هكذا تكلم كمال جنبلاط

...تحل اليوم ذكرى إغتيال الزعيم الوطني الكبير كمال جنبلاط في 16 آذار عام 1977. وكان إغتياله هذا باكورة هذا النوع من العنف الذي إتخذته الأنظمة المجرمة وعلى رأسها النظام السوري، وسيلة لفرض سيطرتها وتحقيق أهدافها السياسية الخبيثة.

لقد عانى لبنان كثيرا من الإغتيالات السياسية كما هو معروف، وما الوضع الذي وصلنا إليه اليوم إلا نتاج هذا السلوك الإجرامي الذي حصد أرواح خيرة رجالات لبنان من سياسيين ومثقفين وصحفيين ورجال دين، بحيث بات هذا الفكر الإستئصالي سمة من سمات حياتنا السياسية وبات له أنصاره والمشجعين عليه، لا بل والمتباهون به.

هذا الفكر له جذوره في الأيديولوجيات والحركات والأنظمة الديكتاتورية الشمولية من قومية وإسلامية ويسارية متطرفة ناهيك عن الفاشية اليمينية العنصرية والمتوحشة. هذا كله تنبه له كمال جنبلاط الفيلسوف والسياسي وكان بفكره يمثل النقيض له وحاربه بقوة ورفض الإنصياع له تحت أي ذريعة أو مسمى وطني أو قومي أو غيره من المسميات، وهذا ما كان السبب الرئيس في إغتياله وشطبه من المعادلة لأنه كان بما هو عليه من مكانة وطنية وعربية ودولية يشكل عائقا أمام هذا الفكر وأهدافه الشريرة. وللجيل الجديد الذي ربما لم يقرأ ولا يعرف الكثير عن كمال جنبلاط، إرتأينا عرض البعض من أقواله وأفكاره التي طرحها من حوالي نصف قرن وهي تشكل نبؤات وإستشراف للمستقبل دفع حياته ثمنا لها وللإلتزام بها.

اقرأ أيضاً: في مثل هذا اليوم اغتيل «المعلم» كمال جنبلاط

يقول كمال جنبلاط عن لبنان والحرية والديمقراطية:

_ إن لبنان هو بلد أعظم تنوع ثقافي، وكان يمكن أن يكون أكثر غنى وبما لا يقاس لو أنه عرف نفسه.
_ إن لبنان الخالي من الطائفية، العلماني التقدمي هو الوحيد القادر على البقاء، أما لبنان الطائفي فمحكوم عليه بالموت.
_ إن مهمة نشر الفكر العربي ومهمة إحياء التراث العربي البالغ الثراء والإنسانية هما مهمة بعث، هما واجب اللبنانيين الأساسيين من مسلمين ومسيحيين أنى حلوا وأنى هاجروا.
_ كان الإسرائيليون مهتمين أقصى الإهتمام بتدمير لبنان وطمس صورته، ذلك أن بلادنا كانت تمثل في عيون العالم ضرباً من المرآة المضادة للنموذج الصهيوني، فالدولة اللبنانية كانت تبرهن أن في وسع عدة طوائف أن تحيا وتعمل معا بسلام.
_ إن حدة تعلقنا بالديموقراطية تجعلنا نتردد اليوم أمام أية صيغة للوحدة مع سوريا، فالحرية هي كرامة الإنسان.
_ إن إستقلالنا ووجهة نظرنا في الديموقراطية كان يرعبان الجميع، وكذلك الأمر إلى منحانا نحو البقاء مستقلين على صعيد العروبة وعلى صعيد مفهومنا للوحدة الإتحادية على الطريقة الهندية أو الأميركية أو السويسرية والتي لا علاقة لها بالمشاريع المزيفة للوحدة العربية التي يطلقها بين الحين والآخر أهل الحل والربط إلهاء للشعوب ومخادعة لهم.
_ هناك صراع بين الديكتاتورية والديموقراطية، فمن هم ليسوا أحرار يريدون منعنا من أن نكون أحراراً، فهل ستعيش الديموقراطية أم أنها ستخنق؟ اللبنانيون سيعرفون كيف يدافعون عن حريتهم.
_ ما أنا على يقين منه أن شعب بلادي متمسك بالحرية وسيتشبث بها.
– إن دولة تجمع بين الديموقراطية والتقدمية كانت وسواس جميع أنظمة الإكراه، وإحتمال وجودها يرعبهم، ذلك أن لكلمة الحق دوياً كإنفجار القنبلة الموقوتة.

اقرأ أيضاً: بالفيديو: كمال جنبلاط شخصية عابرة للطوائف

…هذا غيض من فيض فكر هذا المعلم الفيلسوف، وكلامه هذا الذي يبدو وكأنه نبؤة وإستشراف، نراه وكأنه كتب اليوم وهو يطابق واقعنا اللبناني والعربي، وهو يصلح ليكون خارطة طريق لكل الثوار الذين ينتفضون ضد الظلم والإستبداد المزدوج العسكري الذي تمثله الأنظمة الحاكمة، والديني الذي تمثله حركات الإسلام السياسي بشقيها السني والشيعي التي حاولت سرقة الثورات وأدخلتها في صراع طائفي دموي. أين نحن اليوم من فكر كمال جنبلاط الإنساني والتقدمي مما نحن فيه من طائفية ورجعية وتخلف إجتماعي وسياسي وأخلاقي وكم نحن اليوم بحاجة لفكر ورجال مثل كمال جنبلاط الذي عاش ثائرا وقضى شهيدا، وهو الذي كان له ملء الثقة بالشعب اللبناني وتوقه وتشبثه بحريته وكرامته الإنسانية.
ياسين شبلي

السابق
هؤلاء من سطوا على مولدات «الشرقية»…
التالي
ماريو عون: لإعادة النازحين بطريقة آمنة ونحن قلنا كلمتنا عبر وزير خارجيتنا وقاطعنا المؤتمر