هل بات الإقتصاد اللبناني إقتصاد أزمات؟

اقتصاد لبنان
في منتصف الثمانينات من القرن الماضي ، وإبان حرب المخيمات على ما أعتقد وقف فاروق القدومي وكان يومها رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية في إجتماع لجامعة الدول العربية ليتباهى ويقول بأن الفلسطينيون هم من بنوا شارع الحمرا في بيروت، وكانت يومها العملة اللبنانية قد بدأت بالتراجع والإنهيار في محاولة منه للقول بأن الوجود الفلسطيني في لبنان كان له دور في دعم الإقتصاد اللبناني.

نسترجع هذا الكلام اليوم بمناسبة الحديث عن الأزمة الإقتصادية والمالية التي تعصف بالبلد وعلاقتها بالعقوبات التي فرضت تدريجياً على حزب الله والمستمرة بقوة مع تشديد العقوبات أيضا على الممول الرئيسي له وهو إيران، وعن دور القطاع المصرفي اللبناني الذي لطالما كان عصب الإقتصاد اللبناني.

ففي خطابه الأخير تطرق الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ولأول مرة إلى الموازنة والوضع المالي والإقتصادي للدولة داعياً المصارف إلى المساهمة في تخفيض كلفة خدمة الدين العام ، في رسالة غير مألوفة في خطابات السيد التي غالبا ما توجه رسائل سياسية أو عسكرية أو جرعات دعم نفسي وتحفيز لبيئته السياسية والدينية والمذهبية ، ما يدعو للتساؤل الجدي عن علاقة الأزمة الإقتصادية والمالية اليوم بالعقوبات التي خفضت من الدعم المالي الإيراني لحزب الله الذي تقدره بعض الأوساط ب 700 مليون دولار سنويا ؟

نقول هذا الكلام في الوقت الذي وصلت فيه النيران إلى عباءة النظام اللبناني ألا وهو القطاع المصرفي عبر الإضراب الذي بدأه موظفي مصرف لبنان وتداعياته على القطاع ككل وعلى الوضع المالي في البلد ، وكان سبقه أيضا تحرك للمتقاعدين من القوى العسكرية وهي الركيزة الثانية للنظام اللبناني الأمر الذي يمثل خطورة غير مسبوقة على الوضع في لبنان .

فالقطاع المصرفي اللبناني كان دائما بعيدا عن التجاذبات السياسية والحروب الدائرة في البلد وكأن هناك من خط أحمر كان يمنع الإقتراب منه ، ففي عز الحرب الأهلية اللبنانية وما خلفته من حروب على إمتداد 15 عام وعلى كثرة اللاعبين المحليين والإقليميين في الداخل اللبناني ، ظل القطاع المصرفي وعلى رأسه مصرف لبنان خارج كل التجاذبات والصراعات وهو ما يطرح السؤال عن سر الترابط بين الحروب السياسية والعسكرية وبين الإقتصاد والمال في لبنان . إذ لم يعد غريبا مثلا أنه في وسط كل أزمة إقتصادية ومالية في لبنان منذ التسعينات حتى اليوم ترى بعض الناس تترحم على أيام الحرب بالقول أنها كانت أيام بحبوحة إقتصادية ، وهو ما قد يعطي صدقية للقول بأن العملة اللبنانية بدأت بالتراجع والإنهيار عقب خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان ، وما أدراك ما منظمة التحرير وإستثماراتها وميزانيتها التي كانت أكبر من ميزانية دولة بحيث كانت تمول الكثير من الأطراف الحليفة وهذا ربما ما كان يقصده فاروق القدومي في الجامعة العربية كما أسلفنا .

