين أولبرايت وهنري كيسنجير اليهوديين، بريجنسكي الكاثوليكي وزلماي خليل زاده الأفغاني وعبير السهلاني العراقية ويمنة زهرة بالعيدي وجانيت بوغراب الجزائريتين، وهم مهاجرون أو أبناء مهاجرين، تكون دولة القانون قد حَمَت قيمها وسمحت لهؤلاء الذين استطاعوا الاندماج داخل مجتمعاتها بالمشاركة، ليصبحوا شركاء في الحقوق والواجبات وأنجزت تحولات مدنية كبيرة وجريئة، وأثبت امتلاك هذه المجتمعات لإرادة التغيير، بعد التزام الأقلية المهاجرة بالقانون وقبول الأغلبية بشراكة الآخرين، ضمن جغرافيا المعرفة وتجارب الإنسانية.

أما في بلادنا، فلا تزال العصبيات والهويات الضيقة حاكمة، لتدفع بعجلة الموت والتدمير للسيطرة على واقعنا.

السابق
بو صعب ردا على احمد الحريري: لم نضغط على أحد بل ضغطنا على من يضغط على المحكمة
التالي
بوصعب الذي ترك الحدود البرية والبحرية وتفرغ للدفاع عن سوزان الحاج