عقل ترامب بين «شوارب» جون بولتون وشياطينه

جون بولتون
حين سُئل الرئيس دونالد ترامب بعيد فوزه بالإنتخابات الرئاسية في العام 2016، عما إذا كان سيعين جون بولتون وزيرا للخارجية الأميركية قال: لا أحب شاربيه. وحين تم تعيين جون بولتون مستشارا للأمن القومي علق وزير الدفاع الأميركي السابق، جيمس ماتيس قائلا: "إنه تجسيد للشيطان"، ويقول موقع" ذي إنترسبت ـ The Intercept "الأميركي" إن وصف بولتون بالشيطان قد يكون أقل من الواقع"، ( 15 ـ 1ـ 2019).

إذاً.. العالم امام شيطان بـ”شوارب” كثة، هذا ما يقوله الأميركيون وغيرهم ، وهذا بحد ذاته يستدعي مراجعة ما كتبه هؤلاء عن جون بولتون إثر توليه منصب مستشار الأمن القومي الأميركي في العام الماضي.
بحسب تقرير لشبكة ” بي بي سي” التلفزيونية الإنكليزية (23ـ 3ـ 2018 ) أن جون بولتون لا يولي أهمية لهيئة الأمم المتحدة، وفي خطاب له في العام 1994 قال: “لا يوجد شيء اسمه الأمم المتحدة، بل هناك مجتمع دولي قد تقوده الولايات المتحدة وهي القوة الحقيقية الوحيدة المتبقية في العالم”.
جون بولتون عمل في ثلاث إدارات جمهورية (رونالد ريغان ـ جورج بوش الأب ـ جورج بوش الإبن)، عُرف عنها بميلها الحاد نحو خوض الحروب، من “حرب النجوم” مع الإتحاد السوفييتي المنهار، إلى المواجهة مع الغزو الشيوعي لأفغانستان في ثمانينيات القرن العشرين، إلى حرب أفغانستان الثانية لإسقاط نظام حركة “طالبان “في العام 2001، ثم خوض حربين في العراق ،الأولى في العام 1991، والثانية في العام 2003، وما بين هذه الحروب يأتي الإجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982، وكذلك حرب تموز/ يوليو 2006.