اقرا أيضا: ماذا يريد حزب الله من جنبلاط؟

هذا الوضع القديم يتشابه مع بعض الإختلاف الموضوعي مع ما يمر به لبنان منذ ما بعد إغتيال الرئيس الحريري ودخول حزب الله على الخط مباشرة بعد إنسحاب الجيش السوري وخاصة بعد حرب تموز حيث التعويضات من ” المال النظيف ” من جهة والمال العربي الخليجي من جهة أخرى ، وكذلك الإصطفافات السياسية وما تعنيه من تمويل احزاب وشخصيات ووسائل إعلام خاصة في مواسم الإنتخابات ، كل هذا ربما كان يغطي الممارسات السياسية والإقتصادية السيئة وكان يمثل إقتصادا موازيا بدل الإقتصاد السليم والحقيقي فكان كالورم الذي يراه البعض دليل صحة .

كل هذا يدفع للسؤال في ظل هذا الوضع الإقتصادي والمالي السيء هل لهذا الوضع الذي وصلنا إليه وإنكشاف الحقائق المؤلمة علاقة بالعقوبات من جهة وبتخفيض الأطراف العربية وخاصة الطرف السعودي من مساهماته للأطراف السياسية اللبنانية بعد التغييرات التي طرأت في السعودية بعد صعود نجم محمد بن سلمان وتبنيه سياسات مختلفة عن السابق ؟

وهل حديث حزب الله اليوم عن المصارف والنظام المصرفي اللبناني هو محاولة للتعويض أو أقله الضغط على أصحاب القرار الإقتصادي بالبلد من أجل المشاركة في هذا القرار بهدف حماية نفسه وبيئته من أثر العقوبات والتضييق الغربي عليه ؟

لنصل إلى السؤال الكبير .. هل بات الإقتصاد اللبناني الذي كان معروفا بحيويته وديناميكيته قبل الحرب الأهلية إقتصاد أزمات لا ينمو إلا في ظلها بعيدا عن الحسابات السليمة فبات إقتصادا إستهلاكيا قائما على ما يسمى هندسات مالية لا يفهم مغزاها إلا أصحاب المصالح والراسخون في علم الإقتصاد ، ولكنها أشبه بمن يغسل الدماء بالدماء أو بمن يلحس المبرد ، ومرتبطا بتطورات خارجية قد تودي به عند أي منعطف سياسي ، دون حساب لمصلحة الناس ودون أي مردود على المواطن البسيط العادي الذي بات على حافة الهاوية وما أزمة الإسكان للشباب إلا أحد وجوهها وكذلك أزمة الكهرباء والمياه الملوثة والبيئة الموبوءة بكل أنواع السموم ؟

أسئلة كثيرة وخطيرة في بلد بات أقرب ما يكون إلى دولة فاشلة في ظل طبقة سياسية جشعة همها الوحيد تناتش المكاسب والمراكز والصلاحيات كما هو حاصل اليوم تارة في الهجوم على المصرف المركزي وحاكميته ، وتارة على شركة طيران الشرق الأوسط ، وتارة في القضاء الذي عطلوه بتدخلاتهم وأدخلوه في صراعات مع بعض الأجهزة الأمنية وكأننا في حارة كل مين إيدو إلو حيث لا قوانين تضع الحدود وتبين الصلاحيات، وتارة في المطار حيث تضارب الصلاحيات بين الأجهزة في مشهد يندى له جبين كل مسؤول يعرف معنى المسؤولية.

بات البلد كله ينتظر الترياق من الخارج عبر مؤتمر سيدر في الوقت الذي تغلي فيه المنطقة وهي على أعتاب تطورات خطيرة ومفصلية تتمثل بإطلاق ما يسمى ” صفقة القرن ” متلازمة مع التصعيد بين أميركا وإيران ، وإطلاق يد إسرائيل في سوريا عبر تفاهمات إسرائيلية – روسية.

يبدو لبنان في هذا الوقت كبلد آيل للسقوط حيث يتلهى ” شياطينه ” بجدل بيزنطي حول جنس الموازنة والملائكة التي غادرته هربا من فسادهم وطغيانهم وجشعهم الذي لا حدود له .

السابق
الدراما حين تزعج السلطة ورجال الدين!
التالي
هيدا بلد…لأ مش بلد!