إدغار موران باحثاً «في مفهوم الأزمة» عن تطوّر الانحرافات في النُّظُم الاجتماعية

كتاب
صدر مؤخراً، كتاب لإدغار موران، باللغة العربية، يحمل عنوان: "في مفهوم الأزمة"، وهو من ترجمة بديعة بوليلة، ومن منشورات "دار الساقي" في بيروت، في طبعة أولى 2018.

“إدغار موران” هو عالم اجتماع ومفكر فرنسي، وهو مدير أبحاث فخري في “المركز الوطني للبحث العلميّ” (CNRS) في فرنسا. والأهمّ من كل ذلك، أن موران يُعدّ واحداً من المفكرين الأكثر فرادة في عصرنا، وقد تجاوز تأثيره الفكري والمعنويّ حدود بلده فرنسا.

ولقد قام “موران” بتصدير كتاب «في مفهوم الأزمة»، (وهو كتاب صغير الحجم) بمقدِّمة خاصّة، للطبعة العربية، تليها “توطئة” هي عبارة عن مقابلة أجراها فرنسوا ليفونيه مع الكاتب في 16 كانون الثاني/ يناير 2016، حول مضمون هذا الكتاب، الذي يقول فيه موران مؤكداً: “إن الإنسان بما هو “شبكة تناقضات” حيوان أزميّ”.

وتناول الكاتب موضوعه عبر سبعة محاور تحمل العناوين التالية: “الحيوان الأزميّ”؛ “في مفهوم الأزمة”؛ “المبدأ اللاتنظيمي للتنظيم”؛ “التركيب النظري للأزمة”؛ “مكوِّنات مفهوم الأزمة”؛ “الأزمة والتحوّلات”؛ و”نحو عِلْم للأزمات”.

اقرأ أيضاً: «حكايات من قصر منصور» وعن حزب الله… لشريف الحسيني

وتقول المقدِّمة: كثيراً ما يستخدم مصطلح الأزمة كمكوّن أو حتى كتفسير لكنه لم يخضع أبداً للمساءلة. يحمل مفهوم الأزمة داخله اختلال التوازن وغياب اليقين. يمكن أن يتعلق غياب اليقين بسبب الأزمة لكنه متعلّق دائماً بمستقبلها. هل سوف تُمتص؟ هل ستتفاقم؟ هل ستسبّب تراجعاً أو تقدّماً… أو الاثنين معاً؟ أو عودة إلى الوضع القائم؟

كما يشمل غياب اليقين طبيعة الأزمة نفسها: هل هي مجرّد فوضى أو أزمة، مهما كانت، أزمة أعصاب أو أزمة عالمية؟ هل لها ملامح خاصّة؟

حاولت أن أثبت أنّ الأزمة، إضافة إلى اختلال التوازن وغياب اليقين اللذين تحملها، تتمظهر في الإخفاق في ضبط نظام الكبح أو كبت الانحرافات (ارتجاع سلبي feed – back negative) للحفاظ على الاستقرار، ومن هنا، تتطوّر الانحرافات التي لا تعود مكبوتة وتصبح اتجاهات فعالة. والأخيرة إذا ما تطوّرت، تهدّد بعمق أكثر النظام المتأزم. في النظم الفيزيائية، يُشكلّ تطوّر الانحرافات ارتجاعاً إيجابياً يدمّر أو يفكّك النظام. أمّا في النظم الحيّة، وبخاصة الاجتماعية، يقود تطوّر الانحرافات إلى تحوّلات رجعية أو تقدمية، وحتى إلى ثورة.

تُحفز أزمة مجتمع ما مسارين متناقضين: الأول البحث عن حلول جديدة تحفّز الخيال والإبداع، والثاني البحث عن الخلاص بالعودة إلى استقرار ماضٍ وبالتعلّق بمنقذ قدري وكذلك بإدانة أو حرق مذنب ما. يمكن أن يكون هذا المذنب قد تسبب في أخطاء أدت إلى الأزمة أو أنه مذنب خيالي، أي كبش فداء، يجب التخلص منه.

