خليل المتبولي: «هي وهنّ» – الطلاق نغمة حزينة بين الرجل والمرأة!

ليست هناك في المسرح فكرة غير صالحة للتمثيل إذا توافرت لها زاوية رؤية جادّة ومخرج يعرف كيف يدير محركاتها، وفي فكرة المرأة المطلّقة استطاع الدكتور مشهور مصطفى أن يلتقط الرؤية ويجسدها في عرض مليء بالتألق والحميمية، حميمية دافئة موجعة، وجو نسوي عَبِق، زاده أداء الممثلة الوحيدة "مروة قرعوني" المخلص تأثيرًا وحبكة.

انتزع الدكتور مشهور مصطفى وهو مؤلّف ومخرج مسرحية “هي وهنّ” إعجاب جمهور مركز معروف سعد الثقافي منذ الوهلة الأولى، وهو يجسد الجو الحزين والحميم للمسرحية، عندما ندخل إلى القاعة تكون مطفأة الأضواء إلا من ضوء خفيف على المسرح، حيث تتواجد الممثلة في مقدمة المسرح تجلس على كرسي خشبي وأمامها مغزل صوف، تحيك به كنزة لابنها المسلوب منها، وكأنها بذلك تحيك لنا من خلال هذا المغزل قصص نساء مطلقات وغير مطلقات معنّفات من أزواجهن، وهي داخل قفص حديدي دائري لندرك أنها في السجن، يتدلى من السقف شعر مستعار بألوان عديدة دلالة على قصص نساء مختلفة، ويدور القفص خلال أحداث المسرحية وكأنها في حيرة أو تدور في دوامة الحياة. أو كأننا في رحلة داخل أنفسنا متسائلين عن معنى الحياة بين الرجل والمرأة، محاولين استكشاف ذواتنا، وتعرية التناقض بين الظاهر والباطن، والتفرقة بين الحقيقي والزائف، وإذا بالممثلة تفاجئنا بتمتمة لأغنية تحكي عن حياكة كنزة صوف لابنها شادي التي لا تعرف عنه شيئًا لأن والده أخذه منها بقرار قضائي وتمّ وضعها في السجن.

اقرأ أيضاً: «الأربعون ظلاًّ»… فلسفة شِعر إيهاب حمادة

“هي وهنّ” مونودراما مسرحية تحكي قصص النسوة اللواتي هنّ لا مطلقات ولا معلّقات، اللواتي يتأرجحن بين نظرة المجتمع وبين الرضوخ غصباً لمشيئة الشريك وممارسة عنفه المادي والمعنوي. مسرحية تغوص بنا عبر التداعيات الحرة لامرأة لن تكون وحيدة وفريدة، إنما تمثّل كل النساء بصورة مكثّفة وحادّة عبر علاقات الزواج والحياة، الحب والكره، إنطلاقًا إلى الإنفصال والطلاق من خلال العزف على أوتار العلاقة بالرجل، لنرى ونستنتج معزوفة خاصة لصور متعددة من الرجال في مجملها تساوي رجلًا واحدًا في الفكر وعلاقته بالمجتمع الذي يمنحه الأفضلية بالحقوق على المراة. رجل لا نراه في العرض المسرحي إنما بين كل قصة وقصة ترويها الممثلة نسمع صوت دعسات قدميه وهوراحلٌ وكأنه لا يعنيه شيء سوى إذلال هذه المرأة، رجلٌ حتمي التكوين انطلاقًا من فلسفة تعدد الصور إنما الجوهر واحد، حتى وإن تباينت وتعددت درجات الإتفاق والإختلاف في تفاصيل الصورة في مقابل المرأة المتكسرة الذات في رحلة بحثها عن وجودها في زواجها وروعة اكتشاف جمال الحياة الزوجية والآخر، إنما قدّر لها الإنفصال بعد رحلة عناء ومتاهة خانقة دون الوصول إلى حقها الطبيعي في الحياة…

هي وهن

اقرأ أيضاً: «فنُّ القراءة»… ما يميّز نوعَنا الإنسانيّ

لعبت السينوغرافيا دورًا بارزًا ومهمًا ومعبرًا ووظّفت توظيفًا ملائمًا لطبيعة الموضوع المطروح، حيث أصبحنا داخل القفص يواجه كل منّا الآخر، ندور معه دون أن ندرك حركة الدوران، وكان للإضاءة تأثير كبير في التنقل من مكان إلى آخر بجو حميمي ممزوج بالكآبة، بالإضافة إلى كل هذا الجمال بالعرض طغى صوت الفنان خالد العبدلله غناءً مع موسيقاه المميزة ليضيف على النص رونقًا وتألقًا، ومما يحمل النص من قساوة ومباشرة في بعض الأحيان. بالإضافة إلى كل ذلك نجحت الممثلة مروة قرعوني بأدائها التمثيلي الخارجي بليونة جسدها وخفته والتلاعب بتعابير وجهها، والداخلي في نقل الحالة النفسية الداخلية للمرأة مستخدمة إيقاعات متنوعة بين البطيء والسريع، معبرة عن مكنونات الشخصيات وإيقاعها الداخلي مؤدّية أداءً رائعًا وهو ما رفع بإيقاع وتناغم العرض المسرحي.
إن عرض “هي وهنّ” بتقنياته التي وظّفها المخرج الدكتور مشهور مصطفى تنبع أهميته من توظيف السينوغرافيا وعملية الإخراج توظيفًا فنيًاً عاليًا يعطي شكلًا جماليًا رائعًا، ويعبّرعن طبيعة الفكرة المطروحة. إنها صرخة إنسانية جديرة بالمعايشة والمعاينة عن قرب.

السابق
صفقة القرن.. الوقت لتغيير الفكر
التالي
إسمع يا دولة الرئيس: المقال الختامي