اقرأ أيضاً:  الأزمة بين إيران وأميركا: من يئن أولا «يرن» أولا 

ذاك السجل الحافل بالحروب لدى الإدارات الجهورية في البيت الأبيض، تشكل عقيدة جون بولتون السياسية والعسكرية، في مواجهة العام قاطبة بما فيه روسيا، حيث يدعو بولتون للتعامل معها من موقع القوة كما ورد في تقرير المشار إليه سابقا لشبكة “بي بي سي”.
ومثل هذه العقيدة، كانت أشارت إليها صحيفة “وول ستريت جورنال الأميركية” بتاريخ 13ـ 1ـ 2019، وأكدتها صحيفة “نيويورك تايمز” بعد يوم واحد، حين قالت إن منسوب القلق لدى وزارة الدفاع الأميركية آخذ بالإرتفاع جراء الخشية من سلوكيات جون بولتون التي قد تؤدي إلى اندلاع مواجهة بين إيران والولايات المتحدة، وأسباب هذه الخشية آنذاك، تراكمت بفعل إسراع بولتون في سبتمبر / أيلول2018 إلى مقر وزارة الدفاع الأميركية طالبا من كبار الضباط والخبراء العسكريين إعداد خطة هجومية ضد إيران، للرد على استهداف الحي الدبلوماسي في العاصمة العراقية بغداد، بثلاث قذائف، قيل إن المجموعات المرتبطة بطهران تقف وراءها.
هذه الدعوة لمواجهة إيران او قصفها، كان جون بولتون قد أطلقها في مقالة شهيرة كتبها في مارس / آذار 2015 لصحيفة “نيويورك تايمز” أي قبيل التوقيع على الإتفاق النووي بين ايران والمجموعة السداسية بأشهر قليلة، وحملت عنوان: “لإيقاف قنبلة إيران اقصفوا إيران بالقنابل” وقال فيها: “إن الحل العسكري هو الحل الوحيد للمشكلة النووية مع إيران”، وكشف وزيرالدفاع الإسرائيلي الأسبق شاؤول موفاز (25ـ 3ـ 2018 )في مؤتمر نظمته صحيفة “يديعوت احرونوت” أن جون بولتون حين كان يعمل في إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الإبن طلب منه قصف إيران، وكتبت صحيفة “بريتبارت نيوزـ breitbart”. (2ـ 3ـ 2018): “إن بولتون من أكثر الشخصيات السياسية المقربة من الرئيس ترامب وأسهمت بدفعه للتخلص من الإتفاق النووي”، وكتب كيرت ميلز، في “ناشيونال انترست “The National Interestـ 22ـ 4ـ 2019): “إن دونالد ترامب يتبع سياسات القواعد الخاطئة مع إيران وإن جون بولتون وجماعته يحرقون المراحل والخيارات”.
ومثلما دعا بولتون إلى قصف إيران ، فإنه دعا أيضا إلى قصف كوريا الشمالية، ففي مقالة كتبها لصحيفة “وول ستريت جورنال” بتاريخ 28 ـ2ـ 2018، قال إن من حق الولايات المتحدة إن تبادر إلى شن حرب وقائية على بيونغ يانغ ويجب عدم الإنتظار حتى الدقيقة الأخيرة أوحتى اللحظة الأخيرة التي يمكن أن تلجأ خلالها كوريا الشمالية إلى مهاجمة الولايات المتحدة ، وفي حوار مع “بريتبارت نيوز” ( 2ـ 3ـ 2018) قال بولتون إن كوريا الشمالية كانت على مشارف الإستعداد لقصف الولايات المتحدة، وهي قد تبيع أسلحة نووية لإيران ولتنظيمي “القاعدة” و”داعش”.
وبعد استلامه منصب مستشار الأمن القومي الأميركي، كتبت صحيفة “واشنطن بوست” (22ـ 3ـ 2018) تحت عنوان: “متعصب جديد في البيت الأبيض”، فنقلت عن مسؤول في لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي قوله: “إن بولتون كان يطلب من المحللين الإستخباريين تصنيع وتلفيق تقارير حول امتلاك كوبا أسلحة جرثومية، وهو الأمر الذي يماثل التعاطي الأميركي حيال العراق وتقارير اسلحة الدمار الشامل التي سبقت حرب العام 2003.
وبحسب “ناشيونال انترست” أن جون بولتون هو الذي دفع بإتجاه إبقاء القوات الأميركية في سوريا (10 ـ 1ـ 2019).
وبعد تعيين بولتون في مجلس الأمن القومي الأميركي:
ـ كتبت “نيويورك تايمز”: تعيين بولتون في مجلس الأمن القومي سيرفع حدة المخاطر (22ـ3ـ 2018).
ـ وكتبت “فورين بوليسي”: بولتون يعد بسياسة خارجية أكثر عدوانية ويعتقد أن التغيير يكمن في استخدام القوة العسكرية (22ـ 3ـ 2018).
وكتبت “الفاينيشيل تايمز” البريطانية: “تعيين بولتون فشل إضافي للمعتدلين ودليل على حال اضطراب في البيت الأبيض (22ـ 3ـ 2018 ).
وخلاصة الآراء التي سعت إلى سبر المنظومة المفاهيمية لجون بولتون محورها التالي:
ـ عدم قناعته بدور الأمم المتحدة ولا بمجلس الأمن الدولي كأعلى هيئة أممية لتنظيم العلاقات الدولية، ومن هذه الزاوية يجدر النظر إلى صفقة “القرن” الخاصة بالقضية الفلسطينية، حيث أطاح الرئيس ترامب بوحي من بولتون وبوحي من آخرين يحملون الأفكار المشابهة لأفكار بولتون، بكافة القرارات الدولية المتعلقة بفلسطين، ابتداء من القرار 181 الصادر في العام 1947 والمعروف بقرار التقسيم ، ومرورا بالقرار 194 المعروف بقرار حق العودة والصادر في العام 1948، والقرار 242 الصادر إثر حرب العام 1967، والقرار338 الصادر عقب حرب العام 1973، وصولا إلى قواعد ومنطلقات مؤتمر مدريد في العام 1991، وكذلك الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان السورية.
وبمعنى موجز ومختصر، أن لا دور من قريب أو من بعيد للأمم المتحدة حيال القضية الفلسطينية ولا حيال احتلال الأراضي السورية أو أي أراض عربية أخرى، وكل ما صدر من قرارات سابقة لا لزوم لها إطلاقاً، فالجهات المقررة في هذا الشأن: الولايات المتحدة وإسرائيل .
ـ عدم القناعة بالإتفاقيات ذات الطابع الدولي أو التعاقدي التي تحد من قوة او نفوذ الولايات المتحدة، أو تلك الإتفاقات التي تراها الولايات المتحدة تتعارض مع أهدافها أو استراتيجياتها او يجب تعديلها وإبرام غيرها ،ومن هذه الزاوية جاءت انسحابات الولايات المتحدة من الإتفاق النووي مع ايران، ومن اتفاقية “باريس للمناخ”، ومن اتفاق تجارة الشراكة عبر المحيط الهادئ، ومن اتفاق “نافتا” مع كندا والمكسيك (تم التوصل إلى بديل عنه)، ومن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ومن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “يونسكو”، ومن ميثاق الأمم المتحدة للهجرة، ومن وكالة “أونروا”، ومن معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى الموقعة مع روسيا في المرحلة السوفييتية.
في تقرير للتلفزيون الألماني ( 23ـ 3ـ 2018 ) جاء “ان جون بولتون شخصية مستفزة وميالة للحرب”، وتصفه قناة I24 الإسرائيلية بأنه من دعاة الحروب الإستباقية (24ـ 4 ـ 2018)، وتتساءل “ناشيونال انترست” بعد تصاعد التوتر بين إيران والولايات المتحدة منذ مايو / أيار 2019، عما إذا كان صاحب “الشارب الكث” جون بولتون سيورط دونالد ترامب بحروب الشرق الأوسط ( 24ـ 4ـ 2019) ،فيما ترى مجلة “نيوزويك” ان افضل طريقة لمنع وقوع الحرب تكمن في إقالة جون بولتون ( 13ـ 5ـ 2019).