من اللافت أنه عندما تتفاقم الأزمة وتتواصل من أزمة إلى أزمة، فإن انحرافات الأزمة الأولى تصبح هي القاعدة. ولكن بما أن الأزمة تستمر بطريقة جديدة، فإنها (أي الانحرافات الأولى) تُغلب بانحرافات جديدة بالنسبة إليها، ويقع التخلص منها أو تكون ضحية، أي يصير منتصرو أزمة أولى مهزومي الأزمة الثانية.

أتمنى أن تكون الإشارات التي يحملها هذا الكتاب مفيدة للقارئ العربي الذي يواجه أزمات عدّة ومتراكبة. لا يمكن لهذه الإشارات أن تشكّل تشخيصاً أو خطّ سلوك لكنها تُحرّض العقل على أن يكون حاضر الانتباه دائماً إلى الانحرافات التي تتطور، والتحولات الرجعية أو التقدمية، والظواهر النفسية التي تحفّزها الأزمة للبحث عن حلول.

ومما جاء في “التوطئة”: فرنسوا ليفونيه: في أي سياق “نظري” و”عملي” كتبت في مفهوم الأزمة الذي نُشِر للمرة الأولى عام 1976؟

اقرأ أيضاً: «فنُّ القراءة»… ما يميّز نوعَنا الإنسانيّ

إدغار موران: لطالما صدمتني هذه المفارقة: عند اليونان توافق كلمة “أزمة” – krisis – اللحظة التي تُمكن من تشخيص المرض، أي اللحظة التي تكون فيها أعراض مرض معيّن واضحة جداً، فتتيح للأطباء القول إنها الحصبة او الإنفلونزا، في حين أن كلمة “أزمة”، كما نفهمها اليوم، تعني العكس تماماً: إنها تُتَرجم صعوبة التشخيص. في المُجمّل، تأتي الأزمة هنا بغياب اليقين. لذلك، شرعت في تحليل معنى هذه الكلمة. ومن بين المكوّنات المتأصلة في هذا المفهوم فكرة الزيادة في غياب اليقين؛ عندما نتحدّث عن أزمة وزارية، لا نعرف جيداً من سيكون الوزراء الجدد أو رئيس الحكومة الجديد، وكذلك الأمر بالنسبة إلى أزمة اقتصادية، إذ لا نعرف ماذا سينتج عنها. هذا هو المستوى الأول من التحليل.

على مستوى ثان، إذا ما رجعنا إلى مفهوم الضبط السبراني، نسبة إلى السبرانيّة، المنهجية العابرة للاختصاصات، فإن الأزمة تعني وفق منطق الارتجاع السلبي (feed – back – negative)، الذي يمكّن من التقليل من الانحرافات بمجرّد ظهورها، أن وسيلة الضبط لم تعد تعمل بطريقة صحيحة، وأن انحرافاً قد ظهر في سياق الأحداث والأمور. أما وفق منطق الارتجاع الإيجابي (الذي يناقض السلبي، إذ إنه يفك الضبط)، فيمكن للانحراف إذا ما تطور أن يقود إلى تفكك النظام، وهو ما يحدث في النظم الفيزيائية. إن ما أثار اهتمامي بصفة خاصة، في النُّظم الحية، وبالأخص البشرية والاجتماعية، أنه يمكن للانحراف الذي تسببه الأزمة أن يفسح المجال أمام تنظيم جديد قد يكون أفضل لأنه يجيب عن الأسباب التي أثارت الانحراف.

السابق
العسكريون المتقاعدون: دول وجهات تسعى لإضعاف الجيش!
التالي
برنامج إصلاح قطاع الكهرباء في لبنان.. مسرحية لم تنجح في صيدا!