اقرأ أيضاً: ساتلوف: خطة جاريد كوشنر للسلام ستشكل كارثة

من مفارقة السياسة والفن ، أن مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، من الجذور العائلية نفسها لرامزي بولتون، الشخصية المتخيلة في المسلسل الأميركي الشهير “صراع العروش” للكاتب جورج مارتن.
ورامزي بولتون شخصية سادية تقف على قمة الشرالمطلق، لا يرده وازع عن القتل، ولا يردعه رادع عن التعذيب، ولا يكبحه ضمير عن الوصول إلى غايته بالتملك والسيطرة والنفوذ، وفي سياق سعيه لتوسيع حدود أملاكه ومساحاتها، يقتل والده وشقيقه بطريقة فظيعة ورهيبة، إلى أن يأتي من يقتله في نهاية الأمر.
هي مفارقة الفن والسياسة، وربما دعوة مجلة “نيوزويك” لإقالة جون بولتون هي الوجه الآخر “لصراع العروش”، حيث إقالة “السيء” جون بولتون كما تصفه صحيفة “الباييس” الإسبانية ( 2ـ 2ـ 2019)، تعادل نهاية حياة “الشرير” رامزي بولتون.
غير أن الصعوبة التي تحول دون إقالة جون بولتون، تتمثل في كون الأخير على ما تقول “الغارديان” البريطانية ( 10 ـ 5 ـ 2019 ) يرسم السياسة الخارجية الأميركية بالتعاون مع نائب الرئيس مايك بنس ووزير الخارجية مايك بومبيو، في حين أن دونالد ترامب يمضي وقته بالتغريد على “تويتر” أو بلعب “الغولف” في حدائق البيت الأبيض.

السابق
ساتلوف: خطة جاريد كوشنر للسلام ستشكل كارثة
التالي
هكذا تصنع إيران «الأخبار الزائفة»